إن ميل نوعي الجنس البشري إلى بعضهما بعضاً فطرة فطرها الله تعالى فيهما، ولولا هذا الميل لما استمر الجنس البشري على مر تاريخه من يوم أن أُهبط آدم وحواء إلى الأرض وإلى قيام الساعة.
والأطفال قبل البلوغ يكونون غافلين عن معرفة الفارق بين النوعين، وإن وُجد نوع من المعرفة فهي معرفة سطحية.
وكلما اقتربوا من مرحلة البلوغ زادت معرفتهم بأنفسهم وذواتهم أولاً، ثم تتضح الفوارق الجسدية بينهما، وبعدها تتفجر العواطف في مرحلة المراهقة.
تلك العواطف المهيج لها والباعث إليها هو الشعور بالشهوة تجاه بعضهما بعضاً.
فقد كانت النظرة قبل البلوغ بينهما نظرة بريئة لا تحمل أي معنى، لكن بعد البلوغ تكون النظرة منصبة على المفاتن التي يتمتع بها كل طرف من الطرفين.
وهذا ما أشرنا إليه في العنوان بقولنا: «الصَّبْوة»، التي تعني في اللغة: «جَهْلَة الفُتُوَّةِ واللَّهْوِ من الغَزَل»(1)، وقيل: «رقَّة الحب»(2).
ويكون الصراع النفسي محتدمًا عند البالغين؛ فالشهوة تزداد يومًا عن يوم، ويجعل الله تعالى لها متنفسًا بالاحتلام عند الذكور والإناث.
هذا يؤدي إلى تقليل دواعي الشهوة وأسبابها عند الذكور والإناث، لكن إذا تركوا للشهوة العنان وقعوا فيما لا يُحمد عقباه.
والمتحكم في شهوته من النوعين ينزل عند الله المنزلة الحسنة؛ فعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله ليعجب من الشاب ليست له صبوة»(3)، ومعنى «ليست له صبوة»؛ أي ميل إلى الهوى بحسن اعتياده للخير، وقوة عزيمته في البُعد عن الشر(4)، في حال الشباب الذي هو مظنة لضدِّ ذلك(5).
قال حجة الإسلام: وهذا عزيز نادر، فلذلك قُرن بالتعجب.
وقال القونوي: سره أن الطبيعة تنازع الشاب وتتقاضاه الشهوات من الزنى وغيره وتدعوه إليها على ذلك ظهير وهو الشيطان، فعدم صدور الصبوة منه من العجب العجاب(6).
وقد قال الإمام القرضاوي رحمه الله تعالى في إحدى خطبه: «والشهوة الجنسية غريزة عاتية، بعض علماء النفس فسَّر بها السلوك البشري كلّه، واعتبرها أعتى غريزة في الإنسان؛ فهي ليست في حاجة إلى إثارة، فكيف إذا كانت هناك المثيرات بالصورة، وبالكلمة، وبالنغم، وبالموسيقى، وبالتشويق، وبالقصص، وبالمسلسلات، هذا كلُّه يشحن هذا الشباب ويعبِّئهم، فيظهر ذلك في سلوك النَّاس».
والتلاميذ في المرحلتين المتوسطة والثانوية يحتاجون إلى معرفة كيف يضبطون غرائزهم ويهذبون شهواتهم، وأن يتحكموا فيها، لا أن تسيطر هي عليهم.
فهم يميلون إلى استعراض مفاتنهم، فالبنات يرسلن شعورهن ويعتنين به، ويصبغن وجوههن بأنواع الزينة، ويتفنن في الملابس التي قد تكشف عن بعض ما يرونه جمالاً عندهن.
خاصة بعدما أصبحت السلع العارية من سوق الملابس المستعملة متاحة وبشكل كبير وبثمن رخيص؛ مما جعل الفقير يقبل على اقتنائها، فانتشرت موضة العري بسرعة كبيرة وعلى نطاق واسع في المجتمع.
وهذا ليس عامًّا فيهن، لكنه أصبح ظاهرة متفشية، وتراهن يؤخرن الحجاب لمرحلة متأخرة، ويرين أنفسهن ما زلن صغيرات، وأنهن يحق لهن أن يتمتعن بإبداء جمالهن وزينتهن ومفاتنهن.
وقد يتساهل الآباء في ملابس البنات وينظرون إلى بناتهم أنهن ما زلن صغيرات، أو يرون ذلك نوعًا من الحرية وعدم الكبت وقهر الفتيات على أمور يرون أنه ليس واجبًا عليهن فعله الآن.
أو يكونون قد تأثروا بالفكر العلماني الغربي فلا يرون حرمة التبرج والسفور.
وقد بلغ بهم ذلك إلى الدفاع عن أبنائهم في المؤسسات التعليمية باسم الحقوق والحريات الشخصية، مما جعل المسؤولين التربويين -وحتى المعلمين أحيانًا- لا يبالون، فتخلوا عن مسؤولياتهم في التربية والتوجيه والعقاب؛ مخافة المساءلة القانونية.
وفي المقابل، أصبح التلاميذ متمردين على المربين، شعارهم بعد أن لُقِّنوا حقوقهم في بداية السنة الدراسية: «ليس لك حق أن توجهني».
فقد ترسخت في أذهانهم فكرة الحرية، لدرجة أن تسأل البعض: كيف يحضن هذا التلميذ زميلته؟ فيقول بدون حرج أو تردد: «هذه مدامته»(7).
والأولاد قد يستعرضون قوتهم أمام الفتيات، فيكثرون الشجار مع زملائهم، أو مع أساتذتهم ومعلميهم؛ ليلفت الأقوى أو الأشجع -في وجهة نظره- نظر الفتيات إليه، ويهتمون بقصات شعورهم، وكذلك ملابسهم التي يحاول البعض أن تكون ماركات عالمية، وتجاري أحدث صيحات الموضة في العالم.
ويظهر فيهم الصداقة والمخاللة؛ فلا يكتفي الأولاد بالخلة بينهم وبين الأولاد، بل يبحثون عن مخاللة الفتيات، فيجلسون معًا ويمشون معًا، ويُسِرُّ بعضهم إلى بعض بخاصةِ أسراره ومشاعره وظروفه.
وقد يشجع على ذلك وجود المدارس والمؤسسات التعليمية المختلطة، التي قد يصل الاختلاط فيها أن يجلس الأولاد والبنات معًا على طاولة واحدة في القسم الواحد.
فلا يهتمون بالدرس العلمي والتحصيل قدر اهتمامهم بالكلام والتضاحك والاستظراف.
وهذا الاختلاط بتلك الصورة سبب كبير من أسباب إشعال نيران الشهوة بين الذكور والإناث.
وقد يقع التساهل من الآباء بعدم ضبط علاقات البنات بزملائهن، فلا يرون بأسًا أن يكون للبنت صديق ذكر.
أو في عدم معرفة أوقات دخول الأولاد وخروجهم من المدارس ومن حصص الدروس التدعيمية الخاصة، فيستغل بعض الأولاد والبنات ذلك في الخروج معًا في مواعيد غرامية في الحدائق والمتنزهات، وقد وصل الأمر بالبعض ألا يرى غضاضة في المشي مع زميلته بجوار المؤسسة التعليمية والاقتراب منها كأنها أخته أو محرم من محارمها.
وقد يفعلان معًا بعض الأفعال المحرمة بدعوى أنهما مرتبطان، أو أنه يراها خطيبته.
وساعد على ذلك المسلسلات والأفلام الرومانسية التي تشجع على الحب الحرام بين فئات الشباب.
وزاد الأمر عن حده بانتشار الإنترنت بيننا فأصبح لا يستغني عنه الصغير والكبير، وأصبح لكل واحد هاتفه الذي يملكه، وقد لا يتابع الآباء والأمهات المواد والأفلام التي يتابعها الشباب والشابات في تلك المرحلة، فيفتتنون بما يرون من كشف الحرمات والاطلاع على العورات، ويحاولون تقليد ما يرون فيقعون في الآثام والفواحش.
بل أعظم مفسدة من ذلك أن تقوم علاقات شاذة بين الذكور في المؤسسة الواحدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد صدق الأستاذ محمد فتحي النادي حين قال: «تالله للخنا والفحش والفجور والزنى على النت أقرب للمرء من شراك نعليه».
_____________________
(1) العين للخليل بن أحمد، (7/ 168).
(2) جمهرة اللغة لابن دريد، (2/ 1024).
(3) أخرجه أحمد في «المسند»، ح(17371)، وقال شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره.
(4) فيض القدير للمناوي، (2/ 263).
(5) التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي، (1/ 529).
(6) فيض القدير، (2/ 263).
(7) أي: ملكه، ولو بغير رباط شرعي.