د. أحمد عيسى
هناك محاولات لتشويه التحول للإسلام بمزاعم التطرف والإرهاب، ووقع التحول ضحية اللامبالاة العامة تجاه التدين في المجتمعات العَلمانية التي تعتبر الدين ظاهرة لما قبل الحداثة والتنوير، لقد أثّر هذا على الفهم العام للتحول إلى الإسلام في المجتمعات الغربية، مما تسبب في مشكلات وتحديات أمام المسلمين الجدد، وفي نفس الوقت لم يمنع ذلك الباحثين عن الحق من بلوغه، إنها رحلة مُرّة، ولكن ثمرتها حلوة، يقول أحد الجدد: «ينص القرآن على أننا يجب أن نسمي أنفسنا مسلمين، لكننا في رحلة لنصبح مؤمنين حقاً».
تقول «كاثرين هنتلي» (21 سنة)، من إنجلترا: «بدأت الرحلة حينما كنت أدرس الإسلام ضمن مادة «الدراسات الدينية» في الثانوي، وكأن شيئاً قد حدث داخلي، كنت أمضي وقت الغداء في المدرسة كل يوم للقراءة عن الإسلام في الكمبيوتر، شعرت بسلام في قلبي ولم يعد يهمني أي شيء آخر، وجدت نفسي، ولكن الشخص الذي وجدته داخلي لم يكن مثل أي شخص أعرفه!
كنت أخفي غطاء رأسي وكتب الإسلام في درج بعيداً عن والديّ، وحينما أخبرتهما انزعجا للغاية، ولكن شغفي بالإسلام زاد، وبدأت ألبس بحشمة وأصوم سراً في رمضان، كنت أعيش حياتين حتى إذا وصلت سن 17 عاماً لم أتحمل الانتظار وأسلمت، وبعد أسبوع جاءت أمي مسرعة إلى غرفتي: هل عندك شيئاً تخبرينني به؟ وأخرجت شهادة إسلامي من حافظتها، «أعتقد أنه كان بالنسبة لها أسهل أن تجد عندي مخدرات أو سجائر، فحينها يقال: إنه طيش شباب»، كنت أرى خوف أمي في عينيها، لم تكن تصدق، لماذا أتخلص من حريتي لقاء دين أجنبي؟! لماذا أريد أن أنضم إلى هؤلاء الإرهابيين؟
كان صعباً عليَّ أن أكون مسلمة في بيت والديّ، كانا لا يحبان صلواتي الخمس ويقولان عنها «وسوسة»، كنت أصلي أمام باب غرفتي ومع ذلك كانت أمي تتعمد دائماً المشي أمامي وتسألني: «كاثرين هل تريدين كوباً من الشاي؟»، كنت أسمع جدي يقول: «النساء المسلمات يمشين ثلاث خطوات خلف أزواجهن»، كان ذلك يغضبني لأنها عادات وليست ديناً، سأتزوج من مسلم يقول لي: «المرأة المسلمة هي لؤلؤة، وزوجها هو الصدفة التي تحميها»، سيكون حفل الزواج في مسجد، ولا أعتقد أنهم سيأتون، يؤثر فيَّ التفكير في أن زفافي لن يكون سعيداً مثل القصص الجميلة وأنا محاطة بأسرتي! ولكني آمل في أن حياتي الجديدة مع زوجي ستكون أكثر سعادة»(1).
هذه القصة الحقيقية تظهر بصدق ما يعانيه بعض المسلمين الجدد، خاصة داخل العائلة من الانزعاج والرفض، والاستهزاء بالدين الجديد، عن جهل أو علم أو بتأثير الإعلام، وكذلك إخفاء العبادات أو التشويش عليها من قبل الأسرة، وتظهر كذلك القطيعة التي تحدث أحياناً، من الأسرة حين لا تشارك أولادها في المناسبات السعيدة.
وخارج الأسرة، هناك عوائق تمنع الاهتمام بمن أسلم حتى يثبت، والإنجليزي «مايكل يونج» أحد الداخلين إلى الإسلام، يشير إلى التقصير من جانبنا نحن مسلمي أوروبا، يقول: إنه منذ أن أسلم وهو لا يعرف إلا اثنين في مدينته؛ جاره وزميل عمله، ويتعجب لعدم وجود نظام مدروس وطريقة مستمرة للاهتمام به علمياً واجتماعياً بعد إسلامه، ويذكِّر بضرورة اهتمام رواد المساجد بالمسلمين الجدد، وتبنيهم ودعوتهم لبيوتهم، ويحذر بشدة من استخدام الإنترنت كمرجع للمعرفة، ففي الإنترنت عن الإسلام ما هو جيد، وما هو سيئ، وما هو خطير، ويأخذ على خطباء الجمعة، خاصة في الجامعات البريطانية تركيزهم على القضايا السياسية على حساب التربية والتزكية، فمن ليس لديه العلم يكون لقمة سائغة لبعض المتطرفين(2).
يرى باحثون أن الغرض من الفتح الإسلامي في الماضي لم يكن لفرض عقيدة جديدة على الناس، ولكن لإنشاء سياق مؤسسي يمكن للإسلام أن يزدهر فيه، وبمجرد إنشاء «أجواء إسلامية»، تتحول الجماهير بشكل طبيعي وتدريجي، ولكن الأمر اختلف في العالم المعاصر، فلم يعد النهج المؤسسي الخارجي للدعوة قابلاً للتطبيق، فتجتمع التعددية، ووجود دولة عَلمانية، ووضع الأقلية المسلمة، لتجعل من غير المحتمل أن يكون نشر الإسلام هي من خلال الهيمنة، والبديل هو النهج «القلبي الشخصي»، بحيث يكون التحول الفردي يسبق التغيير المؤسسي(3).
ومن أهم التحدّيات التي تواجه الدعوة الإسلامية في أوروبا هي التشكيك في سعي المسلمين للتعايش السلمي، وهو التعايش الذي تزدهر معه دعوة غير المسلمين، فالحملة المسعورة التي يقودها الإعلام وبعض الأحزاب والشخصيات المتطرفة والعنصرية في أوروبا تحاول تحطيم مصداقية المسلمين، والتقليل من قيمتهم المعنوية، باتباع أساليب الاستهزاء، والاتهام، وما أمر الرسوم الساخرة التي تتعلّق بمقام النبي صلى الله عليه وسلم، وحرق المصحف الشريف، منا ببعيد.
الصعوبات التي يواجهها المهتدون، في بريطانيا، جاءت كالتالي بالترتيب التنازلي(4):
1- تعلم اللغة العربية.
2- رد فعل الأسرة والأصدقاء.
3- القبول داخل المجتمع المسلم المحلي.
4- تحديد شبكة الدعم للمسلمين الجدد.
5- الموقف من الجنس الآخر، والاختلاط.
6- الحصول على العلم الصحيح عن الإسلام.
7- فهم القرآن.
8- تكوين صداقات مع المسلمين.
9- المال والبنوك.
10- تعلم العبادات.
11- التحية الإسلامية والآداب.
12- المتطلبات الغذائية الإسلامية.
يتضح أن تعلم اللغة العربية من قِبل المسلمين الجدد من أولويات اهتمامهم، لأنها مفتاح العلم بالعبادات، وفهم القرآن الكريم، وذلك يلقي مسؤولية كبيرة على عاتق المؤسسات الإسلامية، ثم يأتي بعد ذلك رد فعل الأسرة والأصدقاء، ثم القبول داخل المجتمع المسلم المحلي، وهناك خطر العزلة إذا لم تتوفر شبكات الدعم الاجتماعية.
في هذا السياق، كشفت أطروحة للدكتوراة بعنوان «التحول إلى الإسلام والعلاقات الأسرية في بريطانيا المعاصرة»، قُدمت لجامعة كامبريدج، عام 2020م، عن وجود مشكلات لبعضهم، في ظل المجتمع الليبرالي، فمن خلال مقابلات للمسلمين الجدد، ودرست الأطروحة أحوالهم في الأسرة والمجتمع، يلخص أحدهم معني التحول إلى الإسلام في بريطانيا القرن الحادي والعشرين في أنه يبقى ممزقاً بين عالمين؛ بين المسلمين المتدينين الذين يفهمون نظام معتقداته، ولكن يصعب الارتباط بهم من حيث أسلوب الحياة، وغير المسلمين «الليبراليين»، الذين قد يتفقون معه في نمط الحياة، ولكنه لا يشاركهم معتقداتهم(5).
كحلول لهذه التحديات؛ فإن من ولدوا مسلمين يجب ألا ينتظروا من إخوانهم الجدد أن يمارسوا نفس التقاليد الإقليمية أو الإثنية، يترسخ التحول إلى الإسلام بعد نطق الشهادتين، بالاصطفاف والتناسق الكامل للقلب والروح والعقل، ولكن الثقافة التراثية قد تحول اهتمام المهتدين من الاعتقاد إلى نمط الحياة، مما يجعل التجربة صعبة على الرغم من الفرح والرضا الروحي التي تجلبه، وعلى المساجد والمؤسسات أن تكون منفتحة وداعمة خلال برامج مدروسة، كي يتمكن الجدد من الاندماج مع بقية المسلمين ويتعلمون وتطمئن نفوسهم، ويجب أن تُسمع آراء ومخاوف المسلمين الجدد، وأن تتغير طبيعة من ينظر إليهم أنهم أقل درجة من المسلمين الأصليين، حتى يشاركوا بنشاط في إحداث الإصلاح، ويصبحوا قنطرة دعوة بين الإسلام وغير المسلمين.
ولا بد من مدافعة المفاهيم المغلوطة نحو المسلمين الجدد خاصة، ففي مسح لمحتوى الصحف البريطانية من عام 2001 إلى عام 2010م، ربط 62% من مقالات الصحف التحول إلى الإسلام بالإرهاب، وربطت 14% التحول بالأصولية.
والعجيب أنه رغم هذا الجو المشحون، يدخل الناس في دين الله أفواجاً، بهداية ربانية أشبه بالمعجزة؛ بدراسة القرآن الكريم أو السيرة أو مقارنة الأديان، بل بلفتة صغيرة مؤثرة، أو موقف وخُلق قصير مثمر، أو نقاش من القلب لا يظهر نفعه إلا بعد حين، أو حب صادق يدفع للقاء القلبين على العقيدة الواحدة، يهتدي لدين الحق في بريطانيا من كل الطوائف والأجناس والطبقات.
يختار الله تعالى الناس ويغيّر قلوبهم، وترى أشخاصاً لم تكن لتتوقع منهم أبداً اعتناق الإسلام!
____________________________________________________________________________
(1) Harris, Young British Female Muslim: Thousands of young British women living in the UK decide to convert to Islam, The Times, 29 May 2010.
(2) Young, Frustrations of a Muslim Convert, The American Muslim, 4 April 2006.
(3) Greil & Poston, “Islamic Da’wah in the West: Muslim Missionary Activity and the Dynamics of Conversion to Islam,” Review of Religious Research. 35, 2, (1993): 185.
(4) Brice, A minority within a minority, report on converts to Islam in the United Kingdom, London: Faith Matters, 2010: 22.
(5) Ramahi, “Conversion to Islam and family relations in contemporary Britain”, (PhD thesis, University of Cambridge, 2020).