بدأت متابعة المسلسل الذي طال الحديث عنه من أول يوم من أيام الحظر الجزئي الأول شهر مارس الماضي، ولولا الحظر ما تابعته، لكن كل شيء فيه خير، وانتهيت قبل أيام من متابعة المسلسل، فتداخلت الخواطر عليَّ كثيراً.. كيف قدر المولى أن تتزامن متابعتي له مع ظروف كورونا ولكل منهما -الأزمة والمسلسل- ما لهما من تأثير في نفسيتي وتأملاتي؟!
وإذا نحينا أزمة كورونا، أو منحة كورونا -حسب زاوية الرائي إذ إن الكثيرين خرجوا منها بفوائد جمة لا يتسع المقام لذكرها هنا- إلا أنني وددت أن أتطرق لهذه الملحمة الإعلامية، وكيف أثرت بي شخصياً، فضلاً عن الملايين سواي، وأعلم أن المسلسل به إضافات من خيال الكاتب، إلا أن القصة الرئيسة صحيحة.
فأدركت تماماً خطورة الإعلام والدراما ومدى قوة تأثيرهما في العقول والقلوب، ولا أصدق من ذلك إلا تعليق ابنتي البكر إذ قالت لي بالحرف: إن هذا المسلسل قد حرَّك بي شيئاً، ودعاني للتأمل في أولويات حياتي، وكم قدمت لديني مقابل تضحيات جمة قام بها السابقون عبر التاريخ!
تمنيت لو آمن أحد المخلصين من الملايين في عالمنا الإسلامي بأهمية الإعلام والدراما واعتبرهما تجارة رابحة فاستثمر فيهما لنصرة دينه!
“لم نكن يوماً من الذين تراجعوا أو خانوا أو هربوا من هذا العالم الذي نعجز عن حكمه حتى ولو للحظة واحدة ولن نكون كذلك.. الله أكبر.. الله أكبر”، (ارطغرل يودع قبيلته متوجهاً للجهاد ضد المغول في الحلقة الأخيرة).
خرجتُ من المسلسل وتتردد في ذهني عبارات ذكرها البطل وآخرون، وكلها ترمز إلى معاني العزة وعلو الهمة والاستعانة بالله القدير جل وعلا.
وتأملت في الحبكة الفنية، فالمسلسل يتطرق إلى أخطار خارجية تعرض لها المسلمون آنذاك، وتتمثل في الصليبيين والمغول، وأخطار داخلية تتمثل في الخونة من أبناء الأمة الذين يعيثون في الأرض فساداً وعمت أطماعهم ومؤامراتهم مع العدو فأصبحوا أشد خطورة على الأمة من أعدائها، وهذا بالضبط ما نعيشه حالياً؛ فإذا تأملت في واقعنا، فالمسلمون اليوم يواجهون أخطاراً ومؤامرات تحاك ضدهم؛ حتى أضحوا في بعض البلدان كبش فداء لتغول الطغاة في تلك البلاد، ولا مغيث لهم إلا الله تعالى، وفي واقعنا الداخلي تراجعت القيم وساد الفساد ووسدت المسؤولية في كثير من المواقع لغير أهل الكفاءة والإخلاص.. فأين الأبطال الذين رأيتهم في المسلسل يذودون عن حمى الدين والصلاح ويعلون المبدأ على المصالح الضيقة؟!
نعم هناك بلا شك عناصر تملأ قلوبها الحرقة وتعمل بما أوتيت من إمكانات لنصرة الدين، لكن كم نسبة أولئك الذين قدموا العمل للآخرة على الانغماس في متع الحياة وملاهيها؟!
أظن أن من شاهد المسلسل وعى بأهمية دوره كمسلم من أي موقع، ومن أي دور يستطيع أن يقدم شيئاً لهذه الأمة، ولا يكتفي بدور المتفرج المتذمر الضعيف الذي لا حول له ولا قوة.
ليغفر الله لنا تقصيرنا في خدمة دينه رغم توافر كل الظروف المناسبة، ورغم وفرة النعم التي أغرقنا بها المولى تعالى ولا يزال، وليبحث كل منا عما يجيده فيقدمه وليتفانى في عمله، وليدعُ إلى الإصلاح، وليدعم الدعاة إليه؛ لأن الله تعالى قال في محكم كتابه: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود: 117).