شكل الأدب الفلسطيني بكل أدواته وأجنحته على مدار عمر القضية الفلسطينية أحد أعمدة وركائز المقاومة، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال الصهيوني، بل إن هذا الأدب سواء كان شعراً أو رواية أو مسرحاً أو سينما، مثّل رافداً مهماً وأساسياً لحث الشعب الفلسطيني على الاستمرار في مقاومته وصموده، وانتزاع حقه في الحرية والاستقلال.
في هذا التحقيق، ترصد «المجتمع» الأدب المقاوم بكل أدواته، وكيف ساهم في الحفاظ على الذاكرة الفلسطينية، وأجنحة هذا الأدب ومكوناته، وكيف ترجم لسلاح قوي وفعال في مقاومة الاحتلال، وفاتورة الدم التي دفعها الكتَّاب والشعراء والأدباء لحثهم بالدفاع عن فلسطين.
الأدب الفلسطيني في كل ميادين المُنازَلة
وفي هذا السياق، يؤكد الروائي الفلسطيني محمد نصار لـ«المجتمع»، أن الأدب الفلسطيني بصنوفه المختلفة، سواء كان شعراً ونثراً، حاضر في ميدان المنازلة والمقارعة مع العدو الصهيوني ودحض الرواية الصهيونية الزائفة منذ بداية الصراع في مراحله الأولى وربما قبلها؛ إذ كانت رؤية الأدباء المتقدمة وتوقعها لما قد يحدث من تطورات سباقة في فهم تفاصيل المؤامرة والتحذير منها.
نصار: الأدباء والشعراء كانوا في ميادين متقدمة في ساحة النزال وقدموا أرواحهم لأجل فلسطين
ومن الكتابات في هذا المجال كتابات إسحاق الحسيني في «مذكرات دجاجة» التي صورت الصراع بلغة رمزية عالية، الذي جاء على لسان دجاجة، مستوحياً ذلك من أجواء «كليلة ودمنة»، كذلك فعل بقية الشعراء والأدباء، وكانوا في الميادين قولاً وفعلاً، ولا أدل على قصيدة الشاعر عبدالرحيم محمود التي قال فيها:
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا
محمد نصار
وأكد الروائي نصار أن نماذج كثيرة من الأدباء والشعراء دفعوا أثماناً باهظة لدفاعهم بالكلمة عن فلسطين، فمن منا لم يسمع بغسان كنفاني ودوره الرائد في توظيف الأدب في المقاومة حتى دفع روحه ثمناً لذلك، يومها خرجت جولدا مائير، رئيس وزراء الكيان الصهيوني حينها، منتشية وصرحت للإعلام: «قتلنا اليوم رجلاً بألف مقاتل»، وعلي فودة الملقب بـ«شاعر الرصيف» الذي استشهد أثناء غزو بيروت عام 1982م وهو يوزع المجلة التي يصدرها والمنشورات على مواقع الفدائيين.
مبيناً أن العدو يعرف ما للكلمة من صدى، وتم ترحيل كتَّاب وشعراء للمنفى وآخرين تم اعتقالهم، مؤكداً أن المثقف الفلسطيني منذ بدايات القضية الفلسطينية يمثل رأس حربة في هذا الصراع، وسيبقى كذلك حتى تحقيق الحرية والاستقلال.
روح وجوهر القضية الفلسطينية
بدوره، يقول رئيس ملتقى الفيلم الفلسطيني المخرج السينمائي سعود مهنا لـ«المجتمع»: إن السينما تشكل رافداً من روافد الثقافة الفلسطينية؛ لما لها من تأثير مهم لفضح ممارسات الاحتلال الصهيوني، والحث على الاستمرار في طريق المقاومة لاستعادة الحقوق المشروعة، لافتاً إلى أنه منذ بداية الثورة الفلسطينية كانت هناك نواة للمسرح كأحد الأسلحة التي استخدمت في تعزيز روح الصمود والمقاومة، وفضح ممارسات الاحتلال الصهيوني؛ خاصة المجازر التي ارتكبت على مدار القضية الفلسطينية.
أبو ياسين: المسرح الفلسطيني رفع راية الدفاع عن فلسطين وفضح الصهاينة
وأكد مهنا أن صناعة الأفلام الوثائقية الروائية مثلت تأريخ القضية الفلسطينية، وتوثيق ما يجري من الاحتلال من انتهاكات وإبداعات تعزز من الصمود ومقارعة الاحتلال، وسرد ذلك للأجيال، وهي بمثابة سفير فلسطين للعالم، حتى تبقى القضية حية والمقاومة مستمرة.
سعود مهنا
وأوضح أن السينما وعاء جامع لإبداعات الكتابة والرواية التي تجسد الواقع الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني، مؤكداً أن للسينما الفضل في الدفاع عن الرواية الفلسطينية في مواجهة الرواية الصهيونية الكاذبة.
وبين مهنا أنها تعمل على إيصال قضيتنا العادلة للعالم عبر الحديث عن الحقوق ومقاومة الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أن السينما الفلسطينية تمر بفترة نهضة حالياً، وإيقاع الفيلم الفلسطيني بات موجوداً في كل المهرجانات العربية والدولية.
المسرح المقاوم
وبخصوص دور المسرح الفلسطيني في المقاومة، قال المخرج الفلسطيني عليّ أبو ياسين لـ«المجتمع»: إن المسرح الفلسطيني مسرح مقاوم، بحكم وجود الاحتلال الصهيوني، وكل الكتابات المسرحية تصب في هذا الاتجاه، ولا توجد دولة في العالم أنتجت هذا الكم الغزير في المسرح مثل المسرح الفلسطيني، لافتاً إلى أن العديد من المسرحيات التي أنتجت تتعلق بالمقاومة، ومنها «غزة على التكة»، «المصور»، «أبيض أسود»، وهناك «المسرح العسكري» الذي قدم العديد من المسرحيات، وكذلك عرضت المسرحيات في الضفة الغربية عبر فرق مسرحية، كما قدم الممثل والكاتب المسرحي حسام أبو عيشة مسرحية «فسيفساء القدس»، وعرضت شوارع في القدس المحتلة، استعرض فيها الأماكن المقدسة والبلدة القديمة ومعاناة أهلها، مؤكداً أن المسرح هو أداة لإيصال معاناة الشعب الفلسطيني للمجتمع الدولي، وحقه في الحرية والاستقلال، لافتاً إلى أن الاحتلال دمر العديد من دور العرض المسرحي في غزة والضفة.
علي أبو ياسين
نسيج فريد من نوعه
وعن الأدب الفلسطيني والمقاومة، يقول أستاذ الأدب في الجامعة الإسلامية بغزة البروفيسور عبدالخالق العف لـ«المجتمع»: إن الأدب الفلسطيني المقاوم نسيج فريد؛ شعره ونثره، لأن المبدعين فيه أصحاب قضية يجمعون في نصوصهم السردية روح الثورة والتحريض والتنوير، كلماتهم رصاص، وتراكيبهم قذائف في زمن الحرب والثورة، وفي زمن السلم، حروفهم قلائد ياسمين وصدفات ولآلئ من حنين.
مهنا: السينما الروائية والوثائقية سفير فلسطين للحفاظ على الحقوق والثوابت الوطنية
وأضاف أن الأدب الفلسطيني المقاوم طوال مائة عام تقريباً يعد وثيقة تاريخية، وسجلاً للبطولات والتضحيات، يحمل آلام الجماهير الفلسطينية الحرة الثائرة، وآمالهم في كل مراحل نضالنا كان الأدب وقود الثورة، وصدق محمود درويش:
قصائدنا بلا طعم بلا لون بلا صوت
إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت
وإن لم يفهم البسطاء معانيها فأولى
أن نذريها ونخلد نحن للصمت
عبدالخالق العف
واختتم العف حديثه بالقول: الأدب الفلسطيني المقاوم عظيم لقضية عظيمة وشعب عظيم وأرض مباركة عليها ما يستحق الحياة.