يمكننا أن نعد حركة «الريد بيل» آخر الثمار المشؤومة لتغول الحركة النسوية وتطرفها المشين في مفهوم المساواة وتجاهل الفروق البيولوجية بين الجنسين؛ وما يترتب عليها من فروق اجتماعية، وتدشين ما يطلق عليه «الجندر» أو النوع الاجتماعي، وحتى حزمة القوانين سيئة السمعة التي تناهض، بزعمهم، التمييز ضد النساء، وتسعى لاستئساد النساء، وفي قول آخر تمكينهم.
كتب كثير من المصلحين المعتدلين عن جرائم النسوية في تشويه فطرة النساء، بل فطرة المجتمع كله، وقامت كثير من التيارات الوسطية بمحاولة وضع القضية النسائية في وضعها الطبيعي بعيداً عن الغلو، فإن كانت بداية الحركة النسوية لها ما يبررها من مظالم حقيقية تاريخية وواقعية حاقت بالنساء، فإن ما انتهت إليه في موجتها الرابعة لا يبشر بخير للمستقبل الإنساني كله.
وكأي رد فعل عنيف حاد نجد تياراً جديداً متطرفاً في الاتجاه الآخر، وهذا هو التفسير المنطقي لنشأة تيار «الريد بيل» الذي نشأ في الغرب في بدايات القرن الحادي والعشرين، غير أنه لم يظهر بشكل واضح إلا في العام 2015م.
الحبة الحمراء
«الريد بيل» (Red Pill)؛ أي الحبة الحمراء، تم استلهام هذا المصطلح من فيلم أمريكي «المصفوفة»، أنتج في العام 1999م، ويشير خيار تناول الحبة الحمراء لمواجهة الحقيقة بمرارتها (حقيقة الطغيان النسوي وسيطرته على النظام العالمي الجديد)، بينما تعاطي الحبة الزرقاء أكثر راحة لأنك تعيش وفق المعتاد المألوف (النساء ضحايا والرجال جناة).
في العام 2016م، صدر فيلم وثائقي بعنوان «الحبة الحمراء» (Red Pill)، وناقش قضية حقوق الرجل، والمظالم التي يتعرض لها والتمييز ضده، خاصة في الجانب القانوني، وأكاذيب الحركة النسوية حتى أصبحت الحبة الحمراء شعاراً ثقافياً للتيار الذكوري الجديد.
«ريد بيل» عربي
الراصد لصفحات تيارات «الريد بيل» العربية لن يخطئ خطاب الكراهية الموجه للنساء جميعاً وليس للتيارات النسوية فقط، حتى إن أحدهم ممن يوصف بأنه الأكثر اعتدالاً يقول موجهاً خطابه للرجال: هناك بعض النساء الجيدين لسن جميعاً سيئات!
يشبه خطاب «الريد بيل» الخطابات الحربية التحفيزية، فالمرأة هي العدو الذي لا يمكن التفاوض معه، هناك مؤامرة عالمية على الرجال من قبل النساء؛ لذا ينبغي التنبه لعقلية المرأة التآمرية وأفخاخها النفسية حتى يمكن للرجال النجاة، يشعرك خطابهم بأنهم استبدلوا النساء بالرأسمالية المتوحشة!
في اعتقادي أن تيار «الريد بيل» هو مزيج من الرجال ذوي التجارب الشخصية المؤلمة الذين قاموا بإسقاطها وتعميمها على جميع النساء، ومجموعة أخرى من الباحثين عن قضية أو معنى للحياة، مجموعة من الرجال المحبطين من الفضاء العام وإمكانية التغيير وجدوا في تحدي النسوية بديلاً وهدفاً أسهل.
وأخيراً مجموعة من المقلدين والأتباع من العابثين، ولولا عنف التيار النسوي وتطرفه لما وجد هؤلاء المبرر لهذه التوجهات والسلوكيات.
يعتقد أنصار تيار «الريد بيل» أن المرأة بطبيعتها خائنة لا يؤمن جانبها، ولا بد من التضييق عليها وحصارها، وأن المرأة تسعى للزواج والاستقرار بعد أن تكون وصلت لمرحلة عمرية معينة ومرت بتجارب مع رجال عابثين (رجال ألفا)، فتدعي التوبة والتدين، وتسعى للاستقرار، وتنصب شباكها على هؤلاء الرجال الجادين الذين يتحملون المسؤولية (رجال بيتا)، كي تحصل على فرصتها أن تكون أُماً، لكن ذلك لا يمنع من تطلعها لآخرين بصورة سرية، فهي لا تعرف المعنى الحقيقي للاستقامة (منشورات كثيرة تحكي عن أبناء غير شرعيين وآباء مخدوعين).
«ريد بيل» ديني
أما أسوأ تيارات «الريد بيل» العربية، فهو ذلك التيار الذي يتزعمه بعض من يعتبرون أنفسهم شيوخاً، وينظرون نظرة عوراء للنصوص الشرعية، ويقومون بإسقاطها بطريقة جاهلية على الواقع والمجتمع.
من المعلوم أن هناك تياراً دينياً متشدداً فيما يخص قضايا النساء، تياراً يرفض مشاركة المرأة في الحياة العامة، ولكن هذا يختلف عن تيار «الريد بيل» الديني الذي يشكك في عفة النساء، حيث يقدم قادته نصائح وأفكاراً لاختبارهن، حيث لا يكفي السمت الظاهر للتدين ولا ارتداء الحجاب الشرعي أو كون الأسرة ملتزمة متدينة، فقد يكون هذا كله غطاء لفساد أصيل متمكن في نفوس النساء.
بوجه عام، يظهر أنصار «الريد بيل» احتقاراً للفتيات اللاتي تأخرن في الزواج، ويتم اتهامهن بسوء الخلق، والأمر نفسه ينطبق على المطلقات.
وتعج صفحاتهم بقصص يقولون: إنها من الواقع لمتدثرات (وهذا هو المصطلح الذي يطلقونه على من ظاهرهن الالتزام والتدين أم حقيقتهن، فهن إما نسويات أو منحرفات أو الاثنان معاً).
ضد الزواج
يوجد تيار ذكوري أشد تطرفاً من «الريد بيل» يطلق عليه تيار «الميغتاو»؛ أي الرجال السائرون في طريقهم الخاص (Men Going Their Own Way) واختصارها «MGTOW»، وهذا التيار يرى في الزواج شراً محضاً، فالزواج في الوقت الحالي لا يخدم مصلحة الرجال، حيث نجحت النسوية العالمية في صناعة قوانين جائرة للأسرة والعائلة والنساء اللاتي يمتلكن طبيعة استغلالية من الطراز الأول (وفقاً للتيار الذكوري)، يبدأن بدايات ناعمة لجذب الرجل لفخ الزواج للحصول على البيت والأطفال، ومع أول خلاف (ربما يفتعلن الخلاف أيضاً) يتم اللجوء للمحكمة لتجريد الرجل من كل شيء بيته وولده وماله!
ومن ثم سعت حركة «الميغتاو» لدعوة الرجال للاستغناء عن المرأة وعن الزواج والترفع عليه والسعي وراء امتلاك الثروة والقوة بعيداً عن صفقة الزواج الخاسرة.
يبدو تيار «الميغتاو» هذا كنتيجة منطقية لتيار «الريد بيل»، وما يثيره من أفكار سامة وخطاب كراهية للنساء من ناحية، وأيضاً يبدو تيار «الميغتاو» كرد فعل جانح للقوانين الملزمة التي أدخلتها النسوية لقوانين الأسرة من جهة أخرى، فكان رفض الزواج والعزوف عنه بمثابة احتجاج عنيف على ذلك.
إلا أن تيار «الميغتاو» لم يلاق قبولاً واضحاً في أوساط الذكوريين العرب، ربما لأنه يتحدى حاجة من أهم الحاجات الإنسانية الغريزية، لذلك تمت ترجمة هذه الأفكار في اتجاهين.
الأول: شباب عازف عن الزواج، ويروج للاستغلال الفاحش للنساء، وشاع لديهم منشور يقول: «لا تدفع فيما ناله غيرك مجاناً»، فأغلبية النساء، وفقاً لهذا الاتجاه، لديهن تجارب شائنة، ومن ثم لا مانع من مزيد من الاستغلال لهن دون أي أعباء مالية أو أدبية.
الثاني: شباب من أنصار «الريد بيل» الديني لا يسمح لهم المعلوم من الدين بالضرورة من التعاطي مع الفاحشة والزنى، وهؤلاء تجدهم على وسائل التواصل الاجتماعي يدفعون الرجال للطلاق مع أبسط مشكلة، ويقومون بالتحريض على النساء باعتبارهن المتهم الرئيس للخلافات الزوجية.
لذلك كله يبدو سلام الأسرة على حافة السكين بين النسويات والذكوريين، ومن ثم تحول سلام البيت لحالة من الصراع والاستقطاب والقلق انتهت في كثير من الأحيان بالفشل الزواجي ومعدلات الطلاق الجنونية.