في 6 يونيو 2021 نشرت جريدة “هاآرتس” العبرية صورة القائد الفلسطيني يحيى السنوار، وهو يجلس مبتسما في مكتبه الذي دمرته الطائرات “الإسرائيلية”، وعلقت عليها بأن الصورة توجه رسالة: “ما دمنا واقفين؛ فالعدو لم يهزمنا”.
وأضافت أن “هناك حالة إحباط سادت بين الجمهور الإسرائيلي، فبالرغم من اعتراض القبة الحديدية غالبية الصواريخ التي أطلقت من غزة، فستظل هذه الإنجازات تقابلها صورة السنوار وهو يبتسم”.
ومن الواضح أن تلك الصورة كان لها تأثير كبير؛ حيث اعتبرتها جريدة “يديعوت أحرونوت” حركة استعراضية لحماس.. كما أذاعت القناة العبرية 13 صورا للسنوار، وهو يتجول في قطاع غزة متحديا قوة “إسرائيل” الصلبة.
تقييم جديد للقوة
من الواضح أن تلك الصورة أثارت خوف “الإسرائيليين”؛ فمن أهم دلالاتها أن إرادة الشعب الذي صمم على تحرير أرضه أقوى من قوة “إسرائيل” الغاشمة التي تستخدمها في تدمير المباني، وقتل المدنيين، لكنها لا تصمد أمام قوة الإيمان بالله.. وهذا يفتح المجال لإعادة دراسة القوة وتقييم تأثيرها، وفتح آفاق جديدة لبنائها.
تحدى السنوار “إسرائيل”، ومضى يتجول في شوارع غزة، قائلا: إن “أكبر هدية يمكن أن يقدمها الاحتلال لي هي أن يغتالني؛ فأمضي إلى الله شهيدا، اليوم عمري 59 سنة، وأفضل أن أستشهد بالصواريخ على أن أموت بسبب كورونا، أو جلطة، أو حادث طريق.. أفضل أن أقتل شهيدا”.
نظرية الرنتيسي!
وهذه نظرية مهمة قدمها المجاهد الشهيد عبد العزيز الرنتيسي، يمكن أن تسهم في تفسير شجاعة أبطال فلسطين الذين خططوا لطوفان الأقصى، وجاسوا خلال الديار، وهم يضحون بأنفسهم لتحرير فلسطين.
هذه النظرية يمكن أن تسهم في تحرير الإنسان من كل أشكال العبودية، ليتمتع بالحرية الحقيقية: حرية الإيمان بالله الواحد الأحد واهب الحياة.
تقوم نظرية الرنتيسي على أن الموت آت لا محالة، وأنه نهاية كل حي، وقد تعددت أسباب الموت؛ فهو قد يأتي بالسرطان، أو بسكتة قلبية، أو جلطة في الدم، أو بأي سبب آخر.
يضيف الرنتيسي: “لكنني أفضل الموت بالأباتشي”، وهي الطائرة التي استخدمها جيش الاحتلال الصهيوني في اغتيال القيادات الفلسطينية، ومن أهمهم الشيخ أحمد ياسين.
وهذه النظرية تشكل مصدر قوة للمؤمنين الذين تشكل شهادتهم إلهامًا للشعوب؛ فوفاء للشيخ أحمد ياسين استجمع شباب غزة كل قوتهم الإيمانية والعقلية لإبداع أساليب جديدة في الكفاح.
إن الذي يريد أن يموت بالأباتشي أو الصواريخ يحلم دائما بالنصر، ويثق في أنه آت؛ فليس هناك احتمال للهزيمة أو الاستسلام.
يقول عبد العزيز الرنتيسي:
النصر آت! أين هو؟ فالعين لا *** تعمى ولكن يا لها تعمى البصائر
فالنصر يهدى للتقاة تفضلاً *** والله لا يُعلى سنام النصر فاجر
ولقد ذكر السنوار الأمة الإسلامية بهذه النظرية التي تشكل أساسا لقوة جديدة يعرفها المؤمنون، ويفوق تأثيرها القوة الصلبة الغاشمة.
أبطال فلسطين يستعرضون قوة إيمانهم
في عملية “طوفان الأقصى” اندفع شباب المقاومة الفلسطينية يستعرضون قوة إيمانهم في المغتصبات التي ظن الصهاينة أن حصونها تمنعهم، فوجدوا أنفسهم أمام أبطال لا يهابون الموت، عاشوا حياتهم في سبيل الله، فأبدعوا في ابتكار أسلحة جديدة يرعبون بها الأعداء، وعندما جاء وقت المعركة التي خططوا لها اندفعوا بقوة إيمانهم يصرون على تحرير أرضهم بابتسامة الواثق بنصر الله؛ فإن قدَّر الله الموت فهو شهادة في سبيل الله، ودم الشهيد يضيء للمقاتلين طريق النصر.
وتحدى محمد الضيف الذي واجه الموت في حياته مرات عديدة الاحتلال الصهيوني، وكان خطابه القوي ملهمًا لكل شباب المسلمين، فأعاد لهم الأمل والشجاعة والثقة في نصر الله.
بداية انتفاضة شاملة
ربما يكون خطاب الضيف (أبو خالد) القوي بداية انتفاضة شاملة يدرك فيها شباب الأمة معنى الحياة وأهدافها، ويستعيدون وظيفتهم الحضارية، ويحررون أنفسهم من الخوف.
ومشهد أبطال فلسطين وهم يواجهون الموت بابتساماتهم يثير الخيال؛ فالذي يريد الشهادة ويدرك أنها يمكن أن تكون أجمل خاتمة لحياة الأبطال الذين يعملون لتحرير القدس لا يخاف من تهديدات نتنياهو بقوته الغاشمة.
الأبطال يواجهون الموت بابتسامات تثير خيال المؤمنين، وأشواقهم للجنة في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتثير خوف الصهاينة الذين يحرصون على الحياة ورعبهم.
ليس من أجل العقارات!
يقول كاتب صهيوني اسمه ناعوم برنياع في جريدة يديعوت أحرونوت: إن حركة حماس لا تقاتل من أجل عقارات، بل تقاتل من أجل الوعي، وهي انتصرت بشكل كامل في معركة الوعي.
ولقد قدم أبطال فلسطين الأدلة على أن شجاعة الرجال، وقوة إيمانهم أهم أسلحة المستقبل، وهذا يمكن أن يضيء لشباب الأمة الإسلامية الطريق، ويزيد وعيهم بوظيفتهم الحضارية، وأهداف حياتهم.
فماذا لو تعلم الشباب نظرية الرنتيسي والسنوار، وشحذوا عقولهم، وأطلقوا لخيالهم العنان، وخرجوا إلى الميادين التي يكون الموت فيها أعظم وأشرف من الموت جوعا وعطشا وقهرا؟
إنه الدرس الذي قدمه أبطال فلسطين في معركتهم لتحرير الأقصى لكل المقاتلين من أجل الحرية.. رسالة هؤلاء الأبطال لشباب الأمة: “إنكم تستطيعون تحقيق النصر والمجد والعزة عندما تعيشون حياتكم في سبيل الله؛ فتكون خاتمتها الشهادة في سبيل الله”.
فهل تشكل ابتسامات الأحرار مرحلة جديدة في تاريخ الإنسانية؟!