ماذا تعني زيارة البابا لجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان؟
وصل البابا فرانسيس إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية في يومه الثاني في مهمة تهدف إلى إحلال السلام في الجزء الشرقي من البلاد؛ حيث قُتل الآلاف مؤخرًا في صراع ما زال مستمراً.
هذه هي الزيارة البابوية الأولى للبلاد منذ عام 1985، وقد أغلقت المدارس في الأول من فبراير بعد أن أعلنت الحكومة أنها ستكون عطلة عامة للسماح للمؤمنين بحضور قداس في مطار ندولو، أكثر من 40% من سكان جمهورية الكونغو الديمقراطية البالغ عددهم 95.6 مليون نسمة من الكاثوليك.
كانت آخر زيارة بابوية لأفريقيا عبارة عن جولة استمرت 7 أيام في عام 2019 لـ3 دول أفريقية؛ موزمبيق ومدغشقر وموريشيوس.
توقفوا عن استغلال أفريقيا
في يومه الأول في كينشاسا، في 31 يناير، شجب البابا فرانسيس أفعال شركات التعدين الأجنبية التي كانت تستغل الموارد المعدنية الطبيعية للبلاد؛ مما ترك الملايين في فقر مدقع، وتسبب في كثير من الأحيان في نزاع مسلح.
ارفعوا أيديكم عن أفريقيا
ارفعوا أيديكم عن جمهورية الكونغو الديمقراطية! ارفعوا أيديكم عن أفريقيا! توقفوا عن خنق أفريقيا، وقال: ليست مجرد منجم يتم تجريده أو مجرد نهب لأرض، إنها مأساة مستمرة لهذه الأرض بصفة خاصة، وللقارة الأفريقية بأكملها بشكل أعم، التي تتحمل أشكالاً مختلفة من الاستغلال.
وشجب البابا الاستعمار الاقتصادي طويل الأمد وإذكاء الصراع في البلاد، وقال: إن المجتمع الدولي قد استسلم لهذا، وقال البابا: قد لا يجد العنف والكراهية مكانًا في القلب أو على شفاه أي شخص، لأن هذه مشاعر غير إنسانية وغير مسيحية توقف التطور وتعيدنا إلى الماضي الكئيب.
وقد التقى البابا فرنسيس بالرئيس فيليكس تشيسكيدي، الذي شكره على الدعاء بحرارة من أجل السلام في المنطقة الشرقية من أمتنا، لكنه أعرب عن أسفه لأن 3 عقود من إراقة الدماء في جمهورية الكونغو الديمقراطية استغلتها الجماعات الإرهابية، وخاصة من الدول المجاورة لتقويض السلام والأمن المدني، وألقى باللوم على رواندا في تأجيج الحرب ودعم متمردي «حركة 23 مارس».
وفي اليوم نفسه، ورد أن أكثر من 122 ألف شخص، من بينهم 65 ألف طفل، قد فروا من منازلهم في يوم واحد بعد تصعيد النزاع في مقاطعة شمال كيفو.
وقال أمافي أكباماجبو، المدير القُطري لمنظمة «أنقذوا الأطفال» في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لموقع «كوارتز»: يجب التحقيق في هذه الهجمات على المدنيين.
كما التقى البابا أيضاً بضحايا الحرب الأهلية في كينشاسا، وقدم لهم الاحترام والتقدير.
على الرغم من خط سير رحلته الأولية بما في ذلك زيارة إلى جوما وإيتوري في مقاطعة كيفو الشمالية، وهما بؤر الصراع، غيَّر البابا مسار رحلته مفضلاً عدم وضع الجمهور المتوقع أن يتجمع لزيارته في خطر من المليشيات المسلحة في المنطقة.
ومع ذلك، من المتوقع أن يستقبل وفداً من المبعوثين من المنطقة، لتقديم نداء لتدخله في الصراع، وقبل يومين فقط من زيارته، ارتكبت المليشيات المسلحة مجزرة في المنطقة خلفت 15 قتيلاً على الأقل.
البابا يدعم الشواذ
مجتمع الشواذ في البلاد، الذي يواجه العنف والحرمان الكنسي، سوف يبحث أيضًا عن البابا ليعلن رسالة دعم، وقد قال البابا فرانسيس، في مقابلة مع وكالة «أسوشيتد برس»، في 26 يناير: «إن المثلية الجنسية ليست جريمة، وإننا كلنا أبناء الله، والله يحبنا كما نحن».
بعد زيارته إلى الدولة التي تضم أكبر عدد من الكاثوليك في القارة، في 2 فبراير، قام البابا فرانسيس برحلة مدتها 3 ساعات ونصف ساعة من كينشاسا إلى جوبا، عاصمة أحدث دولة في العالم، جنوب السودان، وهو أول بابا يزور تلك الدولة الغنية بالنفط.
يذكر أن البابا صرح في طريق عودته من أفريقيا أن «الأشخاص ذوي الميول الجنسية المثلية هم أبناء الله، الله يحبهم، الله يرافقهم، وأن إدانة المثلية خطيئة، وتجريم الأشخاص ذوي الميول الجنسية المثلية ظلم»!
رحلة البابا فرنسيس إلى جنوب السودان
بعد تأجيل الجولة الأفريقية التي كانت مقررة في وقت سابق في يوليو 2022، بسبب اعتلال صحة البابا، من المتوقع أن تكون هذه الزيارة بمثابة دفعة للسلام في بلد آخر لا يزال يعاني من الفقر على الرغم من امتلاكه للعديد من الموارد المعدنية والطبيعية.
فكما هي الحال في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فقدت جمهورية جنوب السودان آلاف الأرواح، ونزح الملايين في السنوات الأخيرة بسبب الاضطرابات المدنية، خاصة في ولايات أعالي النيل وجونجلي والوحدة، بعد 12 عامًا من انفصالها عن السودان الكبير.
وقد أدت حرب أهلية بين القوات الحكومية بقيادة سلفا كير والجيش الشعبي لتحرير السودان المعارض إلى إضعاف آمال البلاد في التنمية الاقتصادية.
يُنظر إلى القتال إلى حد كبير على أنه صراع سياسي بين الفصائل المتحالفة مع جماعة دينكا التي ينتمي إليها الرئيس كير، وأنصار النائب الأول للرئيس رياك مشار، ومعظمهم من عرقية النوير التي تقع في مناطقها احتياطيات النفط الهائلة التي تمتلكها جمهورية جنوب السودان.
وهناك أيضاً انتهاكات لحقوق الإنسان وتقييد لحرية الصحافة، ويوجد حالياً 6 صحفيين خلف القضبان بسبب لقطات تظهر الرئيس وهو يبلل نفسه في مناسبة رسمية.
وقد حرم الوضع الأمني في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان من الاستثمار الأجنبي بملايين الدولارات، مما أعاق الدولتين عن تحقيق الحرية الاقتصادية.
ورغم أن زيارة البابا فرنسيس إلى كلا البلدين ليس من المتوقع بأي حال من الأحوال أن تكون الرصاصة الفضية التي من شأنها إسكات البنادق، فإنها خطوة حاسمة في الدفع من أجل التعايش السلمي، ولكن حتى مع جهود السلام هذه، تظل البلدان الأفريقية أقل أمنًا مما كانت عليه قبل عقد من الزمان.
_________________
المصدر: «Quartz».