بعد 25 أغسطس 2017، شكلت قضية نزوح مئات الآلاف من لاجئي الروهنجيا الفارين إلى بنجلاديش حالة من القلق على المستوى الدولي، واستمر هذا لمدة شهر تقريبًا بعد أن شنت قوات الأمن في ميانمار حملة قمع مميتة، أو “عملية تطهير”، استهدفت الأقليات من ولاية راخين.
وأكد تقرير مؤلف من 444 صفحة أعدته لجنة تقصي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة أن أكثر من 725 ألفاً من الروهنجيا فروا إلى بنجلاديش، وقتل ما لا يقل عن 10 آلاف، وتعرضت مئات النساء والفتيات للاغتصاب (اغتصبن جماعياً في الغالب)، وحوالي 392 قرية.
منذ ذلك الحين، أصبحت بنجلاديش موطنًا لـ1.1 مليون لاجئ من الروهنجيا، بمن فيهم الذين فروا من موجات العنف السابقة وكذلك الوافدين الجدد، وأصبح مخيم كوتوبالونغ للاجئين، الذي يغطي مساحة 13 كيلومترًا، أكبر مخيم للاجئين في العالم لاستضافة 700 ألف لاجئ من الروهنجيا في مخيم واحد.
غالبًا ما يتم تصوير مجتمع الروهنجيا الذي يعيش في بنجلاديش بطريقتين:
تركز هيئات حقوق الإنسان الوطنية والدولية على كفاحهم اليومي من أجل توفير الغذاء والمياه والصرف الصحي والرعاية الصحية والإسكان والتعليم ومواد الطبخ ورعاية الأطفال ودعم الأمومة والضروريات اليومية؛ بينما ينتقد المجتمع المضيف في كثير من الأحيان سهولة وصول اللاجئين إلى الدعم من وكالات المعونة الوطنية والدولية، هناك أيضًا مخاوف متزايدة بشأن التدهور المتزايد للإيكولوجيا المحلية، والإزالة السريعة للغابات من استخدام الحطب، وتزايد التجارة الحدودية غير المشروعة، وتعدي الأراضي العشبية لتربية الماشية وغير ذلك، تعمل هذه القضايا على تآكل مساحة التعايش بين المجتمع المضيف واللاجئين تدريجياً.
إلى جانب ذلك، فإن التوترات المتزايدة فيما يتعلق بالصراعات بين الجماعات وداخل الجماعات وكذلك الأنشطة المسلحة في مخيمات اللاجئين، وتزايد حالات الاتجار بالبشر، والمخاوف من انخفاض المساعدات بسبب تناقص الدعم الدولي، تزيد من انعدام الثقة بين الروهنجيا وبنجلاديش المجتمع المضيف، وهو ما يدعو للقلق.
خلال السنوات الثلاث الماضية، جرت محاولتان للعودة إلى الوطن؛ الأولى كانت في 15 نوفمبر 2018، والثانية في أغسطس 2019، لكنهما فشلتا بشكل أساسي لثلاثة أسباب، هي:
أولاً: استمرار إحجام ميانمار وعدم استعدادها لإعادة الروهنجيا، ولم تتخذ ميانمار أي استعدادات مقنعة وملموسة وفقًا لـ”ترتيب عودة النازحين من ولاية راخين” الموقع بين بنجلاديش وميانمار في يناير 2018.
ثانيًا: لم يدعم المجتمع الدولي محاولات الإعادة إلى الوطن، التي وصفوها بأنها خطوة سابقة لأوانها، لأن وضع راخين ظل على حاله، وبالتالي، غير آمن للروهنجيا.
ثالثًا: رفض لاجئي الروهنجيا العودة طواعية لأن ميانمار لم تقدم أي وعد موثوق به أو التزام ثابت تجاه الروهنجيا لضمان حقوقهم كمواطنين في ميانمار، بعد ذلك، أثر جائحة “Covid-19” المستمر على المخيمات وأوقف جميع مساعي العودة إلى الوطن.
ونتيجة لذلك، أصبح مصير الإعادة إلى الوطن معلقًا في الميزان، وأصبح مستقبل الروهنجيا غير مؤكد بشكل متزايد.
من الواضح أن ميانمار ليست في عجلة من أمرها لحل أزمة الروهنجيا، مع عدم وجود خطوات ملموسة محددة لمعالجة أو تعويض الظلم في بلادهم.
من ناحية أخرى، تبدو بنجلاديش أكثر إحجامًا عن استضافة مثل هذا العدد الهائل من اللاجئين على أراضيها، مرت ثلاث سنوات، لكن لا يوجد ضوء في نهاية النفق لسكان الروهنجيا المضطهدين.
ربما تؤدي الضغوط المتزايدة من المجتمع الدولي والهيئات الحقوقية الدولية، والتصوير الإعلامي لنقاط ضعف الروهنجيا والجهود المستمرة من بنجلاديش، إلى إجبار ميانمار على الشروع في عملية الإعادة إلى الوطن للمرة الثالثة، لكنها بالتأكيد ستفشل مرة أخرى بسبب عدم وجود وعود يمكن الاعتماد عليها أو استعدادات ملموسة من نهاية ميانمار من شأنه أن يمنح الروهنجيا ثقة كافية للعودة إلى وطنهم طواعية.
ومع ذلك، بناءً على التجارب السابقة والوضع الحالي غير المتوقع، يمكننا أن نفترض أن بنجلاديش لن تستضيف عن طيب خاطر 1.1 مليون من الروهنجيا أو تمنحهم مساحة للاندماج الاجتماعي بأي ثمن، كما تم إيقاف خيار إعادة التوطين في بلد ثالث بسبب الوباء.
بالنظر إلى هذه المعضلات متعددة الأوجه، يعيش الروهنجيا حياتهم في حالة من عدم اليقين الشديد، لا يمكننا أن نرى نور أمل ساطع إلا حاضرهم المكافح ومستقبلهم المجهول، على الرغم من أن الروهنجيا ينتظرون بفارغ الصبر عودة آمنة وكريمة إلى وطنهم، فإنهم لا يجدون آمالًا كبيرة في السياق المعين لأزمة الروهنجيا.
السؤال الآن هو: ما الذي يجب عمله لمستقبل شعب الروهنجيا؟ نتوقع بشدة، مع نداء متجدد، أن يتمسك المجتمع الدولي بفكرة “تقاسم الأعباء” لمساعدة الروهنجيا في مخيمات اللاجئين وجعل حياتهم أكثر “ملائمة للعيش” في بنجلاديش.
كما ينبغي بذل جهود لتشكيل “قوة جماعية وعالمية” لإجبار ميانمار على الامتثال للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الأمم المتحدة في عام 1948 لإعادة الروهنجيا الذين يعيشون في بنجلاديش إلى ميانمار بأمان وكرامة واعتراف قانوني بمنحهم الجنسية.