بمناسبة إقامة كأس العالم لكرة القدم في ألمانيا عام 2006م، تم بناء مجمع لبيوت الدعارة على مساحة ألفيْ متر مربع، يمكنه استقبال مئات الزبائن في وقت واحد بجوار الإستاد الرئيس في برلين، وتم الشيء نفسه في مدن أخرى بتحديد أماكن قريبة من المنشآت الرياضية محاطة بسياج، داخلها كبائن لممارسة الدعارة تشبه دورات المياه.
وللوصول للربح المستهدف على هامش الحدث الرياضي الأكبر على مستوى العالم، قامت ألمانيا باستيراد أربعين ألف داعرة من بلاد متفرقة للسماح لهن بتلبية الطلب المتزايد والأذواق المختلفة للجماهير المتوافدة على ألمانيا من شتى بقاع الأرض، وممارسة الجنس بشكل قانوني في البلد الذي سمح بتجارة الجنس قانونياً منذ عام 2002م.
كان هذا ضمن استعدادات ألمانيا لاستقبال الحدث الرياضي الأكبر والأكثر جماهيرية على مستوى العالم؛ فقد قامت بتنفيذ ما تراه عامل جذب للجماهير، ومن ثم مزيداً من الأموال التي تصب في الشركات المتخصصة في تجارة الرقيق الأبيض، وتصب ضرائب نشاطها (القانوني) في خزينة الدولة.
لم تكن ألمانيا استثناء أوروبياً في استثمار الأحداث الرياضية الكبرى في تسويق الرذيلة والتجارة في البشر بهدف تحقيق الربح؛ فعلى الدرب ذاته سبقتها اليونان في تنظيم دورة الألعاب الأولمبية عام 2004م؛ حيث سمحت أثينا بتخصيص 30 بيت دعارة إضافياً، وسمحت باستقدام 20 ألف داعرة إضافية استثماراً لتواجد الجماهير المتدفقة من أنحاء العالم.
تم تنفيذ هذه الخطط على وقع أصوات المنظمات الحقوقية الأوروبية المعترضة، التي لم يلتفت لها أحد من المسؤولين، ووسط اعتراض من بعض الكتَّاب والمثقفين المحترمين، ومنهم الصحفي الفرنسي هيرفي كيمف الذي ذكر هذه المعلومات سالفة الذكر في كتابه “الخروج من الرأسمالية من أجل إنقاذ الكوكب”.
الغرب وفرض نموذجه الثقافي
عقدة الغرب أنه يرى نفسه حديقة جميلة محاطة بغابة من عالم متوحش، بحسب تصريحات جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وعندهم القناعة بأن القيم الأوروبية التي يعتنقها الجيل الحالي ينبغي أن يخضع لها بقية العالم.
والغرور والغطرسة الأوروبية جعلاهم يقتنعون أن عولمة الثقافة ملازمة لعولمة الحضارة؛ فمطلوب من باقي دول العالم (أهل الغابات) أن يستخدموا التكنولوجيا والصناعة الأوروبية، ومعها في سلة واحدة قيم الأسرة الأوروبية الحديثة التي لا تعترف بالذكر والأنثى والزوج والزوجة، وتعتبر ذِكر نوع الجنس من إساءة الأدب؛ حيث من حرية الإنسان ألا ينحصر في نوع الذكر أو الأنثى، ويكون شيئاً ثالثاً، ومن الممكن تكوين أسرة من زوجين من الرجال، أو زوجين من الإناث!
وفي سبيل فرض النموذج الغربي الشاذ عن الفطرة الإنسانية، تمارس الدول الغربية أبشع أنواع الدكتاتورية، عبر قيود حريرية ناعمة تكمم الأفواه وتقيد الأيدي والأرجل، مستخدمة سطوة المال والدعاية وفرض القوانين، وتعطي لنفسها الحق في معاقبة من يعترض على رؤيتها الشاذة ومحاصرته وتشويهه.
فالكنيسة الأوروبية وموقفها التقليدي من رفض الممارسات الشاذة بدأ في التحول تحت ضغط هذه القيود، فبعد أن كان رأي بابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس قبل تولي منصبه أن الله خلق الإنسان من ذكر وأنثى وأعدهما جسدياً لاستمرار الحياة وإنجاب الذرية، عاد بعد تولي منصبه، وقال أثناء رحلة عودته من البرازيل عام 2013: “من أنا لأحكم على المثليين؟!”، وبعدها نزل درجة أخرى في حديثه عن الموضوع في الفيلم الوثائقي عن حياته: “المثليون لهم الحق في تكوين أسرة.. إنهم أبناء الله”!
ومن هذا الفهم للقيود الخفية لظاهر الحرية الغربية، يمكننا فهم موقف لاعبي فريق كرة القدم الألماني، الذي أبدى اعتراضه على القيود التي وضعتها قطر الدولة المنظمة لكأس العالم على دعم المثلية الجنسية، ويمكننا النظر إليهم بعين الشفقة على بَشَر تم تضليلهم وإغواؤهم؛ فهؤلاء المساكين ضحايا سطوة المال والإعلام وماكينة صناعة النجوم الفنية والرياضية على مستوى العالم.
فهم وغيرهم مجرد أدوات ظاهرة، خلفها ماكينة رأسمالية جبارة، مطلوب إنقاذ الكوكب من شرورها.