وجدت المملكة المغربية نفسها في مواجهة اتهامات خطيرة بالتجسس على هواتف حقوقيين وصحفيين، بل وعلى الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» نفسه، وذلك باستعمال الفيروس الصهيوني «بيغاسوس»، ونشر ذلك في وسائل إعلام غربية، وتفاعلت فرنسا مع القضية بتغيير رئيسها لهاتفه ورقمه، بل وفتح تحقيق قضائي في النازلة.
لكن المغرب لم يبق مكتوف الأيدي أمام هذه الاتهامات؛ حيث طالب وزير الخارجية المغربية ناصر بوريطة المنظمات التي تتهم المغرب بالتجسس بتقديم أدلة مادية، وشدد الوزير على الموقف الذي أعلن عنه عام 2019م، الذي يفيد بأن المملكة لم تحصل على برنامج «بيغاسوس».
وقررت النيابة العامة المغربية فتح بحث قضائي حول تلك الاتهامات، وتحديد الجهات التي تقف وراء نشرها، كما أعلن محامٍ مكلفٌ من المملكة عن رفع دعويين قضائيتين ضد «منظمة العفو الدولية» وائتلاف «فوربيدنستوريز» بتهمة التشهير.
ومقابل التحقيق الذي يدعي مزاعم التجسس، نشرت وسائل إعلام إسبانية متخصصة في الصحافة الاستقصائية تحقيقاً آخر يفيد بأن عملية التجسس تمت بالفعل على رئيس الدولة الفرنسية، لكن باستخدام برنامج آخر يسمى «دارك ماتر»، تم تطويره من قبل شركة الإمارات العربية المتحدة، وجرى اقتناؤه من قبل المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسية، وبحسب وسائل الإعلام الإسبانية ذاتها، فإن المغرب في الحقيقة لا يملك تطبيق «بيغاسوس» ولا يستعمله، فهو فقط مالك أرض أو محدد جغرافي، يحدد من خلاله موقع الهواتف المحمولة، وهي المعلومة المهمة التي أغفلتها التقارير الصحفية التي أوردت مزاعم التجسس.
استهداف من قوى معادية
وتفاعل عدد من الخبراء والمحللين السياسيين المغاربة مع الموضوع، مبرزين أن المغرب في قضية التجسس هذه مستهدفٌ من قوى معادية بعد النجاحات التي حققتها الدبلوماسية المغربية، وتدبير عدد من القضايا بمنطق «الند» وليس كدولة صغيرة يمكن أن يتم فرض الشروط عليها كما وقع في الأزمة مع كل من ألمانيا وإسبانيا، كما أن النجاح في قضية الوحدة الترابية والاعتراف الأمريكي بسيادته على الصحراء وتدبيره الحسن في مواجهة «كورونا» بتعميم التلقيح، وإطلاق عدد من المشاريع الكبرى ذات البعد الاستقلالي والتنموي البعيد المدى يسير في نفس الاتجاه.
وكتب د. محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن الكل يتجسس على الكل، لكن الكل متفق على أن يبقى هذا التجسس في إطار المسكوت عنه، وأشار إلى أن استهداف المغرب في قضية «بيغاسوس» يأتي بعد النجاحات التي حققتها المملكة المغربية، خصوصاً فيما يتعلق بنجاح المخابرات المغربية في مجموعة من المعارك والصراعات، التي كانت لديها تبعات على العلاقات المغربية الإسبانية وعلى العلاقات المغربية مع الاتحاد الأوروبي.
وأبرز الخبير في العلاقات الدولية أن النجاح الدبلوماسي الذي حققته المملكة المغربية في عدد من القضايا لا يمكن إنجازه دون التوفر على مخابرات نشيطة، حامية للأمن الوطني، مؤكداً أن الواقفين وراء استهداف المغرب يحاولون إخراج قضية التجسس من دائرة المسكوت عنه من أجل إثارة العواطف والمشاعر ضد المملكة المغربية.
حقيقة قائمة
من جهة ثانية، قال مصطفى كرين، رئيس المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية: إن ثلثي زبائن الشركة تقريباً من أوروبا، وتحديداً الغربية منها؛ لأن الشركة لا يمكنها أن تبيع لغير حلفاء أمريكا، وبما أن عدد دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة بالإضافة إلى بريطانيا هو 28، فهذا يعني أن أوروبا الغربية كلها تستعمل تطبيق «بيغاسوس»، ووجَّه كرين السؤال لهذه الدول: كيف وضد مَنْ تستعمل التطبيق عوض أن تحول الرادار نحو المغرب للتمويه على تورطها في الفضيحة؟
ويشدد الصحفي يونس مسكين على أن الفيروس حقيقةٌ قائمة، وخطورته باتت بديهية، واستخداماته المدمرة مؤكدة، مبرزاً أن هناك مغاربة من بين مَنْ تم استهدافهم بالفعل بواسطة هذا الفيروس، حيث يوجد مغاربة من بين مَنْ تم تحليل هواتفهم تقنياً.
وبناء على أن الجهة المالكة للفيروس والمتحكمة فيه تقنياً وتجارياً هي شركة «إسرائيلية» خاضعة لسيطرة الحكومة «الإسرائيلية»؛ يطالب مسكين الحكومة المغربية بدفع التهمة عن نفسها وخوض المعركة الدبلوماسية والقضائية اللازمة لذلك، بما أن من يتهمونها لم يقدموا أي دليل مادي يدينها، وأن تعمل على حماية مواطنيها ومساءلة صاحب الفيروس سياسياً وقضائياً عن استهداف عدد من المغاربة به، علماً أنه مخصص بشكل حصري للاستخدام من طرف جهات حكومية مختصة في محاربة الإرهاب والجريمة.