شكلت مفاوضات “سد النهضة” هاجساً للسودان ومصر وإثيوبيا، ولكل منهم تخوفه وتحفظه في خطوة من الخطوات التي تمضي نحو عملية ملء بحيرة السد، ففي الوقت الذي تتمسك فيه إثيوبيا بموقفها حتى وإن لم يتم التوافق بين الدول الثلاث، إلا أن مصر والسودان شعرتا بخطورة الموقف نحو الخطوة الإثيوبية.
وحرك التنسيق المصري السوداني في الأيام الماضية المياه الراكدة في ملف مفاوضات “سد النهضة” الإثيوبي، حيث أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش استعداد المنظمة لتقديم الدعم والمشاركة في عملية تفاوضية تقودها رباعية دولية بشأن “سد النهضة”.
وأكد غوتيريش جاهزية الأمم المتحدة لتقديم الدعم والمشاركة في عملية تفاوضية يقودها الاتحاد الأفريقي بشأن السد، وذلك بدعوة من رئيس الاتحاد الأفريقي فيليكس تشيسكيدي.
يأتي ذلك في وقت ذكر بيان لوزارة الخارجية المصرية أن سامح شكري، وزير الخارجية المصري، أبلغ غوتيريش بضرورة إطلاق عملية تفاوضية جادة برعاية أفريقية ومشاركة أطراف دولية، للتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن وملزم قانوناً لملء وتشغيل “سد النهضة”.
رباعية دولية
وقال شكري، خلال الاتصال الهاتفي: إن بلاده أيدت مقترحاً للسودان بتشكيل رباعية دولية تقودها الكونغو الديمقراطية بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، إلى جانب الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة؛ للتوسط في المفاوضات.
السيسي: رفض أي نهج يقوم على فرض الأمر الواقع والسيطرة على النيل الأزرق بإجراءات أحادية لا تراعي حقوق دولتي المصب
هذا التنسيق دفع أيضاً إثيوبيا للتراجع عن تعنتها، وقال وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سيليشي بيكيلي: إن بلاده لا تزال ملتزمة بالتوصل إلى حل بشأن “سد النهضة” يفيد جميع الأطراف.
وأشار الوزير بيكيلي، خلال لقائه مع وفد من جمهورية الكونغو الديمقراطية (الرئيسة الحالية للاتحاد الأفريقي) حول سد النهضة، إلى أن «إثيوبيا لا تزال ملتزمة بحل يفيد جميع الأطراف، وتتطلع إلى قيادة جمهورية الكونغو الديمقراطية في هذه المسألة، بالإضافة إلى الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية من خلال المفاوضات الثلاثية».
وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيرته السودانية مريم الصادق المهدي، قبل أيام خلال مباحثات في القاهرة أهمية التوصل لاتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي.
وأوضح الوزيران أهمية أن يحقق الاتفاق مصالح الدول الثلاث ويحفظ الحقوق المائية لمصر والسودان، ويحد من أضرار هذا المشروع على دولتي المصب.
وأكد البلدان العربيان أن لديهما إرادة سياسية ورغبة جادة لتحقيق هذا الهدف في أقرب فرصة ممكنة، كما طالبا إثيوبيا بإبداء حسن النية والانخراط في عملية تفاوضية فعَّالة من أجل التوصل لهذا الاتفاق.
وتصر إثيوبيا على بدء الملء الثاني لـ”سد النهضة”، في يوليو المقبل، بينما تتمسك الخرطوم والقاهرة بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي، حفاظاً على حصتهما السنوية من مياه نهر النيل، وسط تعثر مفاوضات يقودها الاتحاد الأفريقي منذ أشهر.
وتبني إثيوبيا السد على النيل الأزرق الذي ينضم إلى النيل الأبيض في السودان لتشكيل نهر النيل الذي يعبر مصر، وترى أنه ضروري لتحقيق التنمية الاقتصادية، في حين تعتبره مصر تهديداً حيوياً لها، إذ تحصل على 90% من مياه الري والشرب من نهر النيل.
ودخلت الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا في مفاوضات شاقة طوال 9 سنوات، فشلت خلالها في الوصول لاتفاق بشأن ملء وتشغيل السد.
رفض أي إجراءات أحادية
وأكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس المجلس السيادي السوداني عبدالفتاح البرهان، خلال مباحثات في الخرطوم، رفض أي إجراءات أحادية بشأن “سد النهضة” تهدف لفرض الأمر الواقع والاستئثار بموارد النيل الأزرق.
السودان يقترح تشكيل رباعية دولية تقودها الكونغو الديمقراطية إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للتوسط في المفاوضات
وأعلن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية بسام راضي أنه تم التوافق بين الطرفين على رفض أي إجراءات أحادية، مشددين على أن ملف “سد النهضة” يتطلب أعلى درجات التنسيق بين مصر والسودان بوصفهما دولتي المصب اللتين ستتأثران بشكل مباشر بهذا السد.
كما شددا على تعزيز الجهود الثنائية والإقليمية والدولية للتوصل لاتفاق شامل ومتكامل حول قواعد ملء وتشغيل “سد النهضة” يكون ملزماً قانونياً، ويحقق مصالح الدول الثلاث، ويحد من أضرار وآثار السد على مصر والسودان، خاصةً من خلال دعم المقترح السوداني لتشكيل رباعية دولية تشمل رئاسة الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للتوسط في هذا الملف.
وأكد السفير راضي، في بيان، أن السيسي شدد على مساندة بلاده لكافة جهود تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في السودان، وذلك انطلاقاً من قناعة راسخة بأن أمن واستقرار السودان يُعد جزءاً لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر، وأن يد مصر دائماً وأبداً ممدودة للتعاون والخير والبناء للسودان كنهج إستراتيجي ثابت.
حتمية العودة للمفاوضات
وأكد الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في ختام مباحثاتهما في الخرطوم، حتمية العودة إلى مفاوضات جادة وفعالة بخصوص “سد النهضة” الإثيوبي؛ لأنه الملف الذي يخص المصالح الحيوية للسودان ومصر بوصفهما دولتي المصب في حوض النيل، وستتأثران بشكل مباشر من هذا المشروع الضخم.
وقال الرئيس المصري، في تصريحات صحفية عقب جلسة المباحثات المشتركة: إن اللقاء تناول مستجدات سد النهضة حيث تم الاتفاق على أهمية الاستمرار في التنسيق الوثيق والتشاور بين البلدين في هذا الشأن.
وأكد السيسي حتمية العودة إلى مفاوضات جادة وفعالة بهدف التوصل في أقرب فرصة ممكنة قبل موسم الفيضانات المقبل إلى اتفاق عادل ومتوازن وملزم قانوناً بشأن ملء وتشغيل السد وبما يحقق مصالح الدول الثلاث؛ ويعزز من أواصر التعاون والتكامل بين بلادنا وشعوبنا.
وأضاف السيسي: تطابق الآراء على رفض أي نهج يقوم على فرض الأمر الواقع والسيطرة على النيل الأزرق من خلال إجراءات أحادية لا تراعي مصالح وحقوق دولتي المصب؛ والمتمثل في إعلان إثيوبيا عزمها على تنفيذ المرحلة الثانية لملء السد حتى إذا لم تتوصل إلى اتفاق حول الملء والتشغيل.
ونوه السيسي إلى أن هذا الإجراء قد يهدد بأضرار جسيمة على مصالح السودان ومصر، قائلاً: ومن هنا فقد بحثنا سبل استئناف مسار المفاوضات من خلال تشكيل لجنة رباعية دولية تشمل الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بجانب الأمم المتحدة للتوسط في العملية التفاوضية؛ وهي التي اقترحها السودان وأيدتها مصر التي تهدف إلى دعم جهود الرئيس تشيسكيدي، رئيس جمهورية الكنغو الديمقراطية، وتعزيز فرص نجاح مسار المفاوضات؛ وأضاف: أكدنا ثقتنا الكاملة في قدرة فخامته على إدارة هذه المفاوضات وتحقيق اختراق فيها من أجل التوصل إلى الاتفاق المنشود.