هل يشغلك غرس الإيمان في طفلك؟ تتساءل أحياناً: كيف سيصمد صغيري أمام تلك الفتن العاصفة المتزايدة؟ إن كنت كذلك فهنيئًا لطفلك بك إن صاحبَ هذا الهمَ عملٌ.
لقد اهتم الإسلام بتلقين العقيدة للطفل منذ لحظة ميلاده، ومن بداية أن يطرق الأذان سمعه، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه «تحفة المودود بأحكام المولود» سر ذلك فقال: «سر التأذين، والله أعلم، أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته -أي الأذان- المتضمنة لكبرياء الرب، وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره به، وإن لم يشعر».
وفي قوله: «وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره به وإن لم يشعر» حقيقة؛ وهي أن الأبحاث العلمية أثبتت أن عقل الطفل في أول 3 سنوات يمتص كل ما حوله، وهو ما يُكوّن معتقداته وأفكاره حول نفسه والكون.
وكما تقول ماريا منتسوري، في كتابها «العقل الممتص»: «لدى الطفل نوع من العقل يمتص المعرفة من البيئة دون تعب»، وتغيُّر تلك القناعات فيما بعد، وإن كان ليس مستحيلًا، فإنه يحتاج إلى جهد كبير، والنجاح فيه ليس بمضمون، بخلاف ما إن غُرست فيه تلك المفاهيم من البداية.
ومما سبق تظهر أهمية تعليم الطفل العقيدة بطريق الغمر في الحياة اليومية؛ ليمتلئ قلبه بما يوافق ما فطره الله عليه، كما يقول النبي صلوات الله وسلامه عليه: «كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ فأبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه».
وتختلف وسائل غرس العقيدة حسب عمر الطفل، فمن وقت الولادة إلي عامين يحسن أن يُتلى عليه القرآن بشكل يومي، وتثبيت قراءة سور قصيرة وقت نومه كي يرتبط بالقرآن، وأن يُقرأ له أذكار المساء والصباح وتردد عليه أذكار الطعام والشراب وغيرها بصوت عال ليسهل عليه حفظها مع التكرار، ويرفع المربي صوته بالاستخارة ليتعلم الطفل مع الوقت عظم الاستعانة بالله وضعفنا وحاجتنا إليه، وأن يُجلس الطفل على قرب من والديه وقت الصلاة ليراهما ويقلدهما حين يكبر.
أما من سن عامين إلى 5 أعوام، يُركَّز على أركان الإيمان الستة، ويُربط بها الطفل في كل أموره؛ ففي ركن الإيمان بالله: يُعرّف الطفل بأن الله خالق كل شيء، وأنه خلقنا لنعبده، وأنه ليس كمثله شيء، وأنه قادر على كل شيء، ويُغرس فيه استشعار مراقبة الله والخشية منه دون تنفير، فهذا الأساس الذي سيبني عليه إيمان الطفل بالغيبيات، وتُستغَل في ذلك مواقف الحياة اليومية، فمثلًا إذا أحضر الأب لُعْبَة جديدة فيطلب من الطفل شكر الله تعالى الذي رزقهم تلك اللعبة، ويذكر له دومًا بشأن الأعمال الحسنة أن الله تعالى يحب منا كذا، وفي القبيحة أن الله تعالى لا يحب كذا، ونحدثه دائمًا عن ثواب من يطيع الله سبحانه.
وفي الإيمان بالملائكة نربطه بحب الملائكة وكتابتهم الحسنات والسيئات، وأن منهم من يقوم بحفظنا بعد قراءة أذكار معينة، واستغفارهم ودعائهم للمسلمين، وأنهم يتأذون مما نتأذى منه؛ فنحثه على ترتيب غرفته كي لا تتأذى الملائكة، ونخبره بأننا حين نذكر الله تأتي الملائكة وتحفنا.
وفي الإيمان بالكتب نحدثه عن القرآن وتعظيمه، وأن فيه الهدي الذي نحتاجه في كل حياتنا، ونربط المواقف التي يمر بها الطفل بالهدي الصحيح الذي ذكره القرآن ليرتبط به.
وفي الإيمان بالرسل نقص عليه قصصًا من السيرة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم، كغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، هو المعصوم الذي لا يخطئ؛ ولذلك فقد أمرنا الله عز وجل بتقليده في كل شيء، ونذكر له الهدي النبوي بشأن المواقف التي يمر بها في حياته بشكل عملي، وكذلك في بقية سير الأنبياء عليهم السلام.
وفي الإيمان باليوم الآخر نعلمه أن الحياة الحقيقية الباقية هي الآخرة وليست الأولى؛ فنرغبه في ثواب الله تعالى ونخبره بنعيمه لعباده الصالحين في الجنة وما فيها من طعام وشراب وصحبة للأحباب، بخلاف غيرهم ممن لم يختر طاعة الله عز وجل.
وفي القضاء والقدر يُخبر بعلم الله تعالى الخير والشر لنا، ويُعلم الاستخارة في كل أموره، وأن لله حكمة في كل شيء لا بد أن نسلم بها ولو لم نعرفها.
وأمر العقيدة لن يوفيها كلمات يسيرة كتلك، فيُنصح بالاستزادة من هذه الكتب:
– «رفقاً بعقيدتي يا أمي»، سوزان بخيت.
– «غرس محبة الله في الطفل»، نشر مركز دلائل.
– «ما لا يسع أطفال المسلمين جهله»، يزن الغانم.
– «أسئلة الطفل الإيمانية»، عبدالله الركف.
وفي الختام، لا نجد أحسن مما دعا به الخليلُ إبراهيم عليه السلام ربَّه سبحانه وتعالى حين قال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) (إبراهيم: 35)، وقال: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) (إبراهيم: 40)، والحمد لله في الأولى والآخرة.