في واحدة من أنجح ندواتها، عقدت رابطة الأدب الإسلامي العالمية بالقاهرة ندوتها الحافلة لتكريم د. غريب جمعة، الكاتب والمفكر الإسلامي المعروف، وإدارة مدارسة علمية حول كتابه الرائد «قبس من إعجاز القرآن»، الذي يضم بين دفتيه 16 مبحثًا تتناول عدة محاور إعجازية للقرآن الكريم، وتقع في 450 صفحة من القطع الكبير، تتناول الدرس الإعجازي في كتاب الله تعالى، بناء على أسسه العلمية وقواعده الراسخة، البعيدة كل البعد عن الرغبة في الإدهاش أو الإثارة، أو الخبط بغير منهاج، أو السير دون ما هدف دقيق.
وقد قسم المفكر الإسلامي د. جمعة هذا السفر النفيس على النحو التالي:
المبحث الأول: للدراسة العلمية للقرآن في ظل الانقلاب العلمي الكبير الذي طرأ على العقلية العلمية بعد انفلاق الذرة وما فجرت به الحياة المعاصرة من أسرار حالية ومستقبلية، مما يوجب ضرورة الاستيثاق الكامل من الموازنة العلمية المنضبطة بكل دقة وحزم، بين حقيقة التحدي في كتاب الله تعالى في كل عصر ومصر، وحقيقة العلم الذي لا يقف عند حد ولا يستقر عند شاطئ.
الندوة تلتقي فيها كلمة العلم والفكر والدين والأدب لتجلية بعض من الإعجاز القرآني القائم على تصديق الوحي بالعلم
المبحث الثاني: لاستعراض أنواع الدارسين للقرآن الكريم، ما بين واهن التفكير الواهم، والانتهازي المتلون، والدارس الملحد، والدارس الأشعبي الذي يختلق الأحداث ليصدقها إشباعا لنهمه الزائد، والدارس المأسور بفكرة معينة بحقها وباطلها، وعلى أساسها يخاصم ويصادم، دون الاستغراق في حقائق العلم واستبانة دقائقه، وتثوير القرآن والكشف عن مكانزه وأسراره، ثم الدارس العلمي الذي يجهد جهده، والذي يدور مع الحقيقة العلمية حيث دارت، وهو الدارس الموصوف بقول الله تعالى: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (الحج 54).
ثم بدأ الكاتب المفكر د. جمعة يوزع مباحثه على أبواب ومفاصل الإعجاز العلمي في القرآن على النحو التالي:
المبحث الثالث: الإعجاز في العقيدة؛ فهي عقيدة مبنية على اليقين والحرية، قائمة بدليلها عقلًا ونقلًا، كما أنها شاملة وعادلة وممتدة وهادية.
المبحث الرابع: إعجاز القرآن الغيبي، بما يتفق مع القدرة الإلهية في خلق الأكوان وإيجادها وتسييرها على سننها ونواميسها، وتجلية جوانب الإعجاز في هذا الغيب المنظور والمستور؛ (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) (الإسراء: 105).
المبحث الخامس: إعجاز القرآن في عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الجامعة بين التوحيد الخالص والنبوة الصادقة والهداية الإنسانية العامة المحققة والمصدقة لقول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب: 21)، ثم درج الكاتب إلى مباحث الإعجاز العلمي من حيث التعريف والنماذج، فتناول بعضًا من أوجه الإعجاز في الشجر الأخضر.
ثم خصص المبحث السابع: لإعجاز القرآن العلمي الغيبي، ضاربًا بعض الأمثلة من علوم الأجنة والنجوم، ساردًا عشر شهادات لأساطير العلم في فروع مختلفة من العلوم، مثل كيث مور وتاجات جاسون، رئيس قسم التشريح بجامعة شاي بينغ ماي بتايلاند، الذي أهدى له د. جمعة كتابه الماتع، إلى أن وصل إلى شهادة شرويدر، أكبر علماء الجيولوجيا في اليابان.
إعجاز القرآن الكريم يمتد من عالم الشهادة إلى عالم الغيب ومن الذرة إلى المجرة ومن الإنسان إلى سائر المخلوقات
ثم تناول المبحث الثامن: بعضًا من الإعجاز الطبي في مجالات الغذاء والدواء.
والمبحث التاسع: حول الإعجاز التشريعي، خاصة في الجوانب الملتبسة على كثير من الدارسين كالحدود والمواريث.
فيما كان المبحث العاشر: حول الإعجاز السياسي في نظام الحكم وحرية الرأي، واعتماد الشورى كنظام وإمام.
والمبحث الحادي عشر: حول جوانب من الإعجاز في النظام المالي، ممثلًا لذلك بفريضة الزكاة وتحريم الربا.
ثم المبحث الثاني عشر: عن الإعجاز الاجتماعي بتفصيل القول في بيان حكمة توزيع الأنصبة للمواريث.
ثم المبحث الثالث عشر: فكان عن الإعجاز النفسي في الفكر والعاطفة والغريزة، والإرادة والضمير والوجدان.
المبحث الرابع عشر: تناول فيه الباحث الإعجاز الخلقي بين العادة والعبادة.
أما المبحث الخامس عشر: فتناول فيه الإعجاز البياني الأدبي، والرد على سخافات المعاندين والعلمانيين المعاصرين.
أما المبحث السادس عشر والأخير: فتناول الإعجاز في مجال التداوي بالقرآن وبما نزل فيه من الآيات والذكر الحكيم.
ويبقى القرآن كتابًا لا يغسله الماء، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد.
نور تنزل من نور على بشر من نوره لاح نور الصبح فينانا
يبلى الجديد من أنوار حكمته وما يزال جديداً مثلما كانا
إذا تلوت على الأيام آياته ألفيت عصور الدهر آذانا
وقد حشد الكاتب قائمة ضخمة من المراجع والمصادر التي ركن إليها في مجالات التفسير والدراسات القرآنية والمعاجم وعلوم السُّنة والسيرة النبوية الشريفة والفقه والأدب والشعر والعلم والطب والتخصصات العلمية الدقيقة والاقتصاد والاجتماع وسائل علوم الإنسان.
ما الضوابط العلمية المحكمة للتأسيس لدراسة الإعجاز العلمي للقرآن لسد الأبواب على دعاة الوهم والخرافة؟
وقد حضر الندوة لفيف متميز من رموز الفكر والعلم والشعر والطب والأدب والدراسات الإسلامية والاقتصادية، كان في مقدمتهم د. صابر عبدالدائم يونس، رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية بالقاهرة، العميد السابق لكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، الفائز بوسام الجمهورية من الدرجة الأولى لهذا العام، ود. مصطفى الجيزاوي، العميد السابق لكلية الطب بجامعة الأزهر، ود. محمد جمعة، ود. مصطفى موسى، الأساتذة بجامعة الأزهر، والشاعر سعيد الصاوي، والمفكر الإسلامي د. محمود بطوش، أستاذ علم اللغة، والأدباء الشعراء محمد الشرقاوي، وأسامة عيد، ود. نوران فؤاد، وفايز جعفر، رئيس رابطة الأدب الحديث، ود. سلطان المهدي، ومحمد سعد أبو الرضا، وممدوح حمودة، ورموز شعراء رابطة الأدب الإسلامي نوال مهنا، ومحمد الشرقاوي محمد حافظ، ود. محمود خليل، وجمع غفير من رواد الفكر والعلم والأدب والثقافة.
ومن المعروف أن د. جمعة من مؤسسي رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ومن روادها الأوائل خاصة في مجال الإعجاز الطبي، ببحوثه المتميزة في «الطب في الإسلام» الصادر عام 1980م عن مطبعة الكيلاني بالقاهرة، و«فتح الوهاب شرح حديث الذباب» الصادر عام 1982م، و«أدب التربية والمواعظ» الصادر عام 1980م، التي كانت توزع مجانًا ضمن المشروع الفريد «سبيل الله» الذي كان قد أسسه أ. رشاد كامل كيلاني، نجل الرائد العربي لأدب الأطفال كامل كيلاني، كمشروع خدمي لإثراء الثقافة الإسلامية والفكر الوسطي الرشيد، وإحياء زكاة الهمة في عموم الأمة.
كما كان د. جمعة من أوائل تلاميذ فارس الإعلام الدعوي، المتواري عن الأنظار م. محمد توفيق أحمد، رائد دار «تبليغ الإسلام» وصاحب التجربة الفريدة بإصدار جريدة «البريد الإسلامي» بـ7 لغات التي ظلت توزع في أنحاء العالم كافة من عام 1943 حتى توقفها عام 1990م بعد وفاته، عليه الرضا والرضوان.