يفرض الإدمان نفسه على أجندة المجتمعات العربية مع تزايد ضحاياه، وتنامي خطره، وتفاقم تأثيراته السلبية على المجتمع أمنياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً، بشكل يكبد الجميع خسائر فادحة حال عدم التصدي له.
ووفق دراسات، فإن الشباب الذين يعانون من الإدمان على المخدرات يواجهون العديد من المشكلات الصحية والاجتماعية المزمنة، كالاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية الأخرى، بالإضافة إلى الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي والكبد والجهاز العصبي، وزيادة خطر الانتحار والتحرش والاعتداء الجنسي.
منع تداول العقاقير المخدرة وتفعيل الرقابة على الصيدليات
ويؤدي الإدمان كذلك إلى تدهور الأداء الدراسي والأكاديمي للطلاب، وزيادة معدلات السرقة والعنف، ويمكن أن يؤثر أيضاً على العلاقات الأسرية مع تسببه في زيادة خطر الانفصال والطلاق والتفكك الأسري.
أرقام مقلقة
ووفقًا لأطلس منظمة الصحة العالمية الخاص بالمخدرات، يشير التقرير إلى أن نسبة الأشخاص الذين يستخدمون مخدرات غير مشروعة في الفئة العمرية بين 15 و64 سنة يتراوح بين 3.5% و5.7% على مستوى العالم.
ويُقدَّر التقرير أن ما بين 10% و15% من هؤلاء الأشخاص يعانون من الإدمان أو نمط استخدام ضار.
ويعتبر تعاطي المخدرات مسؤولاً عن فقدان 4 سنوات من العمر المتوسط بحساب العجز، وحدوث 9 حالات وفاة لكل 1000 شخص، وفقاً للتقرير.
ويفيد التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة في العام 2018، بأن نحو 275 مليون شخص تعاطى المخدرات مرة على الأقل في جميع أنحاء العالم خلال عام 2016.
تفعيل دور رجال الدين والإعلام في مواجهة الجريمة
ووفق التقرير، فإن 450 ألف شخص لقوا حتفهم نتيجة تعاطيها، وأن 31 مليون شخص يحتاجون إلى العلاج.
خطة وقائية
قبل شهور، أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي في مصر أول خطة عربية للوقاية والحد من أخطار المخدرات على المجتمع العربي، بالتعاون مع جامعة الدول العربية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
وتعد الخطة العربية، أول وثيقة معنية للحد من أخطار المخدرات على المستوى العربي، وتشكل إطاراً إرشادياً لمساندة الدول لإعداد سياسات خفض الطلب على المخدرات، والمساعدة في ترسيخ المنظور الحقوقي للوقاية، وخدمات العلاج والرعاية والتأهيل والدمج المجتمعي لمرضى الإدمان.
تحرك سريع
«المجتمع» طرحت القضية على طاولة النقاش مع أستاذة علم الاجتماع، د. سامية خضر، التي دقت ناقوس الخطر، مطالبة الدولة بالتحرك سريعاً لمواجهة الإدمان، ووقف خطر انتشار المخدرات.
ووضعت خضر عدة نقاط للمواجهة، منها أن يكون لوسائل الإعلام دور أكبر في القضاء على آفة الإدمان داخل المجتمع العربي، وتوفير متخصصين لنشر الوعي في المجتمع إزاء خطورة القضية، مع توعية الشباب بأضرار الإدمان وعواقبه على الصحة والحياة الاجتماعية والمهنية.
مطالب بتغليط العقوبة على متعاطي المواد المخدرة
وتابعت: يجب أيضاً أن يكون هناك دور لرجال الدين، وأن يكون هناك ندوات في المدارس، وأن تكون هناك منظومة متكاملة للقضاء على الإدمان، بالإضافة إلى توفير بيئة صحية ومحفزة للنمو الصحي، بما في ذلك توفير الدعم الاجتماعي والنفسي، وتشجيع الأنشطة الإيجابية والصحية وتقليل التعرض للمواد الإدمانية.
بيئة صحية
أما د. وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، فيقول: إن الإدمان يمكن أن يؤثر على العلاقات الأسرية وزيادة خطر الانفصال والطلاق، بالإضافة إلى أنه يكلف المجتمع تكاليف ضخمة، وقد يرتكب المدمن جرائم خطيرة تضر بنفسه وبالآخرين.
ولحماية الشباب من الإدمان، يوضح هندي أنه يجب توفير بيئة صحية ومحفزة للنمو الصحي، وتوفير العلاج والرعاية اللازمة للأشخاص الذين يعانون من الإدمان، وتشجيع الوعي بأن العلاج والتعافي ممكنان، مشدداً على ضرورة توعية الشباب بأضرار الإدمان وعواقبه على الصحة والحياة الاجتماعية والمهنية.
ويرى هندي ضرورة نشر حملات التوعية والتثقيف في المدارس والجامعات والمؤسسات الترفيهية، مشيراً إلى أنه تم إطلاق دوري رياضي للمتعافين من الإدمان لأول مرة في تاريخ الدول العربية وذلك بصورة سنوية.
تغليظ العقوبة
ومن مرتكزات خطة المواجهة كذلك، وفق هندي، تغليط العقوبة على رافضي الإقلاع عن الإدمان، ومنع تداول العقاقير المخدرة دون استشارة طبية، وتفعيل الرقابة على الصيدليات، مع التوسع في إنشاء المراكز الطبية المجانية لعلاج الإدمان والفحص الدوري على طلاب المدارس والجامعات.
وتتضمن روشتة الإنقاذ أيضاً استغلال «السوشيال ميديا» لتعقب هذا الخطر، وكشف عصاباته، والتصدي لتلك الجريمة قانونياً وإعلامياً ودينياً، مع تقديم أنشطة جاذبة للشباب، وشغل أوقات الفراغ، واستثمار الإجازة الصيفية في أعمال نافعة، ودعم المجتمع المدني والأهلي في مواجهة ذلك، وإطلاق الدعاة للتحذير من عواقب الإدمان، مع تقديم أعمال فنية تجسد أخطاره.