في مقال له على الموقع الإلكتروني لمركز بيجن السادات للدراسات الإستراتيجية، قال جنرال صهيوني سابق: إن الإيمان هو الذي انتصر في أفغانستان، وإن ما وقع أفغانستان يمكن أن يتكرر في “إسرائيل”، وإن السلطة الفلسطينية تشبه سلطة عباس، وستنهار بنفس السرعة التي انهارت بها السلطة الموالية لواشنطن في كابل، وفيما يلي ترجمة للمقال الذي كتبه اللواء (احتياط) في الجيش الصهيوني جيرشون هاكوهين(*).
ملخص تنفيذي
الهزيمة الأمريكية في أفغانستان سيكون لها تأثير مباشر على “إسرائيل”، فمثل الحكومة الزائفة التي فرضها الأمريكيون على كابل، التي على الرغم من الاستثمارات الهائلة فإنها أثبتت أنها لا يمكن الاعتماد عليها، ستنهار السلطة الفلسطينية وآلياتها الأمنية في الوقت المناسب أمام خصومها الإسلاميين، ولا سيما “حماس”، وعلى الرغم من تفوقه المادي والتكنولوجي الساحق، فإن الجيش “الإسرائيلي” لا يملك أي فرصة لهزيمة أعداء “إسرائيل” الإسلاميين ما لم يكن جنوده مدفوعين بإيمان لا يتزعزع بالقضية الوطنية.
لفهم الأربعين سنة الأخيرة من النضال الإسلامي في أفغانستان، يجدر بنا أن ننظر إلى إرث عبدالله عزام.
ولد عبدالله عزام في قرية صغيرة بالقرب من جنين عام 1941، وانتقل إلى الأردن بعد سقوط الضفة الغربية خلال حرب الأيام الستة، وأثناء وجوده هناك، انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين وشارك في أنشطة المنظمات “الإرهابية” الفلسطينية ضد “إسرائيل”، ثم ذهب في النهاية إلى أفغانستان، حيث كان عاملاً رئيساً في مساعدة المجاهدين على صد السوفييت.
عبدالله عزام شخصية ملهمة وهو أستاذ أسامة بن لادن، ذهب عزام لقيادة الآلاف من المتطوعين من جميع أنحاء العالم الإسلامي أثناء القتال في أفغانستان، وحصل على لقب “أبو الجهاد العالمي”، واغتيل عزام مع ولديه في بيشاور، في نوفمبر 1989.
وعلى عكس قادة الحركة القومية العربية، من جمال عبدالناصر إلى حافظ الأسد إلى صدام حسين، الذين فشلوا في توحيد “الأمة العربية” من أجل كفاح مشترك، نجح عزام في جمع أعداد كبيرة من المسلمين من دول ومن عشائر وقبائل مختلفة للمشاركة في “حرب مقدسة” (جهاد) لأول مرة في العصر الحديث.
شرح عزام رؤيته بعبارات بسيطة:
“سنقاتل ونهزم أعداءنا ونؤسس دولة إسلامية على أرض في أفغانستان، الجهاد سينتشر، والإسلام سيقاتل في مكان آخر، وسيحارب الإسلام اليهود في فلسطين وسيقيم دولة إسلامية على أرض فلسطين وغيرها، سيتم بعد ذلك توحيد هذه الدول في دولة إسلامية واحدة”.
ومرددًا الرسالة الرئيسة للنبي محمد في خطبة الوداع: “أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله”، رأى عزام القتال في أفغانستان كنقطة انطلاق لجهاد عالمي، الهدف منه إقامة “أمة إسلامية” عالمية، فبالنسبة له، كان الصراع في أفغانستان فرصة إستراتيجية لإعادة الاتصال بين الدين والمجال العسكري والسياسي الذي ميز الإسلام منذ نشأته، الذي توقف مع سقوط الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وإلغاء الخلافة، ويعتقد عزام أن الإنجازات في ساحة المعركة يمكن أن تغري ملايين المؤمنين بالمشاركة في الجهاد العالمي.
إعراب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن ثقته في استقرار النظام بأفغانستان، مشيراً إلى أن الجيش الأفغاني لديه 300 ألف جندي مجهزين، ولديه أيضاً قوة جوية في مقابل “طالبان”، التي لديها 75 ألف جندي فقط، يوضح أنه لا يفهم هذا الواقع، إن انتصار “طالبان” على الولايات المتحدة في أفغانستان هو درس للعالم حول القدرة الهائلة للقوة الروحية والإيمان في كسب صراعات طويلة الأمد ضد أعداء أقوى بكثير.
في السنوات الأولى من الحرب، كان للأمريكيين تفوق ساحق على “طالبان” وألحقوا بها العديد من الهزائم القاسية، لكن رجال “طالبان” بحكم عقيدتهم الدينية تمكنوا من الصمود أمام تلك الهزائم، كانوا يؤمنون بما يعرف في الدين الإسلامي بـ”مرحلة الاستضعاف”، التي تتطلب الانتظار بصبر من أجل تحين الفرص، وهكذا كان إيمانهم بمثابة إستراتيجية تمكنهم من التأقلم مع فترة انتظار طويلة.
من ناحية أخرى، لم يستطع الأمريكيون تحمل عبء صراع طويل دون أن يلوح حل في المستقبل المنظور، وعلى مستوى أعمق، فقد استبعدوا الجذور الدينية للصراع، التي تم التعبير عنها، من بين أمور أخرى، في رفض رسالة الازدهار الغربي الأمريكي، وكما قال مردخاي كيدار: 15 أغسطس 2021 سيُذكر إلى الأبد في العالم الإسلامي على أنه انتصار الإسلام على المسيحية، وانتصار الإيمان على البدع، وانتصار التقاليد على الإباحية.. هذه الأحداث تضخ دماء جديدة في شرايين الجهاد والنتائج بادية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في “إسرائيل”.
الحقيقة أن الهزيمة الأمريكية سيكون لها تأثير مباشر على “إسرائيل”، فمثل الحكومة الزائفة التي فرضها الأمريكيون على أفغانستان، التي على الرغم من الاستثمارات الضخمة تبين أنها عديمة الجدوى في مواجهة قوى الجهاد، ستنهار إدارة السلطة الفلسطينية وقواتها الأمنية في الوقت المناسب في مواجهة خصومها الإسلاميين، ولا سيما “حماس”، والجيش “الإسرائيلي” على الرغم من تفوقه المادي والتكنولوجي الساحق، لا يملك أي فرصة لهزيمة أعداء “إسرائيل” الإسلاميين ما لم يكن جنوده مدفوعين بإيمان لا يتزعزع بالقضية الوطنية.
______________________________________
(*) زميل أبحاث أول في مركز بيجن السادات للدراسات الإستراتيجية، خدم في جيش الدفاع “الإسرائيلي” لمدة 42 عامًا، قاد القوات في معارك مع مصر وسورية، عمل كقائد فيلق وقائد لبعض الكليات العسكرية في جيش الدفاع “الإسرائيلي”.
المصدر: مركز بيجن السادات للدراسات الإستراتيجية.