لم يشغل أحد من الرؤساء السابقين في تونس، سواء في عهد الاستبداد أو المسار الديمقراطي، الشعب التونسي، كما شغله ويشغله الرئيس الحالي قيس سعيّد، كما لم يتحدث أي منهم عن محاولات اغتياله كما يتحدث الرئيس الحالي، فبورقيبة الذي تعرض لمحاولات اغتيال، كما زعم، وكذلك بن علي، ثم الباجي قايد السبسي، لم يتحدثوا عن محاولات اغتيالهم إلى حد الاسهال.
وللمرة الثالثة في أقل من عامين يتم الحديث عن محاولة اغتيال الرئيس قيس سعيّد، مرتان عن طريق مكتبه والمرة أو الكرة الثالثة، ولا ندري إن كانت هناك رابعة وخامسة وعاشرة كما يقول بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي يتم الحديث عن اغتيال الرئيس قيس سعيّد دون أي أدلة تذكر.
ملهاة للشعب
وقال المحلل السياسي سمير حمدي لـ “المجتمع” في ظل الغلاء المستشري، وزيادة أسعار المواد الغذائية وغياب أخرى عن المتاجر، وخاصة سعر الكتاب المدرسي على أبواب العودة المدرسية، ورفض البنك الدولي مد تونس بالقروض حتى المتفق عليها، وشروع البنك المركزي التونسي في طباعة الأوراق المالية دون رصيد، لابد من إشغال الرأي العام، بقضايا أخرى واختلاق أنباء تلاك بألسنة الناس حتى ينسوا”.
وتساءل: ” إلى متى يمكن أن يستمر ذلك؟، وكل ذلك يضر بمصالح تونس، ويجعلها بلداً غير آمن، فإذا كان رئيس البلاد لا يشعر بالأمان فكيف يمكن للسياح وللمستثمرين أن يشعروا بذلك؟!!!”
ولم يستبعد سمير حمدي أن تكون الدعاية المضرة بأمن تونس واقتصادها والاستثمار فيها لها أهداف سياسية كتبرير الاعتداءات على الحريات وحقوق الإنسان، ولتمديد فترة الحالة الاستثنائية التي تنتهي يوم الثلاثاء القادم”.
اعتداء على الحريات
وتأتي مزاعم محاولة اغتيال سعيّد وسط إجراءات غير مسبوقة في تونس منذ الثورة حيث منعت شخصيات من السفر ووضعت أخرى في الإقامة الجبرية دون سند قانوني.
وقال كاتب عام الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بشير العبيدي إن جملة الإجراءات التي أعلنها الرئيس قيس سعيد يوم 25 يوليو الماضي إلى اليوم فيها تضييق على الحريات على غرار حرية التنقل والحد من الحريات الذاتية والحد من الحريات الشخصية.
وقدم العبيدي في تصريح لإذاعة شمس أف أم، الخاصة يوم السبت، كمثال: الإيقافات الجبرية والمنع من السفر.
وشدّد على أن تلك” الإجراءات هي إجراءات منافية للحرية ولحقوق الإنسان، إذ أن المساس من الحقوق والحريات فيه تجاوز للمعاهدات والمواثيق الدولية وللميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وقد تم توجيه طلب لقاء مستعجل للمكلف بتسيير وزارة الداخلية للنظر في الإجراءات التي تتخذ من قبل وزارة الداخلية.
ثالثة الأثافي
وليس بعيداً عن ذلك كتب الأستاذ الجامعي والكاتب محمد ضيف الله، في تدوينة على صفحته الرسمية على فيسبوك: ” جاء في كلمة قيس سعيد يوم 20 أغسطس إشارة إلى الذين يفكرون في الاغتيال، يفكرون في القتل، ويفكرون في الدماء، أي في اغتياله هو، واستغرب من رئيس دولة بيده جميع السلطات يتحدث بلغة الذي لا يعرف ماذا يفعل فالأكيد أنه في موقع من القوة ما يمكنه من القبض على من يحاولون ذلك وتقديمهم إلى العدالة، على ألا تكون هذه المحاولات من نوع التسميم بالخبز أو بالرسالة المسمومة (كانت الرئاسة قد تحدثت عن ذلك في وقت سابق ثم أغلق الملف دون تحقيق أمني و قضائي).
معضلة الأسماء
وقد دافع البعض عن تصريح الرئيس قيس سعيّد وجزم بأنه لا يكذب لأن هناك مخابرات تمده دائماً بالمعلومات!!!
وقد تم الرد عليه بأنه إذا كان الأمر كذلك فلتمده المخابرات بالتفاصيل وبالأسماء وليقبض على الجناة بل هي من نوع التسميم بالخبز وبالظرف المغلق” وتساءل آخرون ” أين وصلت التحقيقات؟ لقد قبرت”!!!
وقال الناشط السياسي، بسام بن عمر “كالعادة مجرد ترّهات، (ثم كلام ناب)، ادعى تسميمه بالخبز.. ثم الظرف المسموم.. والآن تخطيط لاغتياله، أين المؤسسات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية في كل هذا الخضم؟ الخلاصة: رئيس يهذي لا يعي ما يقول، ينقاد وراء ترّهات وتوهمات: بالتالي ليست له الأهلية للرئاسة”.
الاغتيال ممكن
وكتب آخر يستخدم اسماً مستعاراً: ” سأفكر من منطلق الدولة النوفمبرية العميقة في تونس (نسبة لانقلاب بن علي في نوفمبر 1987م) هذه فرصة تاريخية للتخلص من هذا الرئيس بالقيام باغتياله ثم اعتقالات بالجملة لمن اتهمهم سعيد، عصفورين بحجر ويسترجعون حكم بن علي علناً، خاصة وأن وقفة ونظرات رجل بن علي رضا الغرسلاوي تشير إلى تململه” ويتهم صاحب التدوينة الدولة العميقة الموالية لبن علي بأنها ربما تفكر في اغتيال سعيّد ثم تتهم من تحوم حولهم الشبهات ويتخلصون من سعيّد وخصومه ليخلوا لهم الجو ” وكتب معلقاً هذه وجهة نظر.
في حين رأى آخرون أن ما أعلن عنه قيس سعيّد هو ما دأب عليه المستبدون العرب، وهو خلق عدو وهمي لكي يمددوا في فترة حكمهم.
النهضة وقياداتها
حركة النهضة أعلنت في بيان لها أنها منشغلة بما قاله الرئيس قيس سعيّد ودعت لتحقيقات أمنية وقضائية لكشف المعنيين.
وقال القيادي في حركة النهضة علي العريض إن تصريحات رئيس الجمهورية المتكررة تثير المخاوف والانشغال في البلاد وتعمق ما هي فيه من أوضاع يكتنفها الغموض في الحاضر والمستقبل، وآخرها ما تعلق بوجود تفكير أو تخطيط لاستهداف حياته.
وأضاف على العريض في تدوينة على صفحته الرسمية في فيسبوك أن” هذا من عظائم الأمور في أي بلد، وعظائم الأمور.. تحتاج إلى بيان أو خطاب رسمي مخصوص وتعهّد فوري بالتحقيق وإفادة الرأي العام بالمعطيات المتوفرة ونتائج التحقيق وتحديد المسؤوليات”.
وأنه” من الخطير أن يتم التطبيع في البلاد مع مثل هذه التصريحات التي تبقى دون توضيح ودون مآلات ولا إنارة الرأي العام الوطني أولا والدولي ثانيا”.
وأعرب عن خشيته من أن” تتخذ هذه التصريحات غطاء لمزيد من النيل من الحريات والحقوق بمقتضى مجرد تعليمات وبعيداً عن القانون والمؤسسات”.
وأن “تونس في أمسّ الحاجة إلى وضوح الاتجاه، والمضي للخروج من الحالة الاستثنائية، والظرف المتسم بالخوف على الحاضر والمستقبل المجهول” .
وأشار إلى أن “المواطن بحاجة إلى هذا، ومؤسسات الدولة وإدارتها بحاجة إلى هذا، والمستثمر بحاجة إلى هذا تونسياً كان أو أجنبياً، والشركاء الدوليون دول ومؤسسات بحاجة إلى هذا… وفي غياب الوضوح سيجتاح الجميع غول الخوف واليأس بدل الأمل والانطلاق”.
التحقيق في القضية
كما دعا المتحدث باسم حركة النهضة فتحي العيادي النيابة العامة التونسية إلى التحقيق في “التخطيط لاغتيال” رئيس الجمهورية قيس سعيّد.
وقال العيادي في تصريح لإذاعة موزاييك الخاصة يوم السبت 21 أغسطس 2021م، إنّ الحركة منشغلة بما جاء على لسان رئيس الجمهورية قيس سعيّد حول المؤامرات والتخطيط لاغتياله، وتدعو النيابة العمومية إلى التحقيق في الموضوع وإنارة الرأي العام باعتبار أنها ملفات تستهدف أمن البلاد وأمن رئيس الجمهورية.
التشكيك في القضاء
وكان بعض أنصار قيس سعيّد قد ردوا على من طالبهم باللجوء للقضاء للتحقيق في مزاعم محاولات اغتيال سعيّد بالتشكيك في نزاهة القضاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وشن البعض حملة على القضاء يتهمهم بتهريب الأموال، و الاعتداء على أقربائهم وغير ذلك من الاتهامات، حتى لا تحال مزاعم الاغتيال على القضاء (الفاسد) من وجهة نظرهم.
وقد ندد المجلس الأعلى للقضاء في بيان له يوم السبت 21 أغسطس 2021م بحملات التشهير التي تستهدف إرباك السلطة القضائية والقضاة في مباشرتهم لوظائفهم أو تسليط أي ضغط عليهم بانتهاك أعراضهم أو إهانتهم.
وشدد على أنه الجهة المختصة قانونياً للنظر فيما ينسب للقضاة واتخاذ الإجراءات القانونية عند الاقتضاء وهو من بادر بذلك انطلاقاً من حرصه على حسن سير القضاء ونزاهته كما أنه مصمم على مواصلة هذا المسار تدعيماً للثقة العامة فيه.
وأنه من مقومات المحاكمة العادلة عدم خضوع القاضي إلى أي تأثير أو ضغط من شأنه المساس من حياده واستقلاليته، حسب ما جاء في نص البيان.
واعتبر المجلس الأعلى للقضاء أن القضاة يخضعون إلى المحاسبة كغيرهم من المواطنين وللتتبع التأديبي وفقاً للضمانات والأنظمة القانونية المنطبقة.
وأكد أن القضاء سلطة مستقلة وهيبته من هيبة الدولة ذاتها ويحجر على الجميع التدخل في اختصاصاته بصفة مطلقة عملاً بمقتضيات الدستور والمعاهدات الدولية.