هل جربت يوماً أن تردد مقولات ومعلومات دون أن تتأكد من صحتها أو تستوثق من دقتها، وهل مر بك يوماً أن غيرت قناعاتك وتبنيت فكرة لم تكن تتصور أنك ستقتنع بها أو تدافع عنها وترفض أن تناقش من يطرح ما يخالفها؟
هل جربت يوماً الشعور بفقدان ثقتك في نفسك وفي قدراتك على الاستمرار، وبلغت مرحلة الإحباط والإحساس بالفشل وتولدت عندك قناعات بعدم جدوى ما تعمله بل وتندم على ما قمت به من أعمال وتصرفات.
إذا مر بك هذا الشعور فأنت حينها قد تعرضت لحملة دعاية سوداء أو ” بلاك ميديا ” استهدفت قناعاتك وأفكارك ونفذت إلى جوارحك واخترقت ثوابتك من خلال العاطفة الجامحة دون أن تمر في طريقها على العقل.
البداية تكون مع مطالعتك وتعرضك لوسائل الإعلام بكافة أنواعها من صحف وتلفاز ومواقع إلكترونية وتواصل اجتماعي تتلقى من خلالها كميات هائلة من المعلومات والأفكار والتصورات بشكل يومي وربما لحظي.
ويحدث كثيراً أن تزداد قناعتك – مع غيرك من المتعرضين لوسائل الإعلام – إلى عدد من هذه الأفكار والقضايا التي تتلقاها من الإعلام على مدار الساعة، وقد تتطور تلك القناعات إلى درجة الحقيقة المطلقة التي لا تتحمل أي نقاش ولا تقبل معها أي جدال.
بل ربما تصل تلك القناعات إلى مرحلة تتبنى فيها الأفكار والمعلومات والأحكام على خلاف قناعاتك السابقة، وقد تسعى لنقلها لكل من حولك ومن يثق فيك وتثق فيه إلى أن تتحول تلك القناعات بدورها إلى رأي عام متماسك لا يحتمل التغيير.
حينها يمكن أن نقول إنك – مع غيرك ممن يتبنى تلك الأفكار والمعلومات والأحكام بكل قوة وحماس – قد وقعت في مرمى حملة دعائية منظمة، أدارتها إحدى الجهات بكفاءة واقتدار وأصبحت أنت – مع غيرك – مرهونا بتلك الحملة خاضعا لمستهدفاتها.
ولعلنا نحدد عدداً من المؤشرات التي يمكن أن تتعرف من خلالها على مدى خضوعك لمثل هذه الحملات التي استهدفتك وسعت للوصول إليك وحاولت تغيير قناعاتك وصياغة أفكارك بشكل مختلف عما كانت عليه قبل الحملة.
أول المؤشرات هو استعمال تكنيك التكرار والإلحاح.. إذ يحرص صناع الحملات الإعلامية عموما و” البلاك ميديا ” خاصة على تكرار المعلومات والأفكار التي يرغبون في توليد قناعات بها، حتى يصل التكرار إلى حد الإلحاح على الفكرة.
ثاني المؤشرات هو تنوع وتعدد القوالب الإعلامية المصاحب للتكرار، حيث يتم التكرار مع تنوع وتعدد أشكال وطرق التناول الإعلامي، ولكن يظل محور الفكرة محدداً واضحاً يتم الإلحاح عليه وإن بصور مختلفة وطرق متعددة.
ثالث المؤشرات هو تعدد المنافذ الإعلامية التي تنتشر من خلالها تلك الأفكار والمعلومات، حيث تظهر المعلومة ذاتها والفكرة نفسها في عدد كبير من الوسائط الإعلامية من صحف ومواقع وتلفاز وصفحات تواصل اجتماعي وذلك كله في وقت متزامن وبذات الإلحاح والتركيز.
رابع المؤشرات هو أن يكون للوسائل الإعلامية التي تنفذ منها الدعاية السوداء سابقة ثقة ومصداقية لدى الجمهور المستهدف، وهو ما نطلق عليه ” التماهي ” مع أفكار الجمهور الأساسية والتعاطي مع مجملها بشكل إيجابي مما يولد الثقة بهذه الوسيلة الإعلامية ويكون مقدمة للثقة فيما تبثه من حملات دعائية منظمة في وقت لاحق.
خامس المؤشرات وأهمها هو طبيعة العلاقة المشتركة بين المنافذ الإعلامية التي استهدفتك بالأفكار والمعلومات، حيث ترتبط هذه المنافذ والوسائل الإعلامية برباط واحد، وغالباً ما تكون الجهة التي تمولها واحدة والهدف الذي يربطها من وراء ستار واحد والحماية المفروضة عليها واحدة.
وربما يكون المؤشر الخامس هو العامل الرئيس والأهم الذي يكون لازماً للوصول إلى حقيقة وجود منظومة إعلامية واضحة المعالم تعمل وفقا لخطة واحدة، وتنطلق من تمويل واحد ومن جهة حماية واحدة، جميعها تستهدف الوصول لجمهور محدد وتسعي لتغيير قناعاته وتعديل أفكاره وفقاً لمنظومة مطلوبة ووجهة معلومة لدى مخططي الحملة ولكنها حتماً تكون مجهولة لدى جمهورها.