لا نبالغ إذا قلنا: إن النسوية (الفيمنست) طريق ممهدة إلى الإلحاد، وإن قناعات النسويات معادية للدين، ولو تزينت بثوبه وادّعت زورًا ما ليس فيه، وإذا كان الملحد غير مستقر نفسيًّا، متناقضاً في داخله، يسمح لنفسه ما لا يسمح به لغيره، وليس لديه محظورات أو محرّمات؛ فكذلك «الفيمنست» تسوّغ لنفسها المحظور، وتكسر بتطرف بيّن وجرأة عجيبة حواجز المجتمع وأسوار الشرع الحكيم، وتطرح الشبهات بهدف زعزعة الإيمان في قلوب الموحدات، فإذا ما سارت على «الأجندة» الغربية والخطط التي تأتيها من الخارج أضحت –فعليًّا- في طريق الإلحاد، وربما انتهى بها المطاف إلى الانتحار، في ظل وجود صراعات ومحاذير كثيرة، كما وقع لنسويات عربيات غرّهنّ هذا المذهب الهدّام.
حقيقة النسوية
ظاهر النسوية برّاق مغرٍ لمن لا يدرك أهدافها؛ فهي وإن نادت بحقوق المرأة من منطلق إنساني، فإنها لا تفعل ذلك من واقع الخبرة البشرية أو ما تعارفت عليه الأديان، أو حتى فطرة الله التي فطر الجنسين عليها؛ بل انتقامًا من الأعراف والأديان المحرفة التي انتقصتها حقوقها، فلما واتتها فرصة التعبير عن آرائها انطلقت تخبط خبط عشواء، متهمة الجميع بعدم الإنصاف، وبدلًا من المطالبة بحقوق المرأة التي أقرتها المجتمعات المعتدلة، شرعت في الضغط من خلال هذه الحركة لمساواة المرأة بالرجل، دون مراعاة للفروق الطبيعية بين الجنسين، فادّعت أولًا أن العالم المعاصر عالم ذكوري يعامل النساء بطريقة غير عادلة، من ثم وجب محاربة هذا النمط «الجندري»، بالمساواة التامة بين الجنسين، إلا في اللباس، وما خلا ذلك فهو حق لها، بما في ذلك حق الإنجاب وحق منع الحمل وحق الإجهاض.
النسوية الإلحادية
غالبًا ما يصرح الملحدون بأن الأديان قائمة على التحيز ضد النساء، وهو ما تعتبره النسويات شهادة في حقهم، حتى نشأ ما يسمى بـ«النسوية الإلحادية» لتوكيد هذا المعنى، الذي وإن انطبق على مذاهب وأديان محرّفة، فإنه لا ينطبق بدون شك على الإسلام، إلا أن الإطار الإلحادي استوعب هؤلاء «الفيمنست الملحدات»، اللاتي أسقطن هذه الفكرة على الجميع، وأعطين لأنفسهنّ الحق -من ثم- في التحرر الجنسي، ونشر الإباحية، ونبذ الدين، والتمرد على الشرع، والانسلاخ من حاضنة الأسرة.
ولا يخفى ما يقمن به من هجوم على الإسلام؛ دينًا وشريعة، لمخالفة معتقده معتقدهم، وإذا كنَّ يرين أن الرجل هو النموذج المثالي وأنهن يسعين لتكرار هذا النموذج؛ فإن الإسلام لا يرى هذه الرؤية، فإنه حطم أسطورة الذكر التي وُجدت في المجتمعات الأخرى، وجعل نموذجه المثالي قائمًا على التقوى ومكارم الأخلاق، للرجل والمرأة على السواء.
بضاعة وافدة
كما وفد إلينا الإلحاد من طريق الغرب ومباذله، وجدت النسوية لنفسها موطئًا في بلادنا، بفعل اليهود أولًا الذين يريدونها فتنة، ويريدوننا نحن على الأخص حطبًا للمفتونين، وكما يخترعون «الموضات» نشروا هذا الفكر لتشويه الدين، وبروتوكولات حكماء صهيون شاهدة على ذلك.
وقد لاقت هذه الدعوة آذانًا صاغية جُبلت صويحباتها على النفاق، والجري وراء الشهوات، فوجدن فيها انحلالًا من سلطان الدين، فلا حرج من البوح بتلك الأفكار، بل المجاهرة بالفواحش.
ومما غذّى هذه الحركة النسوية تلك الغارة على عالمنا الإسلامي، التي تعصف بأبنائنا كل ساعة، وتشكك في ديننا، وتقسّم مجتمعاتنا إلى رجال ونساء يعادي كل منهما الآخر، وتخلق صراعًا وهميًّا لا يصح أن يكون في ظلال شريعة غراء أنصفت حتى الحجر والشجر.
هي إذًا شبهة غربية غرضها تشويه الإسلام وإهالة التراب على منجزاته الحضارية وأدواته في إنصاف المرأة والنهوض بها؛ ليقع في ظن السفيهات أن الإسلام في عداوة معهن، فلا يستقيم من بعد ذاك التدليس أن تظل مؤمنة به، وكيف تؤمن بدين يريدها أَمَةً للرجل، فاقدة لأهليتها؟!
ضد الشرع
إذا كان الملحد يقول: «لا للدين»، فإن «الفيمنست» تقولها بصيغة أخرى أكثر تحفظًا؛ أي إذا كان الملحد صريحًا واضحًا في عدائه للدين، فإن «الفيمنست» تبقي شعرة، هي شعرة المنافقين، فالله تعالى يقول: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) (النساء: 34)، و«الفيمنست» تقول: بل لا قوامة له عليَّ، رافضة أن يكون الطلاق بيده، أو أن يأخذ ضعفها من الميراث، ورافضة أن يعدد؛ في حين لا ترى غضاضة في الشذوذ والزواج من الجنس الواحد، وفي الإجهاض، وفي الزنى التي حرمها الله بدعوى أنها حرة في جسدها ولا سلطان لأحد عليه.
وإن الحرية المطلقة التي تطالب بها النسوية تتناقض مع فكرة العبودية لله والانقياد لشرعه، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) (الأحزاب: 36)، وهو تمردٌ على الشرع، ورفضٌ لمبادئ الإسلام وأحكامه في العلاقة بين الجنسين، بل إن بعضهن تخطى هذا الإنكار لحدود الله إلى الكفر جهارًا والطعن في ذات الله، وإلى تكذيب صحيح السُّنة بما لا يصرح به غلاة الملحدين.
اتجاه مناهض للفضيلة
لا يزال اللاتي يتبنين هذا الاتجاه النسوي يتفاخرن بازدرائهنّ للدين، والسخرية من الأخلاق والفضيلة، بل الإعلان عن تعاطيهن الفواحش والشذوذ، وهي أمور باتت معلومة للكافة، واعتبرت النسوية الحديثة كل علاقة بين رجل وامرأة، ولو في إطار الزواج، لا تتم برضا الأخيرة فهي اغتصاب يعاقب عليه الرجل؛ ما يفتح أبواب الرذيلة ويهدم بالتالي صرح الأسرة، والأنكى أنها تطالب أيضًا بإعطائها الحق في تحديد نوعها الجنسي الذي تريده، وأن تمارس الجنس مع من يروق لها، سواء داخل إطار الزواج أم خارجه، أبعد هذا يكون فسقٌ ومروق؟
بارك الله فيك مقال رائع وطرح للموضوع متميز