مواجهة غير متكافئة بالمرة بين الزوج ووسائل التواصل، وبين الزوجة ومواقع الفيديو، بل ربما تكون معركة خاسرة لكلا الطرفين، مع تنامي هذا الغزو، واشتداد ضراوته، وتحطم حصون الأسرة المسلمة جراء ذلك.
باتت الزوجة –إلا من رحم ربي- ترافق «واتساب»، وتقضي معه أكثر مما تقضيه مع زوجها وأولادها، بل بات «فيسبوك» أنيساً وصديقاً وربما «عشيقاً» لها! وصار «سناب شات» مأوى لها، و«تويتر» قِبلة لها.
على المنوال ذاته، وقع الزوج أسيراً لمقاطع «ريلز» و«تيك توك»، وصارت تطبيقات الدردشة سلواه ومبتغاه، يصحو على إشعارات الجوال، وينام عقب تصفح رسائل برامج المراسلة، مشغولاً بـ«لايك» و«شير» وأخواتهما.
ليس من قبيل المبالغة القول: إن الحياة الزوجية باتت في مرمى نيران مواقع التواصل، وربما أسيرة لها، تشكو الإهمال والضرر، بعد أن استفحل الداء، وكثر المرضى، جراء هذا الفيروس الذي حطم المودة والرحمة، ونال من السكن والميثاق الغليظ.
صرنا نسمع عن الخرس الزوجي، وكلا الطرفين لا تغفل عيناه عن تطبيقات الدردشة وبرامج الشات والمحادثة، وقد يكون شريكه في أمسّ الحاجة إلى كلمة، إلى حوار، إلى رسالة، إلى دردشة معه.
وهناك من استعاض أو استعاضت عن رفيق العمر، بوسيلة من وسائل التواصل، أو موقع من مواقع الفيديو، فصار هو أنيسه وسكنه في عالم افتراضي، يملؤه الزيف والكذب والخداع، ليهوي به إلى واد سحيق.
ومن الرجال من فتنته مقاطع العري والشهوة على «يوتيوب» و«تيك توك» وغيرهما، فصار ينظر إلى زوجته بامتعاض، وربما نفور، وهو يقارن بينها وبين أجساد الجميلات من ذوي اللحم الحرام، الذي يزين له الزنى والفواحش والموبقات.
ومن المحزن أن تتجرأ المرأة المسلمة، فنجد من تنزع عنها لباس الحياء والعفاف، فتنشر صورها الخاصة على مواقع التواصل، في أوضاع مخلة، وبملابس خادشة للحياء، وهي تتمايل، وتتمايع، وتتراقص، بحثاً عن «الترند»، أو جلب لشهرة أو مال.
هذه تبث مقطعاً وهي ترقص، وتلك تتمايل وهي تؤدي واجبات المنزل، وثالثة تحكي عن علاقتها الخاصة بزوجها، ورابعة تظهر بملابس فاتنة، وخامسة تفضح أسرار زوجها، وسادسة تطلب العشق الحرام، لتسقط المرأة في فتنة لا يعلم مداها إلا الله سبحانه.
وهناك من تقارن بين حياتها، وأخريات تعارفت عليهن عبر الشبكة العنكبوتية، فتقنط على معيشتها، وتبغض زوجها، أو تثقل من أعبائه، فتطلب كذا وكذا، وهو يعمل ليل نهار ليدبر معيشته، ويوفر نفقات بيته؛ فيكثر الخلاف، ويزداد الشقاق، وتخرب البيوت.
ومن الرجال من يُفتن بصورة كستها مساحيق التجميل وألاعيب «فوتوشوب»، وينخدع برقة الكلام، وعذوبة اللسان، وميوعة الجسد، فيزهد في زوجته، وينفر من الحلال، وقد يتورط في علاقة آثمة بحثاً عن إرضاء نزواته، وإشباع شهواته.
حدثتني إحداهن شاكية زوجها، قائلة: إنه لا يوجه لها عبارات الغزل والحب عبر صفحته الشخصية على «فيسبوك» كما يفعل أقرانه، قلت لها: أليس يحبك، ويروي ظمأك بكلمات العشق بين جدران بيتكما؟ قالت: بلى، لكني أريد أن يفعل مثل فلان، وأن يغازلني كما تُغازَل فلانة، فأتباهى بذلك أمام صديقاتي!
نعم، لقد صارت مشاعر الزوجين، وما بينهما من سكن ومودة، ورحمة وإعفاف، بضاعة تعرض في أسواق «فيسبوك»، و«تويتر»، و«إنستجرام»، بضاعة رخيصة تباع بثمن بخس، ومعها يُكشف ستر البيوت، وتنتهك حرماتها.
إن الأمر جلل خطير، خاصة أن مواقع التواصل باتت نداً لكل من الزوجين، بل شريكاً في حياتهما الزوجية، ينغص عليهما، ويتجسس على أسرارهما، وينتهك حرماتهما، وقد يؤدي بهما إلى الانفصال والطلاق.
اختلت الأولويات، وتناسينا حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (متفق عليه).
إن من المصارحة وصدق المعاتبة وأمانة النصح، القول: إن الهاتف صار بتطبيقاته وبرامجه أولوية لدى كثير من معشر النساء، قد يُنسيها حق زوجها وولدها، وقد يكون دافعاً وراء تقصيرها في بيتها، وقد يكون مسلكاً لها إلى اتباع الهوى، والسقوط في بئر الحرام.
ومن المصارحة كذلك، القول: إن رجالاً غمروا من تعرفوا عليهن عبر الإنترنت بالحب والحنان، والمال والهدايا، وهو الشخص ذاته الذي حرم زوجته وولده من ذلك، وربما قسا على الصغير، وجفا على من ترفق بهن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «رفقاً بالقوارير».
صارحوا أنفسكم؛ رجالاً ونساء: زوجك أم هاتفك، صفحتك على «فيسبوك» أم قلبك مع الآخرين، تفاعلك مع الأصدقاء والمتابعين، أم تواصلك مع أهلك وبنيك، مواقع التواصل، أم أسرة السكن، وروضة المودة والرحمة؟!