رغم مرور 6 سنوات على الحرب التي شنتها دولة الاحتلال على قطاع غزة في 8 يوليو 2014، ما زال أهالي القطاع يعيشون أوضاعاً اقتصادية ومعيشية متردية خلفها العدوان.
سوء أوضاع القطاع، ضاعفها استمرار العدوان “الإسرائيلي” بأشكال مختلفة، فمن الحصار البري والبحري (منذ نحو 14 عاماً)، وقصف المنشآت، أو إطلاق النيران على المواطنين والمزارعين العزل، إلى قتل المدنيين وإصابتهم بدعاوى مختلفة.
الحرب التي وصفتها تقارير دولية بـ”الأطول والأعنف”، ساهمت آثارها في إضعاف القطاع اقتصادياً، بفعل تدمير المنشآت الصناعية والإنتاجية، وحرمان آلاف المواطنين من فرص عملهم ومصادر رزقهم.
تفاصيل الحرب
فجر الثامن من يوليو 2014، بدأت الحرب باستهداف “إسرائيلي” لمنزل سكني في غزة، تلته غارات مكثفة على مناطق متفرقة بالقطاع.
وبعد ساعات من الغارات المستمرة، أعلنت “إسرائيل” إطلاق مُسمى “الجرف الصامد” على حربها الثالثة على القطاع، بزعم وقف إطلاق الصواريخ من غزة باتجاه المستوطنات.
وحاولت الأجنحة المسلحة للفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها “كتائب عز الدين القسام”، الجناح المسلح لحركة “حماس”، التصدي للعدوان “الإسرائيلي”، بحسب إمكاناتها المتاحة.
ورغم المزاعم “الإسرائيلية”، يرجع مراقبون اندلاع الحرب بسبب أحداث سابقة، أبرزها تشديد الحصار “الإسرائيلي” على غزة، وتداعيات حادث اختطاف المستوطنين للطفل محمد أبو خضير من مدينة القدس، وحرقه في 2 يوليو من ذات العام.
كما شكّل اختطاف 3 “إسرائيليين” بالضفة الغربية، في 12 يونيو 2014، والعثور عليهم قتلى بعد 18 يوماً، شرارة إضافية لاندلاع الحرب، لا سيما أن “إسرائيل” اتهمت “حماس” آنذاك، بالمسؤولية عن الواقعة، وهو ما نفته الحركة.
وقال مسؤولون “إسرائيليون”، في تصريحات مختلفة: إن الهدف من هذه الحملة العسكرية كان تدمير قدرة المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة “حماس”.
جرائم ومجازر
ومنذ اليوم الأول للحرب، ارتكب الجيش “الإسرائيلي” 144 مجزرة بحق عشرات العائلات الفلسطينية في أنحاء متفرقة من قطاع غزة، رصدتها اللجنة العربية لحقوق الإنسان (منظمة إقليمية)، التي ذكرت منها:
– مجزرة الشجاعية: في 20 يوليو، قصفت المدفعية “الإسرائيلية” حيّ الشُّجاعية بشكل عشوائي ومكثف، راح ضحيته نحو 74 شهيداً، بينهم 17 طفلاً، فيما جرح مئات الفلسطينيين، وفق تقارير إعلامية.
– مجزرة المدرسة: في 24 يوليو، استهدفت “إسرائيل” مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، شمالي القطاع، أسفرت عن استشهاد نحو 16 من النازحين، وجرح المئات، بينهم أطفال ونساء ومسنون.
– مجزرة سوق الشجاعية: في 30 يوليو، خلال هدنة أعلنتها “إسرائيل” آنذاك لمدة 4 ساعات، قصفت بالمدفعية سوق “البسطات” بالشجاعية، ثم أعادت قصفه بعد تجمع الأهالي، ليسفر عن استشهاد 17 مواطناً، بينهم صحفي، ومسعفان، وإصابة أكثر من 200 آخرين، بحسب مصادر طبية.
– مجزرة رفح: في 1 أغسطس خلال فترة تهدئة معلنة، شنت “إسرائيل” غارات مكثفة على مدينة رفح، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 200 فلسطيني، وفقدت نحو 23 عائلة ثلاثة أفراد فأكثر من أبنائها خلال القصف.
نتائج الحرب
الحرب التي استمرت 51 يوماً، شن خلالها الجيش “الإسرائيلي” هجوماً براً وبحراً وجواً، ما يصل إلى 60 ألفاً و664 غارة على مناطق متفرقة من قطاع غزة.
وأدت تلك الغارات إلى استشهاد 2322 فلسطينياً، بينهم 578 طفلاً (1 شهر – 16 عاماً)، و489 امرأة (20 – 40 عاماً)، و102 مسن (50 – 80 عاماً)، وفق إحصاء رسمي صدر عن وزارة الصحة الفلسطينية.
كما تسببت بإصابة نحو 11 ألفاً، منهم 302 سيدة، بينهنّ 100 يعانين إعاقة دائمة، كما أصيب 3303 من بين الجرحى بإعاقة دائمة، وفق الإحصاء.
في المقابل، أسفرت الحرب عن مقتل 68 عسكرياً “إسرائيلياً”، و4 مستوطنين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وإصابة 2522 “إسرائيلياً” بجروح، بينهم 740 عسكرياً، نصفهم تقريباً باتوا معاقين، بحسب بيانات عبرية.
كما نتج عن الحرب وقوع جنديين “إسرائيليين” في قبضة “كتائب القسام”، أحدهما أعلنت أسره في 20 يوليو، ويدعى أرون شاؤول، خلال تصديها لتوغل بري شرقي غزة، والآخر أعلنت “إسرائيل” فقدانه برفح خلال الحرب، ثم قالت “حماس” لاحقاً: إنه في قبضتها.
وما زال الجنديان، إلى جانب مستوطنين “إسرائيليين” آخرين دخلا القطاع (في ظروف غير واضحة)، في فترة لاحقة، في قبضة “حماس”، وترفض الحركة الكشف عن مصيرهم قبل موافقة الحكومة “الإسرائيلية” على إبرام صفقة لتبادل الأسرى.
وفي 26 أغسطس، توصلت “إسرائيل” والفصائل الفلسطينية إلى هدنة، برعاية مصرية، تضمنت بنودها استئناف المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية” غير المباشرة في غضون شهر واحد من بدء سريان وقف إطلاق النار.
معاناة مستمرة
لم يتعافَ قطاع غزة من آثار الحرب، إذ ساهمت في هدم بنيته التحتية، كما أضعفت اقتصاده، وألقت بظلالها السلبية على الظروف المعيشية لسكانه، بحسب مراكز ولجان حقوقية.
فخلال الحرب، هدمت “إسرائيل” نحو 11 ألف وحدة سكنية، ما أسفر عن تشريد عشرات الآلاف من السكان.
ورغم مرور 6 سنوات على انتهاء الحرب، ما زالت ألفا وحدة سكنية تنتظر دورها في برامج إعادة الإعمار، بحسب ما أوردته وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، فبراير الماضي، فيما تم إعادة بناء بقية المنازل.
وتعاني العائلات التي ما زالت فاقدة لمنازلها، حتى الآن، من عدم قدرتها على تدبير أوضاعها المعيشية، خاصة في ظل تعليق وكالة “أونروا”، دفع “بدل الإيجار” لهم منذ عام 2018 جراء أزمتها المالية.
ومع بداية عام 2020، ارتفع مؤشرا الفقر والبطالة إلى 52% و50% على التوالي، وقال المرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان (مقره جنيف) نهاية يناير الماضي: إن نصف سكان القطاع فقراء، فيما يتلقى 4 أشخاص من بين كل 5 مساعدات مالية.
وتفرض “إسرائيل” حصاراً على قطاع غزة، منذ فوز “حماس” في الانتخابات البرلمانية عام 2006، ثم شددته منتصف عام 2007.
ومنذ عام 2007، بدأت “إسرائيل” تدريجياً منع إدخال العديد من المنتجات المستخدمة في الصناعات الإنشائية والصناعية إلى قطاع غزة، بحجة أنها تستخدم في غير الأهداف التي أدخلت لأجلها.