اندلعت الحرب التي شنتها مليشيا «الدعم السريع» المتمردة ضد الدولة السودانية، في أبريل 2023م، وسط أجواء صراع حول السلطة، حيث تعود جذور الصراع عقب التغيير الذي حدث عام 2019م بعد الثورة التي أطاحت بالنظام السابق لحكم عمر البشير، وترجع أسباب الحرب إلى الخلاف حول كيفية دمج «قوات الدعم السريع» داخل مؤسسة الجيش السوداني؛ ما أدى إلى تصاعد التوترات بشكل أكبر، وبدأ القتال في العاصمة الخرطوم، لكنه سرعان ما امتد إلى مناطق أخرى في السودان، بما في ذلك إقليم دارفور وأجزاء من كردفان وولاية الجزيرة ومؤخراً ولاية سنار.
تسببت الحرب الدائرة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» المتمردة في معاناة جماعية للمدنيين ودمار واسع النطاق، حيث بلغ عدد الضحايا في آخر تقرير للأمم المتحدة، في 21/ 12/ 2023م، أكثر من 15 ألف قتيل، ومليوني لاجئ، وأكثر من 10 ملايين نازح داخلياً، كأكبر عملية نزوح داخلي في العالم؛ وبالتالي أصبح السودان بهذه الأرقام أكبر دولة مصدرة للاجئين في العالم.
وحذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أن الاستجابة الإنسانية الدولية للسودان لا تزال تعاني من نقص التمويل بشكل حاد، رغم تحذير المنظمات الإنسانية من المجاعة، حيث لم يتم تلبية التماس الأمم المتحدة إلا بنسبة 5% فقط؛ ما جعل احتياج أكثر من 14 مليون طفل (نصف أطفال السودان) إلى المساعدة الإنسانية.
منظمات دولية وثقت أدلة على وقوع جرائم حرب وضد الإنسانية قامت بها «الدعم السريع»
ووثقت منظمة العفو الدولية ومنظمات أخرى أدلة على وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قامت بها مليشيا «الدعم السريع» المتمردة، وذلك بارتكاب القتل غير المشروع للمدنيين، والتدمير للمتاحف والمستشفيات والبنى التحتية المدنية والمنشآت البحثية، والنهب الممنهج لممتلكات المدنيين ومقدرات الدولة.
وقد أفرزت الأزمة السودانية العديد من مظاهر انتهاك القانون الدولي الإنساني، من قتل المدنيين بصورة عشوائية، وأحياناً بناء على الهوية، أو حجزهم ومنع تنقلهم إلى المناطق الآمنة، وكمثال لممارسة القتل الوحشي بناء على الهوية والعرق ما شهدته مدينة الجنينة من أحداث وحشية وعنف مفرط في حق المدنيين العزل؛ حيث قُتل المئات وجُرح الآلاف، وتم تدمير المستشفيات والبنى التحتية، وفر الآلاف إلى دولة تشاد المجاورة، وطبقاً للتقارير الدولية، فإن الانتهاكات التي حدثت في مدينة الجنينة لم تحصل في أي مكان بالعالم.
جرائم حرب
ووثقت منظمة العفو الدولية ومنظمات أخرى أدلة على وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وغيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني في مدينة الجنينة وما حولها من قرى وحواضر تابعة لحاضرة الولاية، وتمت تلك الممارسات كلها من جماعات تابعة لـ«قوات الدعم السريع».
ومن مظاهر انتهاكات القانون الدولي الإنساني استخدام العنف الجنسي كسلاح للحرب تمارسه مليشيا «الدعم السريع» المتمردة، ولم يثبت إطلاقاً عن الجيش السوداني مثل هذه الممارسات، وفي تقرير قديم للمبعوث الأممي فولكر تورك قبل استقالته ومغادرته السودان، ذكر أنه ومنذ بدء النزاع في أبريل 2023م وثق مكتبه أكثر من 60 حادثة عنف جنسي مرتبطة بالنزاع، شملت ما لا يقل عن 120 ضحية في جميع أنحاء البلاد غالبيتهم من النساء والفتيات، وذكر أنه من المؤسف أن هذه الأرقام لا تعكس إلى حد كبير الواقع، وذكرت التقارير الأممية أن رجالاً يرتدون زي «الدعم السريع» ومسلحين ينتمون إليها مسؤولون عن هذه الحوادث الموثقة.
إشراك الأطفال في النزاع من قبل «الدعم السريع» انتهاك صارخ لاتفاقية حقوق الطفل
ومن اللافت للانتباه في هذا الصراع إشراك الأطفال في النزاع المسلح من قبل مليشيا «الدعم السريع»، وهذه المسألة تعد انتهاكاً صارخاً للبروتكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن إشراك الأطفال في النزاع المسلح والسودان ملزم به، وفي حديث للمبعوث الأممي السابق تورك عن صدمته إزاء تزايد الدعوات بتسليح الأطفال، وذكر أن مكتبه تلقى مؤخراً تقارير تجنيد قوات «الدعم السريع» مئات الأطفال كمقاتلين في دارفور، وأعرب أن هذه الممارسات تشكل انتهاكاً صارخاً للبرتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل.
ومن أوجه مخالفات وخرق القانون الدولي الإنساني في هذه الحرب ظهور المرتزقة والداعمين لهم من دول الجوار ومن خارج القارة مساندة لمليشيا «الدعم السريع» المتمردة؛ حيث تم توثيق المئات وهم يقاتلون إلى جانب «الدعم السريع» ومعظمهم من دول الجوار، ويعملون لقاء المغانم التي يتم الحصول عليها من ممتلكات المواطنين الذين يفرون من مساكنهم بسبب نيران الحرب، وأحياناً يتم الحصول عليها من مؤسسات الدولة كالبنوك ونحوها؛ إذ ليس بالإمكان توفير مرتبات ثابتة لهم أو استحقاقات ما بعد الخدمة أسوة بالقوات النظامية.
وفي الشهر الأول من اندلاع الحرب، نشر الجيش السوداني عبر منصات إعلامية تابعة له فيديو يظهر فيه من قالت: إنه «قائد حركة» تابع لإحدى دول جوار السودان، ظهر ذلك القائد وهو يقاتل إلى جانب «قوات الدعم السريع» في الخرطوم، وما يعضد تورط المرتزقة من دول الجوار للسودان في النزاع الدائر هو ما صرح به رئيس بعثة «يونتاميس» السابق فولكر بيرتس بأن عدد المرتزقة الذين جاؤوا من 3 دول مجاورة للسودان بدعم من «الدعم السريع» لا يستهان به، وأفاد شهود عيان في الخرطوم بسماعهم مقاتلين من «الدعم السريع» يتحدثون الفرنسية؛ ما يشير إلى أنهم أجانب.
إهمال دولي
وفي السياق، وجدت أحداث الحرب الدائرة في السودان اهتماماً بالغاً من قبل المستويين الإقليمي والدولي، ولكن لم يحظ بأي مؤشرات لإيقافها؛ بسبب عدم ممارسة الضغط الكافي لذلك، وأصبح المجتمع الدولي مشغولاً بقضايا أخرى مثل حرب روسيا وأوكرانيا، حيث ذكرت المنظمات الإنسانية أنها لم تحصل سوى على 15% من الأموال اللازمة لعملياتها، وإذا ما تم الالتزام بتعهدات جنيف فستحصل هذه المنظمات على نصف ما تطلبه.
وفي تقرير له، ذكر ألكسندر كييروم عن مجلس اللاجئين الدنماركي، أن مستوى التمويل في السودان مخزٍ، ويضيف أنه في أوكرانيا بعد شهرين من الحرب كانت النسبة 68% من الأموال اللازمة لمواجهة الأزمة متوفرة، وتناسي أزمة السودان والتباطؤ في حلها يطرح تساؤلات؛ من مثل: هل أدار المجتمع الدولي ظهره إلى حرب السودان؟
المجتمع الدولي أدار ظهره لأزمة السودان ولم يمارس ضغوطاً كافية لوقف الانتهاكات الجسيمة
وللإجابة نجد أن المجتمع السوداني ما زال يتجرع ويلات الحرب التي استمرت لعامها الثاني، وتمثلت المعاناة في القتل العشوائي والجوع والنزوح واللجوء وفقد الممتلكات، حيث تعد حرب السودان من أعنف وأشرس الحروب التي شهدتها القارة الأفريقية، والمجتمع الدولي عبر آلياته يملك مفاتيح إيقافها، إلا أن التجاهل أضحى سيد الموقف.
من جانبه، أكد تييغري شاغوتا، مدير المكتب الإقليمي لشرق وجنوب أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، تعرض الشعب السوداني للإهمال والتجاهل على مدار عام كامل، حيث تحمل وطأة الاشتباكات العنيفة بين طرفي الصراع.
وقد أخفقت الجهود الدبلوماسية حتى الآن في وضع حد للانتهاكات أو توفير الحماية أو محاسبة مرتكبي جرائم الحرب؛ وبالتالي يمكن القول: إن المجتمع الدولي أدار ظهره لأزمة السودان؛ لأنه لم يمارس ضغوطاً كافية لوقف الانتهاكات الجسيمة التي لحقت بالمدنيين.
إن الحرب في السودان يمكن أن تفتح جبهة جديدة ضد أوروبا والغرب لصالح روسيا، وذلك بتدفق موجات الهجرة من جديد، وهذا يمثل مصدر قلق للاتحاد الأوروبي؛ لذا ينبغي حل أزمة السودان بكل الوسائل الممكنة من خلال الدعوة لمشاركة دبلوماسية مكثفة وعاجلة على أعلى المستويات، سواء بشكل مباشر أو مع الدول المجاورة التي لها نفوذ، وكذلك اتخاذ الخطوات الضرورية لوقف فوري لإطلاق النار، وضرورة حل كل الخلافات التي أدت إلى نشوب الحرب.