ناقش بحث علمي لمجلة «تجسير» الصادرة عن مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة قطر دور الإسلام في تكوين صورة إيجابية عن دولة قطر، عبر دراسة العلاقة بين الإسلام –كدين– والقوة الناعمة، والمجالات التي يمكن للإسلام أن يؤدي دوره فيها.
وطرح البحث الذي أعده الباحثان حسين نعيم الحق، ولطيفة الكعبي، العام الماضي، بعنوان «الإسلام كقوة ناعمة لدولة قطر في تنظيم كأس العالم 2022»، النظرة الإسلامية للرياضة والترفيه، وسبُل تجاوز التحديات التي قد تواجهها الدولة في مدة استضافة كأس العالم من المنظور الإسلامي، بالإضافة إلى فرصة قطر في تصحيح الصورة الخاطئة عن الإسلام لدى كثير ممن يحضرون فعاليات «كأس العالم 2022».
وتوصل إلى نتائج مهمة، منها: إن الإسلام له نظرة إيجابية عن الرياضة والترفيه بضوابطهما الشرعية، وإن هناك علاقة وطيدة بين الإسلام والقوة الناعمة، بحيث يمكنه أن يؤدي دوراً مهماً في تكوين صورة إيجابية عن دولة قطر، لافتاً إلى أن هذا الحدث فرصة مهمة لدولة قطر في تصحيح الصورة الخاطئة عن الإسلام والمسلمين لدى كثيرين ممن يحضرون هذه الفعالية.
ضوابط شرعية
وتناول البحث الضوابط المتعلقة بالرياضة والترفيه، منها: ألا تكون في الرياضة أو الترفيه مخالفة شرعية أو مفسدة كالقمار وغيره، وألا تشتمل على ضرر مادي أو معنوي على الشخص الرياضي، أو المشاهد، ولا تتسبب بإزعاج الآخرين ومضايقتهم في الأماكن العامة والمرافق، وألا تمنع الرياضة من الواجبات والمسؤوليات المطلوبة من الإنسان، سواء أكانت عبادات أو أعمالاً مطلوبة منه، والمحافظة على الأخلاق والقيم أثناء اللعب وقبله وبعده بحيث لا تؤدي إلى تجاوز الآداب والأعراف، كالاختلاط بين الرجال والنساء، بحيث يصير الأمر فوضى بينهم.
وتبين من خلال البحث أن الإسلام يمكن أن يؤدي دوراً محورياً في تنظيم كأس العالم بصورة متميزة من خلال قيمه الأخلاقية ومُثله العليا؛ مثل حسن استقبال الضيوف القادمين لحضور هذا الحدث، مشيراً إلى أن الإسلام حث على إكرام الضيف مطلقاً بغض النظر عن دينه وعرقه، إضافة إلى مساعدة القادمين لحضور كأس العالم فيما يحتاجون إليه من المرافق والخدمات، حيث إن التعاون على الخير ومساعدة الناس على البر من الأمور المهمة في الإسلام.
ولفت إلى قيم إسلامية ظاهرة في المجتمع القطري تشكل قوة ناعمة لدولة قطر؛ مثل الكرم، واليُسر في التعامل، والانضباط، والتعاون على الخير، وتقدير الكبار، والعطف على الصغار، والتكافل الاجتماعي، والنظافة.
أنشطة توعوية
وحث البحث مؤسسات إسلامية، مثل كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وكلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وغيرها أن تقوم بأنشطة توعوية عامة؛ لتفعيل الآليات المناسبة لتمثيل القيم الإسلامية بصورة أكبر في المجتمع.
وتضمن أبرز التحديات التي يمكن أن تواجه مثل هذا الحدث، كالتحدي الخاص بصورة الإسلام المشوَّهة لدى الآخرين، ومخالفة القوانين والأنظمة.
وأوضح البحث أن قطر يمكن أن تستغل الحدث وتؤدي دوراً مهماً في نشر الصورة الصحيحة عن الإسلام والمسلمين، وتكذيب الصورة النمطية السائدة عنه لدى كثير من الغربيين، وذلك من خلال خطوتين مهمتين؛ الأولى مسبقة، وذلك من خلال نشر الصورة الصحيحة عن الإسلام والمسلمين عن طريق وسائل التواصل والإعلام المختلفة قبل «كأس العالم 2022»، ونشر رسائل توعوية حول طريقة تعامل الدولة مع المخالفات ذات العلاقات الدينية، إضافة إلى إعداد تطبيق إلكتروني متطور يحتوي على أهم المعلومات المتعلقة بدولة قطر، وعن الإسلام والمسلمين، وحياتهم، وطريقة تعاملهم مع الناس، وأهم قيمهم ومُثلهم، وبيان الحقوق الخاصة لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي.
والخطوة الثانية اللحظية التي لفت إليها البحث تكون بعد وصول الضيوف إلى أرض قطر، وتتمثل في عدة أمور؛ أهمها نشر كتيبات باللغات الحية المهمة، يبين فيها أهم الأمور المتعلقة بالإسلام، والتعريف بنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ورحمته وحبه للبشرية كلها، إضافة إلى كتابة آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، ورسم لوحات فنية توضح الأمور الأساسية في الإسلام، وجمال الثقافة القطرية، سواء أكان ذلك في الملاعب الرياضية، أو الشوارع العامة، أو المجمعات السكنية، وإعداد أماكن مخصصة مؤقتة للقادمين؛ ليقوموا بممارسة شعائرهم الدينية فيها.
معالجة المخالفات بحكمة
والتحدي الثاني الذي أشار إليه البحث فيتعلق بمخالفة القوانين والأنظمة الخاصة بالدولة، مثل شرب الخمر في الأماكن العامة، وغيره من المخالفات، مشيراً إلى أنه ينبغي أن يكون التعامل معها بحكمة وحنكة، وأن يقتصر ذلك على الجهة المعنية بها في الدولة، بحيث لا يتدخل فيها الأفراد، الذين يمكنهم إبلاغ الجهة المعنية بها، أو تقديم النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة.
أما التحدي الثالث فيتركز في تأثير ثقافة القادمين على الناشئة والشباب الذي قد يؤثر سلباً على ثقافة البلد وتقاليده وأعرافه.
وتطرق البحث إلى أن «جوزيف ناي»، منظِّر مصطلح «القوة الناعمة» الأول، الذي ركز على الفن والمسرح والموسيقى والتعليم وحقوق الإنسان والديمقراطية والتقنيات وغيرها باعتبارها قوة ناعمة في السياق الأمريكي، وعرفها على أنها «القدرة على الحصول على ما تريده عن طرق الجاذبية بدلاً من الإرغام ودفع المال.. وأن من أهم مواردها المثل والقيم»، لم يذكر الإسلام في دراسته التأصيلية عن هذا المفهوم إلا في سياقات سياسية وأيديولوجية، وهو أمر مفهوم من رجل كان في طليعة وزارة الدفاع الأمريكية التي قادت الحرب ضد عدد من الدول العربية والإسلامية.
لكن البحث خلص، وفق ما صاغه «ناي» في مفهوم القوة الناعمة، أن الإسلام بقيمه الأخلاقية ومثله العالية يمتلك موارد خصبة للقوة الناعمة، وهي تساعد على تكوين صورة إيجابية عن دولة قطر، إذا فسرت ووظفت بشكل صحيح.