عديدة هي النماذج التي تابعها رواد شبكات التواصل الاجتماعي على مدى السنوات العشر الماضية، لأشخاص تحولوا من الهداية إلى الضلال، بل أحياناً من الإيمان إلى الكفر والإلحاد؛ ما سلط الضوء على التأثير الخطير لهذه الشبكات على عقائد ومفاهيم المسلمين، خاصة الشباب منهم، وكيفية تحويل أزمة تهدد إيمان كثير منهم إلى فرصة لنشر الإيمان والعمل الصالح.
ويعد تأثير شبكات التواصل على الجانب العقائدي ظاهرة عالمية، ولذا اهتمت بها دراسات الجامعات الغربية، وفندت أسبابها ودوافعها، وكيفية مواجهة تأثيراتها والتحكم فيها.
وفي هذا الإطار، نشرت الأستاذة المساعدة في قسم علم النفس بجامعة كومبلوتنسي دي مدريد الإسبانية، ماريا لويزا مورينو، دراسة عام 2019، في مجلة «Computers in Human Behavior»، وهي مجلة علمية تهتم بدراسة استخدام الحواسيب من منظور نفسي.
كيفية التحول
وأوردت الدراسة أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر على عقائد ومفاهيم البشر من خلال 3 آليات رئيسة، هي:
– التأثير الإقناعي: وهو قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على تغيير اتجاهات ومواقف الناس نحو قضية معينة، بناءً على المحتوى الذي يتلقونه من مصادر مختلفة، مثل الأصدقاء، أو الخبراء، أو الإعلام.
– التأثير التطوري: وهو قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على تشكيل عقائد ومفاهيم البشر من خلال تعزيز التعلم الاجتماعي، أي تقليد سلوكيات وآراء الآخرين دون تحليلها بشكل نقدي.
– التأثير التحولي: وهو قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على إحداث تغيير جذري في عقائد ومفاهيم البشر من خلال إنشاء «هوية جديدة» أو مختلفة للفرد أو المجموعة، تستند إلى قيم وأهداف مشتركة.
واستنتجت الدراسة أن وسائل التواصل الاجتماعي لها دور كبير في التأثير على عقائد ومفاهيم البشر، سواء بشكل إيجابي أو سلبي، حسب نوع المحتوى وطريقة استخدامه.
ووفقاً لدراسة أخرى، نشرتها مجلة «Heliyon» عام 2021، فإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يؤثر سلباً على الهوية الاجتماعية، خاصة للمراهقين، ويؤثر على شعورهم بالانتماء إلى مجموعات اجتماعية محددة.
وتشير الدراسة إلى أن المراهقين قد يتأثرون بالضغوطات والانطباعات التي تفرضها مواقع التواصل الاجتماعي على شكلهم وسلوكهم وآرائهم؛ ما يؤدي إلى خلق صورة ذاتية مشوهة أو غير حقيقية.
ولذا، يجب على المستخدمين لهذه الوسائل أن يكونوا حذرين و«نقديين» في التعامل مع المعلومات التي يتلقونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وألا يسمحوا لهذه الوسائل بأن تحدد هويتهم أو قناعاتهم دون تفكير.
وتقترح الدراسة تزويد المراهقين بالدعم والتوجيه النفسي والاجتماعي، ما يتطلب تعزيز الثقة بالنفس والقدرات لديهم، وتشجيعهم على التعبير عن ذواتهم بشكل صادق ومسؤول، وتوعيتهم بالمخاطر التي قد تواجههم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم الدعم اللازم للمراهقين الذين يعانون من مشكلات نفسية أو اجتماعية بسبب استخدامهم لهذه المنصات.
كما تقترح الدراسة الحد من زمن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلى نصف ساعة في اليوم، وتجنب استخدامها قبل النوم مباشرة، والتركيز على المحتوى الإيجابي والمفيد.
آثار التحول
وعن كيفية حدوث التأثير السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي على عقائد ومفاهيم البشر، وكيفية تفاديه، أوردت دراسة نشرتها مجلة «Frontiers in Political Science» عام 2021، أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يزيد من احتمالية تبني نظريات المؤامرة، وهو ما يرجع إلى قلة التفكير النقدي والتأثر بالمحتوى المضلل أو المزيف.
وإزاء ذلك، تقترح الدراسة تطوير مهارات التفكير النقدي والتحقق من المصادر، سواء على مستوى التربية في المنازل، أو على مستوى المدارس والجامعة، بما يمكن أن يخفف من التأثير السلبي لشبكات التواصل.
لكن ماذا عن تأثير تلك الوسائل على المجتمعات العربية تحديداً؟
وفقاً لتقرير نشرته مؤسسة «TRENDS Research and Advisory» عام 2020، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر على المجتمعات العربية من خلال 3 مستويات:
1- المستوى الفردي: وهو المستوى الذي يتعلق بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على سلوكيات واتجاهات وقناعات الأفراد.
وهنا تظهر آثار إيجابية مثل تسهيل التواصل مع الآخرين، وزيادة الوعي بالقضايا المجتمعية، وتحسين الإنتاجية العلمية، وآثار أخرى سلبية مثل التضليل الإعلامي، وانخفاض مستوى التفكير النقدي، وزيادة خطر التطرف، بحسب الدراسة.
2- المستوى المجتمعي: وهو المستوى الذي يتعلق بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على علاقات المجموعات والطبقات والفئات داخل المجتمع.
وهنا تظهر آثار إيجابية مثل تحسين التفاعل الحكومي مع المواطنين، وزيادة المشاركة المدنية، ودعم حركات التغيير السلمي، وآثار سلبية مثل تفكك الروابط الأسرية والاجتماعية، وزيادة التحامل والانقسامات، وانحدار جودة المحتوى الثقافي، بحسب الدراسة.
3- المستوى الإقليمي: وهو المستوى الذي يتعلق بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على علاقات الدول العربية ببعضها وبالدول الأخرى.
وهنا تظهر آثار إيجابية مثل تحقيق التكامل والتضامن بين الشعوب العربية، وزيادة قدرة المنطقة على التأثير في قضاياها، وآثار سلبية مثل تدخل بعض الدول في شؤون بعضها، وزيادة خطر التدخلات الخارجية، وانحدار دور المنطقة في المشهد الدولي، بحسب الدراسة.
واستنتج التقرير أن وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي تؤدي دوراً مهماً ومؤثراً في مختلف المستويات، وتحمل في طياتها فرصاً وتحديات كبيرة، وأنه يجب على الدول العربية أن تتبنى إستراتيجيات وسياسات تستغل هذه الفرص وتواجه هذه التحديات، وأن تعزز دورها في إنتاج وتوزيع المحتوى الإعلامي الرقمي بما يخدم مصالحها وقضاياها.
إستراتيجيات للتعامل
ويقترح تقرير المؤسسة بعض الإستراتيجيات والسياسات للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي، وهي:
– تطوير القدرات الإعلامية للدول العربية: ما يتطلب تحديث المنظومة الإعلامية الرسمية والخاصة، وتنويع مصادر التمويل، وتحسين جودة المحتوى، وتعزيز المهارات الفنية والمهنية للعاملين في الإعلام، وتشجيع التعاون بين المؤسسات الإعلامية العربية.
– تفعيل دور المجتمع المدني: ما يتطلب تشجيع المبادرات والمشاريع التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لخدمة قضايا المجتمع، ودعم المنظمات غير الحكومية والأكاديمية والبحثية التي تسهم في رفع مستوى الوعي والثقافة بين المستخدمين، وتحقيق التوازن بين حرية التعبير والمسؤولية الإعلامية.
– تقوية آليات الرقابة والضبط: ما يتطلب تطبيق قوانين وأنظمة تحمي حقوق المستخدمين والمجتمعات من التجاوزات والانتهاكات التي قد تحدث على وسائل التواصل الاجتماعي، وتكثيف الجهود لمكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب على هذه المنصات، وتشكيل هيئات مستقلة لمراقبة وتقييم أداء المحتوى الإعلامي الرقمي.