تعيش أمتنا العربية والإسلامية أزمة غياب الهوية التي تظهر جلية من خلال سلوكيات ومظاهر المسلمين في عالمنا العربي والإسلامي، فمن المؤكد أن هناك سمات وخصائص وسلوكيات مميزة لأي أمة في المطلق؛ وهو ما يعبر عن هويتها وثقافتها.
والأمة الإسلامية على وجه الخصوص تعد من الأمم العظيمة التي حكمت العالم، وأثرت فيه ما يزيد على خمسة قرون، وأصبح لها هوية مميزة تعبر عن حضارتها وثقافتها الإسلامية والمستوحاة بالأساس من القرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة.
وهذا ما يجعل مظهر المسلم وسلوكه هو المعبر الأساسي عن جوهره وعقيدته، ولكن ماذا لو غابت تلك الهوية وانسلخ المسلم من قيمه وثوابته ليرتدي ثوباً لا يليق به؛ ويصبح مسخاً فاقداً للهوية الإسلامية المعبرة عنه؟!
أول ما يلفت نظرك لشخص ما هو مظهره الخارجي الذي يعبر بشكل كبير عن دينه وبيئته، وبالتالي فمن الضروري أن يعبر لباس المسلم ومظهره عن هويته الإسلامية، ولكن آفة العصر الحالي هو غياب الهوية عن مظهر المسلمين خاصة مع هوس الموضة الذي استهوى الكثيرين.
يقول الداعية الإسلامي محمد إسماعيل المقدم: يمكنك أن ترى أزمة الهوية الإسلامية في الشباب الذي يعلق علم أمريكا في عنقه وفي سيارته، وفي الشباب الذي يتهافت على تقليد الغربيين في مظهرهم ومخبرهم.
ومن هنا أصبحنا نرى مسلمين لا يحملون الإسلام سوى في بطاقات الهوية، أما مظهرهم وسلوكياتهم فيغيب عنهم كل ثوابت الإسلام وقيمه.
ثياب الفرنجة!
يقول تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً) (الأعراف: 26)، من ضوابط لباس المسلمين أن يواري السوأة، ويكون مهندماً نظيفاً يعبر عن هوية صاحبه، لكننا ابتلينا في عصرنا هذا بالملابس المفتوحة والمرقعة والمهلهلة التي انساق خلفها المسلمون وخاصة الشباب دون تفكير، وأصبحنا نرى المسلمين في ثياب الفرنجة التي لا تعبر عن دينهم الإسلامي ولا ثوابتهم العربية، وهذا ما ينذر بأزمة حقيقة تستهدف الهوية الإسلامية وتسلخ المسلم ظاهرياً من ثوابت دينه بعد أن فرغته داخلياً منها.
شعارات جنسية
من الأمور المفزعة انتشار ملابس تحمل رموزاً وعبارات تخالف الشريعة الإسلامية بين الشباب المسلم دون أن يدركوا خطرها.
منها ما يدعو للشذوذ، مثل: «GAP» وترمز للعبارة «gay and proud»؛ بمعنى «شاذ وافتخر».
وكذلك البعض من الرموز التي تعبر عن عبدة الشيطان، مثل: الجماجم والعظام على الملابس السوداء.
وهناك رموز ماسونية كحرف «G»، والنجمة الخماسية والسداسية، وكذلك صورة «الإله بافوميت»! تعالى الله.
فكيف غزت تلك الصور الهدامة بلاد المسلمين وصاروا يتحركون بها على ملابسهم؟!
الوشم والشعر
لعن رسول الله ﷺ الواشمة والمستوشمة، وعلى الرغم من ذلك نرى أن الوشم انتشر مؤخراً في بلاد المسلمين، رغم أنه من الأمور المحرمة شرعاً.
لكن الأكثر خطراً هو رسم الوشوم التي تعبر عن عبدة الشيطان، مثل: رأس الكبش والنجمة الخماسية والسيوف وغيرهم على الأجساد.
كما انتشرت قصات غريبة للشعر تعبر بشكل مباشر عن فقدان الهوية الإسلامية، ومنها حلق بعض الرأس دون البعض الآخر، أو ما يعرف بالقزع، وقد نهى رسول الله ﷺ عنه في قوله: «احلقوه كله، أو اتركوه كله».
أو توقيف الشعر إلى أعلى ما يشبه شوك القنفذ أو إسداله على الجبين أو رسم بعض الرسومات على الرأس، وغيرهم من الأشكال التي تجعل المسلم فاقداً للهوية في شكله.
كما انتشرت مؤخراً موضة الألوان المتعددة (قوس قزح) في لباس الأطفال والنساء والرجال وحقائب اليد ولعب الأطفال وغيرهم التي تعبر عن علم الشواذ!
وهناك موضة جديدة غزت بلادنا الإسلامية تعرف بـ«البيرسنج»؛ وهي ثقب الآذان وتوسيعها، وثقب الأنوف أو اللسان ووضع حلقات للزينة فيها.
كل تلك العلامات وغيرها الكثير التي تتعلق بمظهر المسلمين في بلاد الإسلام تدق ناقوس الخطر الذي يهدد الهوية الإسلامية خاصة مع النشء القادم.
الأسرة والهوية
تعد الأسرة السياج الواقي لأبناء المسلمين من الانحراف، وذلك بتفعيل دورها التربوي والرقابي على الأبناء والعمل على غرس القيم الدينية والأخلاقية داخلهم، والانتباه لمظهر من يصادق أولادهم، فالمظهر لا ينفصل بحال من الأحوال عن الجوهر، وعدم التهاون في ذلك فقبل أن ينفصل مظهر المسلم عن الهوية الإسلامية لا بد وأن يسبقه انفصال الجوهر عنها، لذا وجب الحذر.
وعندما يتعلق الأمر بهوية الأمة المسلمة هنا لا يمكننا أن نغفل دور المجتمع الرقابي في الإرشاد والتوجيه لحماية أبنائه من النماذج الشاذة التي تبث سمومها الخبيثة بين أفراده، فعندما يردع المجتمع النماذج الفاسدة التي تظهر بين أبنائه سواء بالنصح والتوجيه أو بالنبذ والمنع هنا يتقلص دورهم في التأثير على باقي أفراد المجتمع، وتدريجياً يتراجعون عن مظهرهم المخالف ذلك؛ لأن المجتمع نبذهم ولم يجعلهم نموذجاً يحتذى.
والمؤكد أن إيجاد النماذج الملهمة والناجحة التي تحافظ على هويتها الإسلامية يوفر القدوة الحسنة لأبناء المسلمين ليحذو حذوهم، كما أن قيام الدعاة والمعلمين ورجال الثقافة والفكر بدورهم الدعوي والإرشادي والتربوي يساهم بشكل كبير في الحد من تلك المظاهر الشاذة، فالأمة بلا هوية كالجسد بلا روح.