وفاء لسمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه، نود الإشارة إلى أن “المجتمع” تعيد نشر كلمات سموه بمناسبة العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك حتى عام 2018، أعدها الكاتب الإعلامي د. عصام الفليج في كتاب ضمن سلسلة “مآثر صباح الخير” (5).
الكلمة الرابعة لعام 1430هـ/ 2009م:
بسم الله الرحمن الرحيم
“ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه” صدق الله العظيم.
الحمد لله رب العالمين إله الأولين والآخرين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نحمد الله تبارك وتعالى حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، ونشكره على ما أفاء به علينا من خير وعطاء وإحسـان، وبما أحاطنا به من مودة وتواصل وإخاء، ضارعين إليه في هذا الشهر الفضيل، وهذه الأيام المباركة أن يتقبل صيامنا، وقيامنا، وصالح أعمالنا، وان يحفظ وطننا العزيز، ويجعله آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، ويحقق كل ما ننشده له من عزة ورفعة ورخاء.
أهنئكم بشهر رمضان المبارك وبالعشر الأواخر منه، أعاده الله على وطننا العزيز وعلى أمتينا العربية والإسلامية بوافر الخير واليمن والبركات.
إن حديث العشر الأواخر من رمضان له عندي خصوصية وأهمية وحباً.. لما تحمله هذه الليالي العشر من روحانية خاصة لدينا جميعاً، وحسبكم أيها الإخوة والأخوات بهذه الليالي العشر، التي خصها الرحمن بليلة هي خير من ألف شهر، وجعلها موسماً للمغفرة، والرحمة، والعتق من النار.
إخواني وأخواتي..
عايشنا جميعاً طوال الشهر الماضي بكل الألم والأسى حادث حريق الجهراء المؤسف، الذي أودى بحياة وإصابة العشرات من الأمهات والبنات والأبناء، الذي توحدت فيه مشاعر المواطنين والمقيمين تجاه هذه الفاجعة، وتعاطفهم مع أسر الضحايا، مجسدين بذلك أصالة شعبنا الوفي، وتكاتفه بالسراء والضراء.
شاكرين ومثمنين في الوقت ذاته تعازي ومواساة إخواننا وأصدقائنا أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، وقادة الدول الشقيقة والصديقة، بهذا الحادث المفجع، وتعاطفهم معنا.
مبتهلين إلى المولى تعالى في هذا الشهر الكريم أن يتغمد الضحـايا بواسـع رحمته، ويسكنهم فسيح جناته، ويلهم ذويهم جميل الصبر، وحسن العزاء، وأن يمن على المصابين بسرعة الشفاء والعافية.
إخواني وأخواتي..
إن الكويت هي الكيان الذي يجمعنـــا، وهي الوجود الثابت، والملاذ الآمـــن لنا جميعاً.. حافظ عليها أهلنا على مر الأزمان، فكان منهم الشهداء الذين روت دماؤهم الزكية أرضها الطاهرة.. وكان منهم الشرفاء الذين قامت على أكتافهم نهضتها.. ولا يزال فيها الأوفياء العاملون في خدمتها بحب وإخلاص.. فأضحى كل فرد على هذه الأرض راعياً ومسؤولاً عن رعيته.. حافظاً لأمانة المسؤولية التي تقتضي الإخلاص في العمل والصدق في القول، والإيثار في المحبة.
ولعل في طليعة المسؤوليات الملقاة على عاتق كل مواطن التزامه بدينه، واعتزازه بوطنيته، والتمسك بما يدعو إليه من مكارم الأخلاق، والبعد عن الفتنة، والفاحش من القول والعمل، واحترام القوانين التي ارتضيناها لأنفسنا، وشرعناها لحفظ الحقـــوق، وبيان الواجبات، وتنظيم شؤون المواطنين، التي علينا الالتزام بها، وتطبيقها على الجميع، ومنها أيضاً احترام ما ورثناه من قيم وتقاليد داعية للفضائل والتراحم، والتواصل، ووحدة الصف، ونبذ الخلافات.
إخواني وأخواتي..
لا يخفى عليكم ما يشهده العالم من حولنا من تطورات متسارعة، وتغيـرات مستجدة، وأحداث مؤلمة، لسنا بمعزل عنها.. يتوجب علينا إزاءها أن نعي حجمنا وإمكانياتنا، وأن نستخلص العبر والعظات منها.. فنكون صفاً واحداً في مواجهتها حكماء في التعامل معها، مقتدين بسلوك الآباء والأجداد، الذين كانت أفعالهم ومواقفهم خير دليل على حب هذا الوطن، والحفاظ على أمنه واستقراره ووحدته الوطنية.
إخواني وأخواتي..
لقد آلمني ما قرأت وتابعت وسمعت من تصنيفات وتقسيمات لأبناء الوطن، وإثارة للنعرات الطائفية والقبلية، وهي تصنيفات ومسميات لم نعتد عليها، ولم نكن نعرفها أو نقبل بها في وطن واحد لا يفرق بين أبنائه.
وعلينا أن نتذكر أن وحدتنا الوطنية هي التي جمعت أهل الكويت في أحلك الظروف والمحن، وأن الحفاظ عليها وصونها من كيد العابثين والحــاقدين واجب وطني مقدس، ولن أسمح لكائن من كان بالمساس أو العبث في نسيجنا الوطني.. وإذا كانت حرية القول والعمل مكفولة للجميع، فإن ذلك لا يعني سوء استخدامها، والإساءة للوطن وثوابته.. بل الواجب أن يكون ذلك مدعاة لتوحيد الصفوف في مواجهة كل من يريد بهذا الوطن سوءاً أو تفرقة بين أبنائه، وتعكيراً لصفو أمنه واستقراره.
وإنني أكرر دعوتي لوسائل إعلامنا المسموع والمقروء والمرئي.. أن تحفظ للحرية مساحتها المقبولة، وان تلتزم في ممارسة دورها حدود المسؤولية الملقاة عليها، وألا تكون أدوات ووسائل لبث الفتنة والفوضى والشقاق، والصراع بين فئات المجتمع.
إن الواجب يملي على وسائل إعلامنا المختلفة أن تكون منارات هدى ووعي، تمارس نقدها برزانة، وتبرز ما تريد إبرازه بمصداقية دون تهويل، وأن تنتقد ما تريده دون تضليل.
فنحن بحاجة إلى كل جهد مخلص، يزيد من تلاحم مجتمعنا، ويقوي أواصر المحبة والترابط فيه، ويبرز القيم الفاضلة والنبيلة له، ويوحد صفوفنا، لنكون يداً واحدة، قادرة على بناء هذا الوطن الذي يزخر بالخيرات وبالأوفياء من أبنائه.. فالعالم من حولنا في سباق محموم لأخذ زمام المبادرة في كل المجالات، ولا بد لنا من مواكبة هذا الركب دون تقاعس أو تباطؤ.
إن من أهم أسباب تخلف الأمم كثرة الجدل، وقلة العمل، فاستبدلوا الجدل بالعمل والتفرقة بالتكاتف والخلاف بالتسامح، ولنعلم بأن العمل عبادة، وبأن وطننا بحاجة إلى كل عمل دؤوب، وليكن رائدنا في حب الوطن العمل المخلص، والقول الصادق، والإيثار الواضح لوطننا الكويت الذي لم يبخل على أبنائه بشيء.
إخواني وأخواتي..
يعاني وطننا العزيز كغيره من دول أجمع من مخاطر انتشار أنفلونزا الخنازير، وقد اتخذت الأجهزة المختصة في الدولة الإجراءات الكفيلة لمواجهة هذا المرض، وعملت على تكثيف الحملات التوعوية والإرشادية لتجنب الإصابة به، ونحمد الله تعالى أن انتشارها ما زال في أدنى حدودها حسب الإحصاءات العالمية.
إخواني وأخواتي..
نستذكر في هذه الليالي المباركة أميرنا الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، وأميرنا الوالد الشيخ سعد العبدالله السـالم الصباح، طيَّب الله ثراهما، مبتهلين إلى المولى تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته وأن يسكنهما فسيح جناته.. وأن يمن على أخينا سمو الشيخ سالم العلي الصباح، رئيس الحرس الوطني، بالشفاء وموفور العافية، ويعيده إلى أرض الوطن معافى، ليواصل عطاءه المعهود في خدمة الوطن العزيز.. وأن يتغمد شهداءنا الأبرار ويعلي درجاتهم في جنات النعيم بفضله وكرمه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.