د. شيخة المطوع
عندما هب سيدنا موسى مستعجلاً للقاء ربه، مشتاقاً لرؤيته، تهفو نفسه لمناجاته والمثول بين يديه، والتمتع بالنظر لوجهه الكريم، ناداه ربه أن «اخلع نعليك» بحضرة ملك الملوك، قيوم السماوات والأرض، لا ينبغي أن تقبل إليه بنعلك الذي مسته الأدران فتخدش طهارة المكان، وأنت تقبل عليه أقبل عليه بكلك، وافتقر إليه وتخلَّ حتى عن المخيط الذي يحوي قدمك، أقبل إليه حافياً ذليلاً، كما ستلاقيه غداً في المحشر عارياً مجرداً من كل ثوب أو نسب أو حسب أو حتى لقب، اترك وراءك كل ما يثقل كاهلك، أو يعيق مسيرة تقدمك؛ (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) (طه: 12).
تخيلت ذلك الحوار الرباني في هذه الليالي المباركة، وتذكرت نفسي وأنا أخلع نعلي لأطوف في البيت، وألقي التحية من وراء الحجرات، وحلقت في رحاب الآيات، لأجد أن هناك ما ينبغي أن نخلعه قبل أن نقبل إليه بكليتنا، ونناجيه بألسنتنا، ونتوجه إليه بقلوبنا.
إن حملناها معنا ساءت أحوالنا، وتدهورت عبادتنا، وتدنست قرباتنا لربنا.
إنها نفسنا التي بين جنبينا إن أقبلنا إلى ربنا ونحن نحملها بين أكفنا، وقدسنا مكانتها، وعظمنا منزلتها، ومننا على ربنا بإنجازاتها، فسيكلنا ربنا إليها وما فيها من ضعف وعوج وتقصير، وستتلاشى كل الأعمال لتصبح هباء منثوراً.
اخلع قبل الإقبال عليه كل أعمالك وقرباتك وإنجازاتك، ولا تمنن تستكثر وقل: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص: 24).
اخلع كل متعلقاتك ومكانتك ومنزلتك واسمك اللامع وتولّ إلى الظل وقل: رب أبرأ من حول عبد ضعيف إلى حول رب قدير.
اخلع كل اعتباراتك وسوء ظنك، والحق بركب المساكين المنكسرين المتذللين وقل: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) (التوبة: 60).
اخلع كل قيامك وصيامك وخشوعك وخضوعك ودموعك وقل: (مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا) (يوسف: 88).
واختم رمضانك بدعاء أبينا وسيدنا إبراهيم عليه السلام: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة: 127)، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة: 128).