رأى الكاتب الأمريكي بيتر لافين أن جائحة كورونا تبدو في الآونة الأخيرة كأنها أصابت أناساً آخرين، “وأننا كنا مجرد متفرجين شاهدنا كل شيء يتكشف أمامنا لننسى ما رأيناه وكأن شيئاً لم يكن”. ومع ذلك، فإن الدمار الناجم عن سياسات الجائحة لم يزل قائماً. ولكن يبدو أن الغضب والإحباط الذي عبَّر عنه الجمهور ذات مرة تجاه الجائحة والقيود المصاحبة له قد تلاشيا.
وأضاف الكاتب في مقال في موقع “واشنطن إكزامينر”: “حتي وسائل الإعلام يبدو أنها انشغلت أخيراً بموضوع آخر. لم يعد المعلقون الليبراليون يتشدقون بأعداد الوفيات التي خلفتها الجائحة، والتي تعادل أضعاف عدد ضحايا أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، لطالما كانت هذه المقارنة سهلة بالطبع، لكنها على الأقل كانت تشير إلى الرغبة في الوصول إلى الحقيقة ومحاسبة المسؤولين.
ولفت الكاتب إلى أن المشكلة هي أن وسائل الإعلام لدينا لم تكن أبداً مهتمة حقاً بالمساءلة. لقد رفضوا التفكير في احتمال أن يكون فيروس كورونا قد تسرب من أحد مختبرات ووهان، لأن أي اقتراح من هذا القبيل سيظُهر عنصرية معادية لآسيا، وبدلاً من ذلك وجهوا إحباطهم نحو هدف ثانوي.
كان الجاني الحقيقي، كما أكد مقال رأيٍ لصحيفة “نيويورك تايمز”، “عقوداً من الإهمال البيئي العالمي”، جنباً إلى جنب مع البحث العلمي الذي عانى من نقص التمويل، والذي يعود الفضل فيه بلا شك إلى غوغاء الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب. وبوضع ترامب وشركائه في الاعتبار، كان مقدمو أخبارنا الليبراليون الشجعان يتلون بغضب عدد الوفيات المحدَّث كل ليلة.
الانسحاب الصامت
{tweet}url=1606362967502618644&maxwidth=400&align=center&media=false{/tweet}
لكن بعد مقالٍ نُشر في مايو (أيار) 2021، في “مجلة علماء الذرة” Bulletin of Atomic Scientists، ألقى بظلال من الشك على نظرية الأصل الطبيعي وأثارَ احتمالَ أن الفيروس قد هرب من معهد ووهان لأبحاث الفيروسات، بدأ غضبُ وسائل الإعلام الواضحُ يتلاشى إلى شيء أشبه بالانسحاب الصامت.
إن الاحتمال المتزايد بأن فيروس كورونا كان في حد ذاته ثمرة البحث العلمي في المختبرات البيولوجية الصينية، والذي تضمَّن دمجَ سلالات كورونا معاً لجعلها معدية بشكل أكبر للبشر (أي “البحث المكتسب من الوظيفة”)، قد جعل وسائل الإعلام فجأة غير مهتمة بلعبة إلقاء اللوم. ومنذ ذلك الحين، أمست حساسةً تجاه موضوع أصول فيروس كورونا.
عدم اكتراث الصحافة
ومضى الكاتب يقول: “لنضع في اعتبارنا غرابة عدم اكتراث وسائل الإعلام بأصول فيروس كورونا. إذا كان فيروس كورونا يعادل حقاً ألف حادث من نوع 11 سبتمبر، ألا يجبُ علينا أن نحاول على الأقل فهمَ ما حدث من أجل منع حدوثه مرة أخرى؟”.
في شهر أكتوبر(تشرين الأول)، أصدر مكتب السناتور ريتشارد بور (الجمهوري – من نورث كارولاينا) تقريراً مؤقتاً من تحقيقٍ لم يتم الإفراج عنه بعد، زعمَ أن الأصل المحتمل للوباء كان تسريباً معملياً في معهد ووهان لأبحاث الفيروسات. وظلت وسائل الإعلام – كما كان متوقعاً – صامتة رداً على ذلك. وفي نهاية المطاف، تورطت في الأمر منافذ إعلامية مثل “نيويورك تايمز”. فبعد الانتقاد الشديد لفرضية التسرب من المختبر لعدة أشهر، لم يكن من مصلحتهم الإخبار بأي شيء مخالف. إن النتائج المفضلة فقط هي التي تتصدر عناوين الأخبار في عصر الإعلام الموروث هذا.
{tweet}url=1607594738739445761&maxwidth=400&align=center&media=false{/tweet}
غموض البحوث البيولوجية الصينية
ومع ذلك، عندما تعاونت غرفة الأخبار الاستقصائية الرئيسة في المجال الليبرالي، “بروبابليكا” ProPublica، مع مجلة “فانيتي فير” Vanity Fair اللامعة وذات الميول اليسارية، الشهر الماضي للتأكد من صحة تقرير بور، لم تؤكدا استنتاجاته فحسب، وإنما عززتا ذلك بسياق إضافي. ألقى التقرير المذهل الضوءَ على الحالة الغامضة للبحوث البيولوجية الصينية، التي تتعرض فيها مختبرات، مثل معهد ووهان لأبحاث الفيروسات، لضغطٍ هائل لإنتاج أبحاث علمية غير مسبوقة تمجيداً للحزب الشيوعي الصيني، بينما تكافحُ في الوقت نفسه مشكلات السلامة المتزايدة.
الأهم من ذلك، برأي الكاتب، أن تقرير بروبابلكيا/ فانيتي فير تحَقَّق من الجانب الأكثر إثارة للدهشة في تقرير بور؛ ألا وهو وقوع حادثة احتواء بيولوجي خطيرة في معهد ووهان لأبحاث الفيروسات قبل أيام فقط من بدء انتشار الفيروس في جميع أنحاء المنطقة.
وجه منتقدو تقرير بور انتقاداً لاذعاً بسبب اعتماده المفرط على عالِمٍ لغويٍّ وحيد لتفسير حديث الحزب “المبتهج دائماً” في المراسلات التي جرت بين مسؤولي معهد ووهان لأبحاث الفيروسات والحزب الشيوعي الصيني بعد وقوع الحادث.
لكن تقرير بروبابليكا / فانيتي فير أكد تفسيرَ تقرير بور مستعيناً بثلاثة خبراء منفصلين. كانت حادثة الاحتواء الحيوي خطيرة بما يكفي لدرجة أن الرئيس شي جين بينغ، أقوى زعيم صيني منذ ماو تسي تونغ، تدخَّل فيها شخصياً. هذا يجعل حدوث تسرُّب مختبري خطير في اللحظة المحددة لتفشي فيروس كورونا أمراً شبه مؤكد.
كارثة تشبه تشيرنوبيل
تشير التفاصيل الإضافية التي قدَّمها تقرير بروبابلبكا/ فانيتي فير إلى كارثة تشبه كارثة تشيرنوبيل أكثر من كونها شبيهة بحادثة 11 سبتمبر (أيلول)، والتي أطلقت فيها بيروقراطية شيوعية ضعيفة وفاسدة العنان لجائحة وصلت إلى كل ركن من أركان الأرض. وعلى هذا النحو، يتحمل الحزب الشيوعي الصيني مسؤولية كبيرة عن جائحة كورونا. وعليه أن يبدأ، على الأقل، في التعاون مع التحقيقات الدولية في الحادث.
ومع ذلك، لم تزل وسائل الإعلام الأمريكية غير مكترثة بشكل مذهل بأصول وباءٍ أودى بحياة 20 مليون شخص على مستوى العالم. لقد أثَّر إصدار تقرير بروبابليكا / فانيتي فير بالكاد في دورة الأخبار اليومية التي صدرت على أساسه. وبدلاً من تنافس وسائل الإعلام فيما بينها، سعياً وراء حصد جائزة بوليتزر، بتغطية قصة القرن ومحاسبة المخالفين، فإنها ما فتئت صامتة بشكل واضح.
واختتم الكاتب مقاله بالقول: إنهم يتمنون لو أن الجمهور يتوقف عن الاهتمام بهذه القضية حتى يتمكنوا من مساعدة الجناة المشاغبين في الخروج من مأزقهم. وأخشى أن يكونوا على صواب.
قال الأعضاء الجمهوريون في لجنة الاستخبارات، بمجلس النواب الأميركي، إن ثمة مؤشرات على أن منشأ فيروس كورونا قد يكون مرتبطا ببرنامج أبحاث الأسلحة البيولوجية الصيني. وكانت أول حالة إصابة بالفيروس سجلت أواخر 2019 بمدينة ووهان وسط الصين قبل أن ينتشر الوباء ويصبح جائحة عالمية الأشهر الأولى من 2020.
مشرعون أميركيون يرجحون ارتباط منشأ كورونا ببرنامج صيني لأسلحة بيولوجية
وفي تقرير نشر مساء الأربعاء، ذكر المشرعون الجمهوريون أن تلك المؤشرات تستند إلى تحقيقهم الذي تضمن مجموعة متنوعة من المعلومات السرية وغير السرية.
وذكر التقرير أن الفيروس تسرب إلى البشر بسبب حادثة وقعت في معهد ووهان لعلم الفيروسيات.
كما اتهم المشروعون الاستخبارات الأميركية بالفشل في مشاركة المعلومات ذات الصلة مع الجمهور الأميركي، وفي إطلاع لجان الرقابة في الكونغرس بما لديها من المعلومات الاستخباراتية.
الرئيس بايدن
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قال -صيف العام الماضي- إنه تلقى تقريرا استخباراتيا عن منشأ فيروس كورونا، مشددا على أن بلاده ستبذل كل ما في وسعها لتتبع جذور هذا الوباء لمنع حدوثه مرة أخرى، بينما أعلنت الصين رفضها لما جاء في التقرير.
ويرجح التقرير -الذي أصدرته مجموعة وكالات استخبارية أميركية- أن تكون الإصابات الأولى بالفيروس في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 قد وقعت إما نتيجة لحادث بأحد المختبرات في ووهان بالصين، أو نتيجة ملامسة أو اقتراب من حيوان حامل للفيروس.
وقال التقرير “الفيروس لم يطور ليكون سلاحا بيولوجيا، وإن تعاون الصين محوري لمعرفة أصل الفيروس، لكنها تواصل عرقلة التحقيق الدولي بهذا الشأن”.
وتتهم الصين الولايات المتحدة بنشر نظريات “المؤامرة” حول منشأ كوفيد-19، رافضة بشدة النظرية القائلة إنه قد يكون تسرب من أحد مختبراتها.
منظمة الصحة
وفي سياق متصل، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أمس، إنه يأمل ألا تتسبب جائحة كوفيد-19 في إعلان حالة طوارئ صحية عالمية العام المقبل.
وجاء هذا التصريح عقب إعلان الصين تخليها عن سياسة “صفر كوفيد” الصارمة وسماحها بالتعايش مع الفيروس، مثيرة مخاوف من مواجهة ثاني اقتصاد في العالم ارتفاعا في حالات الإصابة بكوفيد.
وتجتمع منظمة الصحة كل بضعة أشهر لتقرر سواء كان فيروس كورونا الجديد، الذي تسبب في مقتل 6.6 ملايين إنسان، ما زال يمثل “حالة طوارئ للصحة العامة على المستوى العالمي”. ويهدف ذلك إلى تنسيق الاستجابة العالمية، ومن شأنه فتح سُبُل التمويل للتعاون في مشاركة اللقاحات والعلاجات.