تطرقت في مقال سابق لأهم الأسباب التي تجعل الشباب العربي ينساق وراء الدراما والأغاني الأجنبية، وأشرت إلى أن من أبرز هذه الأسباب انبهار العقل العربي بالثقافة الأجنبية في ظل الهزيمة النفسية التي أصابت كثيراً من أبناء الأمة الإسلامية، وطبيعة الشباب الرافضة والمتمردة، ورغبتهم في التفرد والتميز، وانتشار المدارس العالمية والجامعات الخاصة، وضعف الإنتاج الدرامي المنسجم مع العادات والتقاليد والأعراف الدينية.
وخلال السطور التالية، أتطرق إلى أبرز مآلات تعلق المراهقين بالدراما والأغاني غير العربية، والكورية منها بشكل خاص، لا سيما أن هوس المسلسلات والأغاني غير العربية لا سيما ما يعرف بـ«البوب الكوري» (-K-Pop) يجتاح العالم بما في ذلك عالمنا العربي والإسلامي.
ويمكن للمتشكك في اعتبار الأمر ظاهرة أن يزور المراكز التجارية الشهيرة ليشاهد تجمع محبي الفرقة الكورية الشهيرة «بي تي إس» أمام المنتجات المرتبطة بالفرقة الكورية مثل الإكسسوارات والصور والملابس.
وبحسب تقرير منسوب لموقع «سبوتيفاي» (Spotify)، أحد أشهر وأضخم منصّات الخدمات الموسيقية حول العالم، فإن أكثر المستمعين للأغاني الكورية و«البوب الكوري» على وجه التحديد من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الفترة من عام 2014 إلى عام 2020م، وخاصة السعودية والإمارات ومصر والمغرب والجزائر على الترتيب، وقد شهد موسم الرياض 2019م حفلاً لفريق «بي تي إس» الكوري وحضره أكثر من 60 ألفاً غالبيتهم من المراهقين والمراهقات.
الإشكالية أن كثيراً من الشباب الذين يستمعون ويشاهدون الأغاني الكورية لا يدركون خطر الغزو الفكري على ثقافتهم وهويتهم وقيمهم، ذلك أنها تقدم ما يداعب عواطف الشباب والشابات، وتتحدث عن مشكلاتهم واحتياجاتهم النفسية والعاطفية، وتناقش قضايا تمسهم بشكل مباشر كالتنمر، والصداقة، والعلاقة مع الأهل، والحب، وغيرها من القضايا، بينما الخطورة في أن هذه القيم التي تقدم للشباب والفتيات وإن كان ظاهرها إيجابياً، إلا أنها تطرح وفق الثقافة الكورية التي تشترك مع الهوية العربية والإسلامية في قواسم قليلة، وتختلف معها في قواسم أخرى كثيرة، لكنها تتسرب إلى النفس خلسة؛ لأن كل التفاصيل مدروسة بعناية فائقة بدءاً من اختيار أعضاء الفرق الموسيقية وتحديد الشكل الظاهري لكل فرد منهم، مروراً بالموسيقى، والرقصات التي يتم التدريب عليها لفترات طويلة وصولاً لنمط تعاطي هذه الفرق الموسيقية مع المعجبين حول العالم.
والآثار السلبية المترتبة على سماع الأغاني غير العربية لا سيما الكورية كثيرة ومتنوعة، فعلى صعيد القيم والأخلاق تروج أغاني «البوب الكوري» للإلحاد والانحلال الأخلاقي، في ظل ضعف الدور التوعوي الذي من المفترض أن تقوم به المؤسسات الدينية في بلادنا، ولهذا قامت بلدان تحترم ثقافتها كالصين واليابان بمنع دخول الفرق الموسيقية الكورية إلى أراضيها لأنها تدرك تأثير «القوة الناعمة» على الهوية الثقافية لشعوبها!
ومن زاوية نفسية، تلتهم الموسيقى الكورية أو ما يعرف بـ«البوب الكوري»، وفق خبراء نفسيين، عاطفة المراهقين؛ وذلك لأنهم يعيشون في حالة من الانسجام، وهذه الحالة تدفعهم إلى الفرح والانفعال والنشاط المبالغ به، فينفصل ذهنياً عن واقعه، ويرتبط بهذه الأجواء سواء من خلال سماع المؤثر أو بدونه، ويظل ملتصقاً بالأثر الذي تحدثه هذه الموسيقى، ومع اشتداد درجة الإدمان لها تظهر عليه سلوكيات عدوانية، حيث مع الوقت يصير مشوشاً، لا يقوى على التركيز، ولا يبدي تجاوباً مع الآخرين.
وفي بعض الأحيان يكون خجولاً عدا عن قصور واضح في أدائه الدراسي والعلمي وعلاقاته بمحيطه الاجتماعي لا سيما الأسري، حيث يقرر مدمنو أغاني «البوب الكوري» العزلة المنزلية التي تأخذهم إلى عالم بعيد عن ممارسة الحياة الطبيعية بما فيها من أنشطة رياضية واجتماعية وترفيهية.
ويؤكد الخبراء في مجال علم النفس أن موسيقى «البوب الكوري» تسبب ضغطاً نفسياً، قد يعرض الجهاز العصبي المركزي للخلل، وبالنتيجة يصبح الفرد عاجزاً عن تطوير قدراته الذاتية وعن القيام بمهامه اليومية، حيث تصنف «موسيقى صاخبة»، ولا إرادياً تزيد شعور الشخص بالآلام، كما تزيد فرص اضطرابات ضغط الدم لديه، إضافة إلى ما يسمى بـ«الارتعاش الموسيقي»، فـ«الكيبوب» تجعل العقل في حالة غير مستقرة أثناء وبعد الاستماع إليها، حيث تزيد مستويات تذبذب الدماغ، نتيجة احتوائها على ترددات عالية، الأمر الذي يُشعر المراهق بالنشاط الزائد ويدفعه إلى الحركة بصورة غير محسوبة، وتزيد لديهم الرغبة في القيام بأعمال عنيفة، قد تعرض حياتهم للخطر، ولا سيما أنهم في مرحلة عمرية انتقالية حرجة.
اللافت في الفرقة الكورية (BTS) أنك تجد صعوبة في تحديد جنس أعضاء الفرقة، فقد كنت أحسب أفراد الفرقة من البنات، لكني اكتشفت أنهم من الذكور!
يتزامن ذلك مع وجود ظاهرة مقلقة للغاية طفت على السطح، تتمثل في لجوء كثير من الرجال لعمليات التجميل لتكثيف الشعر، أو استرساله وتعزيز نعومته، أو تبييض البشرة، وتنعيمها، أو تصغير الأنف، أو الأذن، ونحو ذلك من المظاهر الشكلية.
أخشى أن تتلاشى ميزة الرجولة كما كانت على أصلها الأول، لا سيما ومجتمعنا الرجولي يتجه بقوة نحو التخنث، فكثيراً ما يعجز الإنسان عن التمييز بين الشاب والفتاة من كثرة النعومة، يشارك في هذا الانحدار شريحة كبيرة من الفنانين والممثلين الذين يمثلون القدوة لكثير من المراهقين!
المشكلة هنا لو تعززت معايير الرجولة في المجتمع وفق ما نراه الآن من نماذج آخذة في الانتشار، ستكون النتيجة الطبيعية نفور الفتيات من الرجال بملامحهم الرجولية الأصيلة.