يسلط الكاتب الراحل محمد قطب، في كتابه «العلمانيون والإسلام»، الضوء على موقف العلمانيين تجاه الإسلام، ومحاولات تنحيته عن كل مفردات الحياة، والفصل بين الشريعة والواقع المعيش، ومدى صلاحية النموذج العلماني للتطبيق في المجتمعات العربية والمسلمة.
ويتناول الكتاب، الصادر عام 1414هـ/ 1994م، تفاصيل الحالة الدينية في أوروبا، لافتاً إلى أن التجربة الأوروبية مع الدين كانت تجربة صعبة، قدمت لشعوب القارة العجوز صورة من الجهل والظلام والاستبداد.
ويؤكد قطب أن الدين الذي اعتنقته أوروبا لم يكن دين الله المنزل على عيسى عليه السلام، مشيراً إلى مدى التحريف الذي طال مجال العقيدة، والطغيان الهائل الذي مارسته الكنيسة، وكذا رجال الدين على قلوب الناس، حتى تحول الدين هناك إلى عامل معوق عن الحياة، مضاد للعلم والحضارة والتقدم، فيما عرف بـ«القرون الوسطى المظلمة».
ويضيف في الفصل الثاني من الكتاب، الذي يصل عدد صفحاته إلى 103 صفحات، أنه إذا كانت تجربة أوروبا مع دينها هي تلك التجربة البائسة التي انتهت بها إلى العلمانية؛ فإن دين الله ليس كذلك، ولم يكن كذلك حين أنزل من عند الله.
ويشدد قطب على أن كل رسالة جاءت من عند الله كانت عقيدة، وشعيرة، وشريعة، ومنهج حياة.
فأما العقيدة فلم تتغير على مدى الرسالات كلها، وليس من شأنها أن تتغير، وأما الشعائر من صلاة وصيام وزكاة فلم تتغير في عمومها، وإن اختلفت تفصيلاتها وهيئاتها من رسالة إلى أخرى.
وأما الشرائع فقد اختلفت اختلافاً واسعاً بحسب أحوال الأقوام الذين أُرسل إليهم الرسل واحتياجاتهم حتى جاءت الشريعة المكتملة مع الرسالة الأخيرة، التي نزلت للبشرية كافة.
ويرد كتاب «العلمانيون والإسلام» على الحجج التي يرددها التيار العلماني، وهي وجود الاستبداد السياسي على فترات متطاولة من تاريخ المسلمين، مؤكداً أن التاريخ السياسي للمسلمين ليس ظلاماً كله كما يدعي أعداء هذا الدين.
ويفصل قطب في الرد على تلك الشبهة من خلال الفصل الثالث من الكتاب، المعنون بـ«الديمقراطية والإسلام»، وفيه يناقش مدى الخلاف بين الديمقراطية والإسلام، متسائلاً: أي شيء يجب على المسلم؛ يأخذ بالديمقراطية أم يطبق الإسلام؟ وهل يصلح النموذج الأوروبي -أي النموذج العلماني- ليكون منهجاً لحياتنا؟
ويفند الكتاب شبهات العلمانيين، مشدداً على أن أوروبا لم تعرف في حياتها سوى نوعين من الحكم؛ الدكتاتورية والديمقراطية، أما المسلمون فلديهم نوعان من الحكم: إما حكم الله، وإما حكم الجاهلية ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة: 50).
وفي الفصل الرابع، وتحت عنوان «لحساب من يحارَب الإسلام..؟!»، يتناول الكاتب الحملات الموجهة ضد الإسلام ذاته، وبالذات ضد تحكيم الشريعة، ومحاولات الغزو الصليبي للعالم الإسلامي لتنحية الشريعة وفرض القانون الوضعي، وإغلاق معاهد التعليم أو إجبارها على تغيير مناهجها الدينية.
ويؤكد قطب أن الإسلام وحده هو الذي يملك أن يخرج البشرية من ظلماتها إلى النور، عبر ترسيخ الاستقامة والعدل والرخاء، مشدداً على أن البديل المطلوب هو القيم المفقودة في عالم اليوم، التي يؤدي فقدانها إلى تفشي الظلم السياسي والاقتصادي والفساد الخلقي والتمييز العنصري.