عادت قضية ولاية جامو وكشمير المحتلة إلى واجهة الإعلام هذا الأسبوع عبر الندوة التي شهدتها مدينة إسطنبول، يوم الجمعة 4 أغسطس الجاري، تحت عنوان «الإبادة الجماعية والإرهاب الديموغرافي الهندي ضد كشمير المسلمة».
الندوة نظمتها إحدى المؤسسات الكشميرية الناشطة «Kashmir Diaspora»، حضرها نائب رئيس الجماعة الإسلامية في كشمير البروفيسور عبدالرشيد الترابي، وجمع من البرلمانيين والكتَّاب والإعلاميين والنساء.
وقد أحسنت تركيا باستضافتها على أرضها في وقت ضاقت فيه على القضية أراضي العديد من الدول في وقت يجد فيه المحتل الهندي علاقات جيدة مع العالم الإسلامي.
محنة كشمير وفلسطين.. تشابه كبير في النشأة ويتم التعامل الدولي لوأدهما وفق أجندة واحدة دولية موحدة لدعم الهند
هذه الندوة أعادت التذكير بقضية هذا البلد المسلم (242 ألف كيلومتر مربع، ما يقرب من 20 مليون نسمة؛ 90% منهم مسلمون) التي سيطرت عليها الهند عنوة قبل 79 عاماً خلال عملية انفصال باكستان عن الهند، وفقاً لقرار تقسيم شبه القارة الهندية الذي نص على انضمام جامو وكشمير إلى باكستان لكونها ولاية إسلامية، لكن الهند لم تنفذ القرار، وقامت بالاستيلاء على تلك الولاية ومارست على سكانها حملة قمع وإبادة أمام أنظار العالم ولم تتوقف حتى الآن؛ وهو ما أثار انتفاضة الشعب ومقاومته إصراراً على التحرر وإقامة الدولة المستقلة، وقدم في سبيل ذلك أكثر من مائة ألف شهيد.
بالنسبة لي، أتابع هذه القضية باهتمام منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، حين عقد أول مؤتمر للتعريف بها في فندق سفير بالدقي- الجيزة بمصر، بحضور أ. محمد حامد أبو النصر، المرشد العام الراحل لجماعة الإخوان المسلمين، ود. محمد سيد طنطاوي، مفتي مصر في ذلك الوقت، رحمهما الله، ثم تواصلت متابعاتي لتطورات أحداثها بحضور العديد من المؤتمرات والندوات واللقاءات مع قادتها خلال زياراتي لباكستان والهند، وخلال تواجدي في الكويت مديراً لتحرير مجلة «المجتمع»، حيث توثقت علاقاتي مع البروفيسور أليف الدين الترابي، أمين عام هيئة الإغاثة لمسلمي كشمير، ورئيس تحرير مجلة «كشمير المسلمة»، يرحمه الله، وتجمعت لديَّ خلال تلك الفترة حصيلة مهمة من الدراسات والتقارير المهمة والمعلومات بما يستوجب الكتابة المتواصلة خاصة في تلك الظروف الصعبة التي تسعى الهند بدعم من النظام الدولي للإجهاز على تلك القضية، في وقت بدأت فيه الهند حرب تطهير عرقي للمسلمين داخل أراضيها (أكثر من 200 مليون مسلم بالهند)!
إن قضية كشمير المسلمة مع الاحتلال الهندوسي قريبة الشبه بقضية فلسطين مع الاحتلال الصهيوني.. تشابه في النشأة وفي التورط الدولي بقيادة الولايات المتحدة لإهدار حق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة.
باكستان ظلت الداعم الأكبر لقضية كشمير والعمق الإستراتيجي لها لكن تنازلات الانقلابي مشرف مثلت طعنة كبرى للقضية
فقد تزامن بروز القضيتين على سطح الأحداث الدولية في أربعينيات القرن الماضي بالتزامن مع بروز قضية فلسطين عندما قامت الهند بضم إجباري لولاية «جامو وكشمير» عام 1947م، وكان الهدف تحويل كشمير إلى قاعدة لمخططاتها ضد العالم الإسلامي ومقدساته، خاصة في شبه القارة الهندية وقارة آسيا، مثلما فعل الكيان الصهيوني المدعوم من الغرب عموماً بتحويل فلسطين المحتلة إلى قاعدة لهجماته الاستعمارية على الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط، لكن الشعب الكشميري المسلم لم يعترف بهذه الخطوة، ورفع راية الجهاد لتحرير بلاده، وتمكّن بالفعل من تحرير أكثر من ثلث الولاية.
عندها أدركت الهند أن جهاد الشعب المسلح في طريقه لتحرير كامل التراب الكشميري، فهرولت إلى الأمم المتحدة عام 1947م وطرحت القضية أمام مجلس الأمن الدولي حيث مقبرة القضايا الإسلامية العادلة، فقد زج مجلس الأمن بقضية كشمير –كقضية فلسطين– في دوامة من المناقشات الإعلامية أمام العدسات والميكروفونات، وأصدر لها عدة قرارات ولكنها كانت عديمة الجدوى، بل مثلت غطاء كثيفاً للتسويف وإهدار الوقت سعياً لإطفاء جذوة الجهاد وتثبيط روح المقاومة؛ وذلك حتى يتمكن المحتل الهندي –كالمحتل الصهيوني– من فرض سيطرته على كامل التراب الكشميري، ومحاولة القضاء على المقاومة، والتنكيل بالشعب الكشميري كله عبر حملات شرسة وقوانين وإجراءات استثنائية مثلما حدث ويحدث اليوم! ثم تمخضت المناقشات عن إجراءات تصب في صالح الاحتلال الهندوسي؛ فأصدر المجلس قراراً، في 5 يناير 1949م، ينص على:
– وقف إطلاق النار.
– إجراء استفتاء الشعب الكشميري لتقرير مصير الولاية بالانضمام إلى الهند أو إلى باكستان، وبهذا القرار تم دفن قرار ضم كشمير إلى باكستان، وتحويل قرار الاستفتاء إلى أمر واقع، وقد بادرت الهند إلى التعهد بتنفيذه فوراً، لكنها وبعد أشهر قليلة بدأت تماطل في تنفيذ هذا الاستفتاء، مع الادعاءات المستمرة بالتزامها بقرار إجراء الاستفتاء حتى توقفت عمليات المقاومة وهدأت روح الجهاد الكشميري، وشهدت الساحة الدولية متغيرات جديدة انتهزتها الهند، وأعلنت بوضوح رفضها التام إجراء الاستفتاء المقرر دون أي مبرر قانوني أو أخلاقي، ولم يتحرك مجلس الأمن للضغط أو الإدانة أو حتى إصدار بيان يثبت فيه تمسكه بقرار إجراء الاستفتاء في انحياز دولي واضح للمحتل الهندي كما يحدث في معظم القرارات الخاصة بفلسطين.
ندوة إسطنبول بحضور برلمانيين وساسة وكتَّاب تعيد القضية إلى واجهة الأحداث الإعلامية
وهنا –كما قال لي البروفيسور الراحل أليف الدين الترابي- عاود الكشميريون تنظيم صفوفهم وبذل جهودهم السلمية على امتداد أكثر من 40 عاماً لإقناع المجتمع الدولي بالضغط على الهند لتنفيذ القرارات الدولية، لكن دون جدوى، ولم يعد أمام الشعب الكشميري من خيار سوى الإعلان في بداية عام 1990م عن العودة للجهاد مرة ثانية لتحرير بلاده، فازداد التعنت الهندي، وتواصلت محاولات الاحتلال الهندوسي لوأد الجهاد الكشميري من جهة، ولإشعال الفتنة بين أبناء الشعب الكشميري من جهة أخرى.. لكن حركة المقاومة واصلت مسيرتها بما استطاعت من قوة، وحققت إنجازات كبرى على صعيد يقظة الشعب وتقوية وعيه بقضيته، ومنها:
– انتشار روح الجهاد والمقاومة بين جميع أطياف الشعب الكشميري.
– القضاء على الأحزاب السياسية العميلة للهند وبروز الأحزاب الإسلامية.
– عودة الشعب الكشميري المسلم إلى الإسلام من جديد، وذلك بالقضاء على معالم الحضارة الهندوسية التي كانت تسود الولاية.
– إزاحة القيادة المصطنعة التي قامت الهند بصنعها في الولاية لخدمة مصالحها، وبرزت مكانها قيادة إسلامية رفعت راية المقاومة.
– إسقاط حكومة الولاية العميلة.
لكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وإعلان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن عن حربه الصليبية ضد العالم الإسلامي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، استغلت الهند المتحالفة مع أمريكا الفرصة وطالبت واشنطن بإعلان حركة المقاومة الكشميرية حركة إرهابية؛ وتم ذلك بالفعل، وانقلب الوضع، فأصبحت الولايات المتحدة التي كانت تؤيد الحق الكشميري في تقرير المصير مؤيدة للموقف الهندي، وبات التعامل مع القضية وفقاً لخارطة طريق أمريكية ترتكز على الأهداف والمصالح الأمريكية الهندية في المنطقة.
وبعد أن باتت المقاومة الكشميرية تمثل -من جديد- تحدياً كبيراً للاحتلال الهندي، ولم يجد قادة الهند من بد من الاتجاه نحو باكستان الداعم الأكبر والعمق الإستراتيجي لكشمير، وكانت الفرصة مواتية لنزع غطاء الدعم الباكستاني بوجود الجنرال المنقلب الراحل برويز مشرف الذي كان يفخر بخدمة الأجندة الأمريكية؛ فبادر إلى اتخاذ العديد من الخطوات لتنفيذ خارطة الطريق الأمريكية، ومن أخطرها إعلانه التنازل عن الموقف الباكستاني الثابت من القضية الكشميرية الذي يقوم على تأييد حق تقرير المصير وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، وبادر مشرّف إلى إيجاد قيادة مصطنعة في كشمير المحتلة للحصول على تأييد قراراته، لأن القيادة الحقيقية للشعب الكشميري المسلم لم توافق على ذلك، ثم أعلن مشرّف تنازله عن الموقف الباكستاني من مسألة تطبيع العلاقات مع الهند الذي كان يشترط إعلان الهند موافقتها على حل القضية الكشميرية كشرط لتطبيع العلاقات بين البلدين.
الندوة تسلط الضوء على تاريخ القضية وتفتح الحديث عن تاريخ الجهاد الكشميري لتحرير الأرض وإقامة الدولة المستقلة
وقد رفضت القيادة الحقيقية للشعب الكشميري المسلم على لسان الشيخ علي جيلاني، قائد المقاومة في ذلك الوقت، قبول الموقف الباكستاني مع رفض خارطة الطريق الأمريكية لحلّ القضية، وواصل الشعب طريق الجهاد لنيل حقوقه، معلناً استعداده لتقديم مزيد من الشهداء الذي يزيد عددهم على مائة ألف شهيد، من الرجال والنساء والأطفال من المدنيين الأبرياء، «وإن المقابر الجماعية –كما يقول الشيخ جيلاني- في المدن والقرى خير شاهد على إصرار الشعب على تحرير كشمير، كما أن عدد الجرحى والمعاقين يصل إلى مئات الآلاف، ولا يوجد بيت إلا وفيه شهيد أو جريح، وعدد المنازل والمتاجر التي أحرقتها أو هدمتها قوات الاحتلال الهندي يصل إلى مئات الآلاف، وكذلك عشرات الآلاف من النساء المسلمات اللاتي اغتُصبن.. هذه التضحيات الضخمة لم يقدّمها الشعب الكشميري من أجل حلّ القضية وفقاً لخارطة الطريق الأمريكية، بل قدّمها للحصول على حقه في تقرير المصير؛ لذلك نحن لا نستطيع أن نتنازل عن حقنا مهما كانت الأوضاع».
هذا الموقف القوي لزعيم المقاومة الإسلامية رئيس تحالف جميع الأحزاب الكشميرية للتحرير (مؤتمر الحرية) لم يمكّن الهند ولا الولايات المتحدة ولا مشرّفاً من القضاء على هذه الحركة المباركة؛ ما دفع مشرّفاً للانتقام المجنون من المقاومة بالعديد من المخططات والخطوات للقضاء عليها بأسلوب أو آخر، وكان أشدّها خطورة إشعال نار الخلاف في قيادة حركة المقاومة الإسلامية الكشميرية، وذلك بإيجاد قيادة مصطنعة حتى يتمكن من الحصول على الموافقة على خارطة الطريق الأمريكية، لكنه لم يتمكّن من ذلك.
وجاءه الرد من الشعب الباكستاني خلال الانتخابات البرلمانية، في 18 فبراير 2008م، برفض سياسات مشرّف، وإفشال قرار الحكومة الهندية إقامة مستوطنات هندوسية في الولاية، مع مواصلة الكفاح لانتزاع حق تقرير المصير وإقامة الدولة، وإن ذلك يتطلب من العالم الإسلامي أجمع ومنظمة التعاون الإسلامي التحرك الجاد لدى الحكومة الهندية والأمم المتحدة والولايات المتحدة لإقرار حق الشعب الكشميري في إقامة دولته المستقلة، الذي ما زال يكافح لتحقيقه على امتداد ما يقرب من 80 عاماً.
_________________________
مدير تحرير «الشعب» المصرية، و«المجتمع» الكويتية– سابقاً.