قامت الصهيونية، منذ تأسيسها قبل أكثر من 120 عامًا، على فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين، ومع مرور الزمن، بدأت تظهر تصدعات في هذا المشروع، وهو ما كشفه الباحث والمؤرخ اليهودي إيلان بابيه، في مقال نشر على موقع «سايدكار» البريطاني، مقدماً رؤية متكاملة تضع المشروع الصهيوني في موقف هش قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انهياره.
يقدم بابيه في مقاله الذي حمل عنوان «انهيار الصهيونية»، تحليلاً نقدياً للوضع الراهن في «إسرائيل»، مركزاً على التحديات والتهديدات التي تواجه دولة الاحتلال.
يبدأ بابيه وهو معروف بمعاداته للصهيونية بوصف السابع من أكتوبر 2023م بـ«الزلزال الذي ضرب مبنى قديماً» الذي كشف الشقوق في أسس المشروع الصهيوني، ويطرح سؤالاً حول إمكانية انهياره بعد أكثر من 120 عاماً على تأسيسه على أرض فلسطين.
ويجيب بأن هناك عوامل تاريخية قد تتسبب في انهيار أي دولة، مثل الهجمات المستمرة من الدول المجاورة، والحرب الأهلية المزمنة، وتفكك المؤسسات العامة وعجزها عن تقديم الخدمات للمواطنين.
ثم يعدد المؤشرات التي تدعم قناعة الكاتب بحتمية زوال الصهيونية، وهي على النحو الآتي:
1- الانقسام الداخلي:
يناقش بابيه بداية انقسام المجتمع اليهودي الصهيوني إلى معسكرين متنافسين، هما: «دولة إسرائيل» التي تتكون من اليهود الأوروبيين العلمانيين والليبراليين، و«دولة يهودا» التي ظهرت بين المستوطنين في الضفة الغربية وتسعى لتحويل «إسرائيل» إلى «ثيوقراطية» (دينية) تمتد على كامل فلسطين التاريخية.
هذه الانقسامات تعكس تناقضات عميقة بشأن الهوية اليهودية وطبيعة الدولة.
ويقول: غادر نصف مليون «إسرائيلي» من أتباع معسكر «دولة إسرائيل»، خارج البلاد منذ أكتوبر، وهذا مؤشر على أنّ «دولة يهودا» تبتلع البلاد، وهذا مشروع سياسي لن يقبله العالم العربي على المدى الطويل، وربما العالم أجمعه.
2- الأزمة الاقتصادية:
أما الأزمة الاقتصادية فمؤشر آخر على التفكك، ففي الربع الأخير من العام 2023م تراجع اقتصاد دولة الاحتلال بنحو 20%، إلى جانب الاعتماد على المساعدات المالية الأمريكية التي بلغت أكثر من 158 مليار دولار منذ تأسيس الكيان، حسب مركز خدمة أبحاث الكونغرس، تفاقمت هذه الأزمة لعدم كفاءة وزير المالية سموتريتش الذي يقوم بتحويل الأموال إلى المستوطنات في الضفة الغربية.
فضلاً عن فاتورة الحرب على غزة التي تسببت بخسائر قياسية بلغت نحو 16 مليار دولار، بحسب وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية.
3- العزلة الدولية:
تتحول «إسرائيل» تدريجياً إلى دولة منبوذة، خاصة بعد حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر، وهو ما برز مؤخراً في قرارات محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية التي تشير إلى احتمال ارتكاب «إسرائيل» لجريمة إبادة جماعية وضرورة اعتقال قادتها لارتكابهم جرائم حرب.
4- التغيير الجذري بين شباب اليهود حول العالم:
كما يشير بابيه إلى التغيير الجذري في مواقف الشباب اليهودي حول العالم، فخلال الأشهر التسعة الماضية بدا العديد على استعداد للتخلي عن ارتباطه بالصهيونية، والمشاركة أكبر بحركة التضامن الدولية مع فلسطين.
5- ضعف جيش الاحتلال:
يتمثل المؤشر الخامس في ضعف جيش الاحتلال «الإسرائيلي» بعد أحداث 7 أكتوبر، فبالرغم من امتلاك الجيش أسلحة متطورة، فإن عملية «طوفان الأقصى» كشفت نطاق قوة هذا الجيش كما يقول بابيه، وهو ما أدى إلى استنزاف للقوات وضغوط لإلغاء الإعفاء العسكري لليهود الحريديم وبدء تجنيدهم.
6- تجدد الطاقة بين الشباب الفلسطيني:
أما المؤشر السادس والأخير فيتمثل في تجدد الطاقة بين الجيل الشاب من الفلسطينيين، حيث يتميز بوحدة وترابط ورؤية أوضح لمستقبلهم مقارنة بالنخب السياسية.
ويقول بابيه: بما أنّ سكان قطاع غزة والضفة الغربية من بين أصغر السكان سناً في العالم، فإنّ هذه الفئة الجديدة ستكون لها تأثير هائل في مسار معركة التحرير.
ويشير إلى انشغال الشباب بإقامة منظمة ديمقراطية حقيقية -إما منظمة التحرير الفلسطينية مجدّدة، أو إقامة منظمة جديدة كلياً- تسعى إلى رؤية تحرّرية تقف على النقيض من حملة السلطة الفلسطينية للاعتراف بها كدولة.