في 7 مايو 1104م (10 شعبان 497هـ)، وقعت معركة فاصلة في تاريخ ما بعد الحملة الصليبية الأولى التي سميت بمعركة «حران»، حيث دارت أحداثها في إمارة أنطاكية بين السلاجقة المسلمين والصليبيين.
جاءت معركة «حران» كأكبر معركة كبرى ضد توسع «الفرنجة» المتمثلة في الدول الناشئة بعد الحملة الصليبية الأولى: فالنسيا، الرها، أنطاكية، الجليل.
حيث كان الهدف الرئيس من المعركة توسيع ذلك النفوذ مع ترسيخ الانقسام بين المسلمين في الشام والعراق.
فقد حاصر قادة «الفرنجة» مدينة حران حصاراً شديداً لم يكن من المتوقع أن تنجو المدينة منه ما لم يأتها مدد المسلمين من الخارج، إلا أن المسلمين في هذه الفترة كانوا قد اعتراهم الضعف وأنهكتهم الهزائم وشرذمتهم المحن والفتن، فما كان بين الحصار وسقوط حران سوى أن ينفذ صمود أهل المدينة.
هنا شعر قائدان مسلمان بالخطر الداهم والمصيبة الكبرى التي ستحل بالمسلمين إذا ما سقطت حران؛ ففي هذا استحكام لقبضة الصليبيين، وإضافة محطة جغرافية جديدة تحول دون الوصول لبيت المقدس، والبعد خطوات واسعة دون الوحدة وعودة القبضة الإسلامية.
كان هذان القائدان هما سُقمان بن أرتق حاكم مارين، وجَكَرمِش حاكم الموصل، وبالرغم من الخلافات الطاحنة التي كانت بين القائدين في هذه الفترة، فإنهما طرحا خلافاتهما جانباً لتحقيق الهدف الأسمى والغاية الكبرى؛ وهو عزة الدين والانتصار للإسلام واسترجاع الأراضي المفقودة من أيدي هؤلاء الصليبيين، لا سيما أن القائد سقمان كان الحاكم على بيت المقدس قبل أن 5 سنوات من حران في عام 1099م، فما تزال حرارتها تنبض في قلبه وتشعل في وجدانه حقداً مقدساً لاسترداد المقدسات والكرامة المهدورة.
شكلت هذه الوحدة دافعاً معنوياً كبيراً للمسلمين في شتى البقاع المهزومة، وعمد القائدان إلى الخروج بجيشيهما إلى مدينة حران حيث الحصار، ودارت رحى المعركة.
في البداية، تصنَّع الجيش المسلم الانسحاب حتى تبعه جيش الصليبيين، وفي لحظة حاسمة على ضفاف نهر البليخ انقض جيش الوحدة الإسلامي على جيش الغزاة الصليبيين؛ ليتحقق نصر عظيم للإسلام وأهله، وهزيمة ساحقة للجيش المعتدي كللت بأسر قائديه؛ بالدين، وجوسلين، بينما هرب بقية الجيش الأنطاكي وقائده من أمام السيوف المسلمة المنتصرة.
كان لهذه المعركة أثر كبير في إشعال عزة الانتصار في قلوب المسلمين؛ فثارت البلدان المجاورة على الحكم البيزنطي، وزُعزع عرش أنطاكية، واستعيدت اللاذقية وحلب ومناطق من قيليقية.
وفي هذا فائدة عظيمة؛ إذ الوحدة تجلب النصر مع ضعف الإمكانات المتاحة، والفرقة تجلب الهزيمة في أوج القدرة البشرية.