تهجر على إثر حرب النكبة عام 1948م وإعلان قيام الكيان الصهيوني ما يزيد على 400 ألف فلسطيني من المناطق المحتلة إلى داخل الضفة الغربية والضفة الشرقية، وقد تنادت الزعامات الفلسطينية في مؤتمر أريحا مطالبة بالوحدة بين «الضفتين» (الضفة الغربية التي استطاع الجيش الأردني أن يحتفظ بها، وتمثل %21 من أراضي الدولة الفلسطينية، والضفة الشرقية – الأردن)، بتاريخ 24/4/1950م، بعدها صدر قرار إداري غير مقنن بالوحدة، وأصبح كل فلسطيني يقيم في الضفة الغربية إقامة طبيعية أردني الجنسية، وأجريت على إثر هذا القرار انتخابات برلمانية بواقع 20 مقعداً عن كل من الضفتين بمجلس مكون من 40 نائباً، وعرض القرار على المجلس المنتخب؛ فتمت الموافقة عليه بالإجماع باستثناء عضوين ممثلين للضفة الشرقية اعترضا على وحدة الضفة الغربية مع الأردن.
واجه قرار الوحدة معارضة من جامعة الدول العربية التي أصدرت قرارها في العام نفسه، الذي جاء نصه: «المملكة الأردنية الهاشمية تـعـلـن أن ضـم الجزء الفلسطيني إليها، إنـمـا هـو إجـراء اقتضته الضرورات العملية، وإنها تحتفظ بـهـذا الـجـزء وديـعـة تحت يـدهـا، علـى أن يكـون تــابــعــاً للتسوية النهائية لقضية فلسطين عـنـد تحرير أجزائها الأخرى بكيانها الـذي كانت عليه قـبـل العدوان، وعلـى أن تقبل فـي شأنه ما تقرره دول الجامعة الأخرى».
ترافق موقف جامعة الدول العربية مع صمت دولي من الوحدة، إذ لم يعترف بالوحدة على المستوى الدولي إلا باكستان وإنجلترا، وبقيت الوحدة قائمة بين الأردن والضفة الغربية حتى عام 1967م.
اول الأردن التوسط لدى الغرب لمحاولة إعادة الضفة الغربية إلى المملكة، لكنه لم يحقق شيئاً في هذا المضمار، واستمر الوضع على هذه الحال حتى صدور قرار في مؤتمر جامعة الدول العربية في الرباط بتاريخ 26/10/1974م، جاءت نتائجه بإجماع الدول العربية التي كانت ترغب في أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
حينها أُسقط في يد الأردن، وبقي محجماً ومماطلاً في إعلان فك الارتباط بعد قمة الرباط حتى تاريخ 31/7/1988م؛ حيث تم الإعلان بموجب «قرار إداري» دون موافقة مجلس النواب عليه، وقد تم حله قبل قرار فك الارتباط في العام ذاته.
جاء الإعلان بعد خروج استطلاعات للرأي تابعة للفصائل الفلسطينية وقت ذاك، أشارت إلى أن %2.5 فقط من فلسطينيي الضفة كانوا يؤيدون استمرار الوحدة مع الأردن.
لماذا يرفض الأردن «الضم»؟
يرفض الأردن قرار قضم الأغوار والمستوطنات غير الشرعية ومناطق شمال البحر الميت من قبل الكيان الصهيوني لعدة أسباب، منها:
– يمثل القرار إنهاء لخيار الدولتين الذي جاءت معاهدة السلام الأردنية «الإسرائيلية» بناء عليه.
– يحوّل قرار الضم الأراضي الفلسطينية المتبقية في الضفة الغربية إلى مقاطعات جغرافية وكانتونات معزولة تخضع للسيادة والهيمنة «الإسرائيلية»، لا تصلح لإقامة دولة مستقلة قابلة للحياة.
– يمثل القرار تهديداً للهوية الأردنية، وذلك بترحيل مزيد من الشعب الفلسطيني إلى أراضيه، وتحقيق الرؤية «الإسرائيلية» باعتبار الأردن الوطن البديل للشعب الفلسطيني، وأن الدولة الفلسطينية الموعودة هي الدولة الأردنية؛ فـ»إسرائيل» تريد من الضفة الغربية الأرض، أما الشعب فتريده أن يكون في الأردن الذي يرى في ذلك تهديداً لهويته الوطنية.
– القرار بقضم الأغوار يقطع الامتداد الجغرافي للضفة الغربية مع الأردن التي كانت تخضع للسيادة الأردنية حتى حرب عام 1967م وجزء من الدولة الأردنية حتى عام 1988م، وهذا من شأنه أن يمنع أي اتحاد فدرالي أو كونفدرالي بين الأردن والضفة الغربية بالمستقبل فيما لو قامت الدولة الفلسطينية وتم الاعتراف بها دولياً.
– يتوجس الأردن أمنياً من أن تدفق مزيد من اللاجئين الفلسطينيين المؤدلجين فصائلياً من المناطق الخاضعة للقضم إلى الأردن قد يؤثر على البيئة السياسية المستقرة للنظام في المملكة الأردنية.
خيارات الأردن
يبدو أن الأردن يعمل دبلوماسياً مع دول الاتحاد الأوروبي من أجل تأخير قرار الضم إلى حين إجراء الانتخابات الأمريكية التي تُظهر فيها استطلاعات الرأي تقدماً محققاً لـ«جو بايدن»، مرشح الحزب الديمقراطي، على الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب»، الذي منح الضوء الأخضر لرئيس وزراء الكيان «بنيامين نتنياهو» بضم أجزاء من الضفة الغربية، وعلى ما يبدو أن الأردن نجح حتى الآن في تأخير البدء بتنفيذ قرار الضم الذي كان محدداً بتاريخ 1/7/2020م وتم تأجيله إلى إشعار آخر.
لكن، ما خيارات الأردن فيما لو استمر «ترمب» في البيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية؟
أولاً: خيارات داخلية:
– ما زال أمام الأردن فرصة كبيرة للإفلات من ضغوط أمريكا وحلفائها بخصوص قبول قرارات الضم والتسليم بها، إذ يمكن للأردن أن يقلب الطاولة على الجميع؛ بإعلان تحول الأردن من الملكية الشمولية إلى الملكية الدستورية وإعادة سلطة الشعب للشعب؛ فبمثل هذا التحول يستطيع الأردن أن يتخلص من الضغوط الخارجية فيما يتعلق بأمنه واستقراره الداخلي، فليس هناك جهاز وحزام أمني أقوى من الديمقراطية، وليس هناك خيار أفضل من صندوق الانتخاب الحر النزيه في تدعيم الاستقرار الداخلي.
ثانياً: خيارات خارجية:
الأردن ليس عاجزاً أو خالي اليد من أي أوراق ضغط يمكن أن يستخدمها في مواجهة قرارات الضم وقضم أجزاء من الضفة الغربية؛ إذ يمكن له:
– العمل الدبلوماسي مع الشركاء الأوروبيين والصين وروسيا وتركيا من أجل رفض خيار الضم، واعتماد قرارات الشرعية الدولية للضغط على «الإسرائيليين» ومن خلفهم إدارة «ترمب» التي تجاوزت كل قرارات الشرعية الدولية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
– وقف التنسيق الأمني والاستخباراتي، ووقف محاربة الإرهاب وتأمين الحدود المترتب على اتفاقية السلام (اتفاقية «وادي عربة») بين الأردن و«إسرائيل»، خاصة أن الكيان الصهيوني تربطه مع الأردن أطول حدود برية تبلغ 400 كلم.
– وقف الاتصال والتمثيل الدبلوماسي بين الأردن والكيان، وسحب السفراء والبعثات الدبلوماسية.
– وقف التبادل التجاري مع الاحتلال؛ حيث يعد الأردن بوابته إلى المنطقة العربية.
– أو حتى إعادة النظر في اتفاقية السلام الأردنية «الإسرائيلية» المنعقدة عام 1994م بكاملها على طاولة الخيارات مرة أخرى أو أي أجزاء منها، وهي التي جاءت على أساس الاعتراف بإقامة الدولة الفلسطينية وحل الدولتين؛ فبوجود قرار الضم تكون اتفاقية السلام من حيث الأثر والعدم سواء.
– إعادة احتضان الفصائل الفلسطينية، وفتح مكاتب تمثيل سياسي لها فيه، وخاصة حركة «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، كما كان يقوم به النظام الأردني سابقاً بعد عملية السلام.
– تجميد العمل باتفاقية الغاز الأردنية «الإسرائيلية» التي تضخ بموجبها «إسرائيل» 45 مليار متر مكعب من الغاز على مدار 15 عاماً بقيمة إجمالية تبلغ 15 مليار دولار.
– دعم توجه بعض الفصائل الفلسطينية في إشعال انتفاضة شعبية فلسطينية ثالثة غير مسلحة، وتقديم غطاء سياسي دولي لها كشكل من أشكال نضال الشعوب في التحرر من الاحتلال.
رغم أن الحقيبة الأردنية مليئة بالخيارات المؤثرة في تعطيل مسار قرارات الضم، فإن الأردن الرسمي بدأ وكأنه يستسلم للخيارات الأمريكية «الإسرائيلية»؛ إذ صرح رئيس الوزراء عمر الرزاز أن الأردن يقبل بحل الدولة الواحدة وإلغاء خيار الدولتين بشرط إعطاء الفلسطينيين حقوقهم في هذه الدولة، وفي ذلك مؤشرات وكأن الأردن بدأ يستسلم للأمر الواقع ويتنازل عن اللاءات السابقة التي أطلقها الأردن الرسمي وقت الإعلان عن «صفقة القرن».