أكتب هذه السطور لمرور هذا التاريخ المؤلم على أمة الإسلام عموماً، والكويت وأهلها خاصة (2 أغسطس 1990م).
كثيراً ما نسمع من يمتدح “صدام” الفتنة بعد موته، وأن أمريكا والنظام العالمي شعر بخطورته عليهم؛ فتآمر عليه للخلاص منه ومن ثم إذلال العرب والمسلمين مرة أخرى، ومن ثم منعهم النهوض من جديد بفقدانه!
نكتب لنبين لأهل الانحراف الفكري والمعرفي وللسذج الذين يدَّعون أنه بعد موته انفرط عقد الأمة! وكأن الأمة العربية في عهده قائمة خلافتها، وقائمة عدالتها، وقائمة قوتها وترابطها وهيبتها أمام الأمم بوجوده، وكأن مفاتيح بيت المقدس والمسجد الأقصى كانت في عهده موجودة في خزائن نينوى، أو في البرجسية!
حقيقة، نحن أمة قليلة الاستفادة من تجاربها، ولن نستفيد من تجربة “المناكيس” كالمزعوم عبدالناصر، أو حافظ وابنه، أو عبدالكريم قاسم، أو صدام الفتنة، أو أبو رقيبة.. وأمثالهم.
نعم سنة 1990 هي بداية فتنة كبيرة لصناعة النظام الجديد للمنطقة كما صرح الصهيوني كسنجر بذلك: “إن سنة 1990 بداية جديدة ولن نسمح لأحد في إيقافها”.
كان مفتاح هذا النظام الجديد الفرشة والمقدمة التي لعباها بتمثيلية السنوات الثماني صدام الفتنة وخميني إيران لصناعة التوحش الطائفي في الأمة والمنطقة بداية، ثم استفرد العدو بالأكثر غباء وغروراً، ليوهم الشارع العربي أن العدو يقاتل بطلاً، لا لشيء، إلا من أجل أن يبقى الشارع المسلم والعربي ساذجاً، عفن العقل والتفكير، معوج الاستنتاجات، ومهيأً لقبول الفتان القادم، والبديل الذي يقدمه لنا العدو، وما الانقلابات المضادة عنا ببعيد ضحكاً على الذقون، وسخرية من الشارع الذي من تجاربه لم ولن يستفيد!
أريد أن أقدّم لكل من يدَّعي الفطنة والذكاء، وأنه حريص على أمة الإسلام، وفي الوقت نفسه لا يمجد إلا من دمر الأمة من أمثال من ذكرناهم.
نعم، لأبين بعض المعلومات المتواضعة حول حزب البعث الاشتراكي، التعريف الرسمي له: “حزب قومي علماني يدعو إلى الانقلاب الشامل في المفاهيم والقيم لتحويلها إلى التوجه الاشتراكي”.
علينا أن نتصور ما الذي يحدث في قلب القيم بلا تدرج ومن غير الأخذ بفقه الواقع، وما علينا إلا أن نراجع التاريخ ونرى ما الذي حصل في هذه الدول التي تأتي على الأخضر واليابس فجأة، ناهيك عن أصل دعوته التي يدعو لها حزب البعث الدعوة “الاشتراكية العلمانية”!
نحن نعلم أن الاشتراكية هي مرحلة وتسبق الشيوعية الملحدة تمهيداً لها، الشيوعية التي تنفي وجود الخالق، وهي تدعي “الدين أفيون الشعوب”، والاشتراكية تمهد وتهيئ الأجواء لهذا الإلحاد المدبب، وبالفعل كان من أول نشاطات حزب البعث تعاونه مع الماركسيين الملاحدة، وإنشاء مجلة “الطليعة” عام 1934 بتحرك من ميشيل عفلق، والبيطار، أكبر رأسين في البعث.
أيضاً، لنتفرس في سياسة الحزب التربوية، إنها لا تتحرك إلا من أجل الإلحاد والكفر.
تقول سياستهم التربوية للأجيال: “خلق جيل عربي مؤمن بوحدة أمته وخلود رسالته، وطليق من قيود الخرافات والتقاليد والرجعية”.
لنتفرس في هذه المصطلحات “تقاليد، رجعية، خرافات”، ولنتذكر أول مَنْ أطلقها للوجود بين الناس والبشر.
“العلمانية والشيوعية الملحدة” أول من أطلق هذه المسميات على الأديان والدين الإسلامي، نعم وتقصدوا فيها الدين وبكل قسوة وإجرام.
أما في التوصيات العامة لمقررات الحزب في المؤتمر القومي الرابع، بيّن الحزب مقاصده ومآربه من هذه المسميات بصريح العبارة، ومبيناً معاني الاشتراكية بقولهم: “يجب تربية المواطن تربية اشتراكية تعتقه من كل الأطر والتقاليد الاجتماعية الموروثة والمتأخرة”.
والمؤتمر القومي الرابع هذا يعتبر المرجعية الدينية هي الخطر الحقيقي، فيقول فيها في هذا المؤتمر: “المرجعية الدينية أحد المخاطر الأساسية والمحورية التي تهدد التقدمية”.
لا شك هي تعبر عن تفسير “الدين أفيون الشعوب”.
السؤال: هل من يعتقد هذا الاعتقاد يُعدُّ مسلماً؟!
هذا الحزب أصبح بعدها العباءة التي يرتديها كل من يعادي الدين الحق باسم التقدمية، فتشكل أفراده من الباطنية والمبتدعة، والعلمانيين والملاحدة، والليبراليين الذين يجيدون ركوب أي مركوب يعادي الإسلام، وركب البعث كل من يعادي الإسلام ويسعى لتدمير الإسلام والمسلمين.
وددت أن أكتب هذه المعلومات المبسطة جداً عن حزب البعث الذي عبث به حافظ وأبوه، وصدام الفتنة من خلاله بالأمة.
لنراجع الأحداث، وماذا حصل لأهل الإسلام، وأهل السُّنة بالذات، بداية استلامهم -البعثيين- زمام الأمور في بلدانهم سورية والعراق.
أخيراً، أرجو ألا يأتيني متطفل ويقول: ما رأيك فيمن يقول الشهادتين قبل الموت؟ وكأنه يضمن الجنة والشهادة لصدام وأمثاله، أقول: أنا لا أدعي أن صدام الفتنة في الجنة أو في النار، أستغفر الله العظيم، ونعوذ بالله من هذا، فهذا تألٍّ على الله تعالى، ولكن يجب أن نكون من أهل الفطنة والكياسة، لا من أهل الغباء والسذاجة، يجب علينا ألا نمجّد مجرماً ونخفي جرائمه وكأنها أخطاء خليفة الأمة المجتهد الذي ينادي بتوحيد الأمة حول الكتاب والسُّنة! ومن ثم فيه الخير، وهو خيرٌ للأمة، وبفقدانه ضاعت الأمة! فهذا هراء السذج الأقرب للغباء الذين لا يجيدون التمييز بين الأسود والأبيض، فلذلك؛ غابت عنهم لغبائهم وسذاجتهم، حقيقة هؤلاء المجرمين أمثال صدام الفتنة وخدمتهم التي هي أثقل من الجبال قدموها خدمة لعدو الأمة، وهم خير من خدم العدو نصرة له على الأمة، نعم أمثالهم خير من خدم عدو الأمة جملة وتفصيلاً وفكراً وتنظيماً آنياً حينها ومستقبلاً.
أخيراً أقول لهؤلاء السذج: ها هو الحجاج في تاريخنا، كان أعلم من صدام الفتنة وأولى منه بالمديح، كان حافظاً للقرآن الكريم، وعالماً بفنونه وتفسيره وأسباب نزوله، إلا أن جرائمه ظاهرة للأمة، ولا ينبغي أن نقول: إنه من الصالحين، بل هو من المجرمين، ويكفي أن ذكرته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم أنه “مبير ثقيف”، وأكتفي بتقديم ذلك للعقلاء والأذكياء أهل الكياسة والفطنة فقط، حتى لا نُلدغ من جحر واحد عشرات المرات!
_____________________
إعلامي كويتي.