عبدالرحمن أحمد
انتقد الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» بحدة زيارة السفير الأمريكي لمرشح المعارضة «كمال قليجدار أوغلو»، وقال خلال افتتاحه بعض المشروعات في إسطنبول، مؤخراً: علينا أن نلقن الولايات المتحدة درساً، ودعا السفير، في كلمته، أن يلتزم مهامه؛ وهو ما أثار ضجة كبيرة في ظل حساسية التوقيت وتصريحات سابقة للرئيس الأمريكي «جو بايدن» عام 2020م أثناء ترشحه للانتخابات الأمريكية عبَّر فيها عن رغبته في إسقاط الرئيس التركي.
ليس من الصعب إدراك واستنتاج رغبة الغرب في الإطاحة بالرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» أو تمنيها تركيا بدونه في المرحلة القادمة، فـ«أردوغان» وحزبه لم يعودا النموذج الذي جاء قبل 20 عاماً في الشرق الأوسط، ومثَّل للغرب حينها البديل والحل المناسب لما يسمى مشكلة التطرف الإسلامي، عندما أنشؤوا حزباً إسلامياً في دولة علمانية، وكانوا قادرين على المواءمة بين انتمائهم والديمقراطية؛ إسلاميون يحكمون بصورة ديمقراطية، وهذا النموذج الذي يمكن ترويجه في العالم الإسلامي ويرضاه الغرب بصورة عامة في ذلك الوقت، وقد أبدى «أردوغان» حينها استعداده لمقاومة التطرف.
إلا أن الأمور تغيرت بعد عام 2010م، وساد خطاب في الإعلام الغربي يحمل لهجة مختلفة، يوجه فيه النقد للنموذج التركي الذي لم يعد مقبولاً كما كان، وعلى مدار السنوات اللاحقة، ساد نهج مختلف ونقد للسياسة الداخلية والخارجية لتركيا على المستوى الرسمي وغير الرسمي في الغرب، وكثيراً ما وُصف الرئيس التركي في الإعلام الغربي بالدكتاتور والسلطوي.
نجاح التجربة «الأردوغانية»
وتوالت الإصدارات من مراكز الفكر تنتقد حالة حرية الصحافة واستقلال القضاء في تركيا، وزاد الحديث عن تراجع الديمقراطية ومعاييرها والتوجه نحو الاستبداد، وكثيراً ما أعربت واشنطن وغيرها من العواصم الغربية عن «قلقها» بشأن حالة الحريات في البلاد.
وأصبحت كلمتا «الأزمة» و«عدم الثقة» هي المعبرة عن العلاقة ما بين تركيا والغرب في السنوات الأخيرة، وتعددت القضايا على مستوى السياسة الخارجية التي زاد فيها الخلاف كدعم الغرب للتنظيمات الكردية في سورية التي تعتبرها أنقرة مهددة لأمنها القومي، وكذلك قضايا اللاجئين والقضية القبرصية وزيادة التعاون الأمريكي مع اليونان الذي أثار قلق تركيا، وكان آخر تلك الخلافات رفض تركيا انضمام فنلندا والسويد لحلف «الناتو»؛ بسبب دعمهما لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، واستقبالهما للعديد من عناصر الحزبين القيادية في بلديهما، لكن هذا الموقف من قبل تركيا زاد من شعور عدم الثقة بينها وبقية دول الحلف.
كما أن تركيا بعد أن باتت قوة صاعدة في الإقليم أصبحت تمارس سياسة خارجية أكثر استقلالية عن «الناتو» من جهة، وعن حلفائها الغربيين التقليدين لا سميا واشنطن من جهة أخرى، محاولة انتهاج خط غير تقليدي يختلف عن السابق الذي اتسم بالتبعية.
لكن السؤال الآن: هل حجم هذه الخلافات كافية للتحرك والسعي للإطاحة بـ«أردوغان»، أو في التأثير على الانتخابات القادمة؟
يمكن القول: إن قضايا السياسة الداخلية التي يحتج عليها الغرب سواء في الإعلام أو على المستوى الرسمي كالحديث عن تراجع معايير الديمقراطية وحرية الصحافة واستقلال القضاء، إن سلمنا بصحتها، هي قضايا لا تمثل الجوهر في التعامل الغربي مع الأنظمة والدول، فكثيرة هي الأنظمة المستبدة التي يتحالف معها وتعاني شعوبها من الدكتاتورية والتسلط، وفي مقال بعنوان «لماذا يجب على الغرب صنع السلام مع أردوغان الآن؟»، يقول أحد الباحثين الغربيين: إن للغرب الديمقراطي تاريخاً طويلاً ومثيراً للجدل في الدخول في تحالفات مصالح مع دكتاتوريين وأقوياء في جميع أنحاء العالم؛ وهذا لأنهم مهمون في مواجهة التهديدات التي يتعرض لها النظام الدولي، فالمفتاح هنا هو الحفاظ على النظام الدولي واستقراره.
دولة راشدة ولكنها مستقلة
وتركيا في هذا الجانب تعتبر دولة راشدة، حسب المفهوم الغربي، فهي وإن انتهجت سياسة أكثر استقلالية وكذلك في خلافتها مع الدول الغربية لم تخرج فيها عن النظام العالمي، وكانت أحاديثها عن مجلس الأمن ومعارضاتها لطبيعة النظام الدولي تمارسها داخل النظام ولا تخرج فيها على قواعده، بل إنها لم تخرج كثيراً عن أدوارها مع الحلفاء، ومؤخراً وبعد معارضتها لانضمام فنلندا والسويد إلى حلف «الناتو» للأسباب آنفة الذكر، وافق البرلمان التركي، في 30 مارس الماضي، على انضمام فنلندا بعد أن وفَّت بالتزاماتها تجاه تركيا، بينما لم تستجب السويد بعد لطلباتها؛ وهو ما يعني أن موقف تركيا لم يكن ضد الحلف أو خروجاً عليه.
وفي الحرب الروسية الأوكرانية، ورغم أنها لم تنخرط في الاصطفاف الغربي وتنضم للعقوبات المفروضة على روسيا، فإنها أدانت الحرب، كما مارست أدواراً نالت استحسان الغربيين أنفسهم كصفقة الحبوب التي توسطت فيها بين الأطراف المتحاربة وكذلك صفقة تبادل الأسرى.
تدرك تركيا حاجتها الكبيرة إلى الغرب على المستوى الاقتصادي والأمني والعسكري، فهي من أكبر الشركاء التجاريين للاتحاد الأوروبي، وعضو في حلف «الناتو» الذي يعد وجودها فيه ذا بُعد إستراتيجي، وهو ما يوضح حجم الاعتماد التركي على الغرب، ويعني أن الغرب يملك الكثير من المفاتيح التي تقيد حركة النظام التركي أياً كان الحزب الحاكم.
ولذلك، ومن خلال هذه المعطيات، نرى أنه من الصعب أن تتدخل دول الغرب ومن ورائها الولايات المتحدة للتأثير على الانتخابات أو الإطاحة بـ«أردوغان»، ويمكن رؤية تصريحات الرئيس الأمريكي السابقة أنها كانت في إطار الصراع الانتخابي أو المزايدة و«البروباجندا» الانتخابية.
يضاف إلى ذلك، أن واشنطن لم تعد ترى هذه الإستراتيجيات ناجحة في التعامل مع الأنظمة، وعندما صرح الرئيس الأمريكي «بايدن»، في خطاب له، بأن نظيره الروسي «فلاديمير بوتين» لا يمكنه البقاء في السلطة، سارع البيت الأبيض بالتقليل من أهمية العبارة، مشدداً على أن الرئيس لم يكن يتحدث عن تغيير النظام في روسيا.
كما أن دول الغرب والولايات المتحدة على وجه التحديد تسعى لتغيير سياساتها القديمة في الشرق الأوسط، بعد عقد من الاضطرابات في ظل أولويات الصراع مع روسيا والصين، كما جاء في تقرير الأمن القومي الأمريكي أنها ستعمل على تقليل التوترات وتخفيف التصعيد، ومثل هذه التدخلات والسياسات قد تسبب اضطراباً وعدم استقرار.