تجرد وإنصاف
إن المتأمل لحال المسيحية المعاصرة يراها متخبطة حائرة، ظالمة جائرة، إذ تتحد بقوة مع اليهودية الحاقدة وتتخذ منها صديقاً ودوداً، وتحارب الملة الإسلامية السمحة وتتخذ منها عدواً لدوداً، في الوقت الذي ترى فيه شريعة الإسلام قد أنصفت المسيح وأمه، وحكمت لهم بالطهارة والقدسية، وأمرت باحترام المسيحيين، وبِرّهم، وحفظ حقوقهم، والإقساط إليهم.
وترى فيه تعاليم اليهود -فيما دَوّنه التلمود- تسيء إلى المسيح وأمه، وإلى الكنائس ورهبانها وأساقفتها، وإلى المسيحية والمسيحيين جملة وتفصيلاً، إساءة بالغة على مرأى ومسمع من الجميع، ثم لا يتوبون ولا هم يذَّكَّرون! فمتى ينصفنا المسيحيون؟!
فبنظرة مدققة إلى ما سجله عنهم التلمود، وما كشفه الآب برانايتس في كتابه الشهير «فضح التلمود»، نرى ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب مسيحي في ذم اليهودية التلمودية الحاقدة للمسيحية وأتباعها وما يمت لها بصلة.
اليهود بالغوا في ذم المسيح فوصفوه باللقيط وادَّعَوْا أنه كان ابناً غير شرعي!
وفي هذا الصدد، يقول كُتّابُ التلمود: «إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين القار والنار، وإن أمه مريم أتت به من العسكري «باندارا» عن طريق الخطيئة، وإن الكنائس النصرانية هي بمقام القاذورات، وإن الواعظين فيها أشبه بالكلاب النابحة، وإن قتل المسيحي من الأمور المأمور بها، وإن العهد مع المسيحي لا يكون عهداً صحيحاً يلتزم اليهودي القيام به، وإن من الواجب أن يَلعَن اليهودي -ثلاث مرات- رؤساءَ المذهب النصراني، وجميع الملوك الذين يتظاهرون بالعداوة لبني إسرائيل»(1).
والتلمود هو الكتاب الثاني عند اليهود بعد التوراة، يشتمل على تعاليم خطيرة يعتبرونها شرحاً أو تفسيراً مقدساً للتوراة، وقد طبع التلمود في أكثر من 36 مجلداً بأكثر من لغة، وكان الهدف منه في بداية الأمر ذمَ المسيحِ ابنِ مريم وأمِه وأتباعه، والتهكمَ على ديانته وإنجيله، حقداً منهم حتى لا يترك اليهود ديانتهم ويدخلوا في ديانة المسيح عليه السلام(2).
ومن هنا بالغ اليهود في ذم المسيح وما يمت له بأي صلة، فوصفوه بـ«الممزير»؛ أي اللقيط، وادّعَوْا أنه كان ابناً غير شرعي، حملت به أمه وهي حائض، ثم وصفوا البتول أمه بالبغِي الساقطة، ووصفوا الإنجيل بوثيقة الكذب والخداع، وأن تعاليمه افتراء وهرطقة يستحيل إدراكها، وادعوا أن معجزاتِه الباهرةَ أعمالُ سحر وشعوذةٌ تعلمها بمصر، وأنه مجنون، مُشَعوِذ، ومضلِّل، ثم زعموا أنه صُلِب ثم دفن في جهنم، فنصبه أتباعه منذ ذلك الحين وثناً لهم يعبدونه، وإلهاً يمجدونه(3).
.. وينظرون إلى المسيحية على أنها ديانة وثنية لأنهم اتخذوا من المسيح وثناً لهم
وحاشا لنبي الله وكلمته، وعبده ورسوله، أن يكون كما قالوا، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً.
المسيحية في نظر اليهود
ينظر اليهود -بعيون تلمودية- إلى المسيحية على أنها ديانة وثنية، لأنهم اتخذوا من المسيح وثناً لهم، ولذا فهم يرون أن كل طقوس المسيحية وثنية أيضاً، فكَهنتهم يدعون كهنة بَعْل، وكنائسهم تدعى بيوت الكذب والوثنية، ويعتبر كل ما تضمه هذه الكنائس أيضاً من كؤوس القربان، وتماثيل، وكتب، إنما وجدت لتكون طعاماً للأوثان، صلاتهم الخصوصية والعامة معاً هي صلوات أثيمة وعدوانية بالنسبة للرب، بينما تدعى أعيادهم الدينية بأيام الشيطان(4).
المسيحيون في نظر اليهود
يرون أنهم بهائم بأشكال آدمية، لا يستحقون أن يسموا بشراً، بل إنهم أهل لتسميتهم بهائم (بقر، حمير، خنازير، كلاب..)، بل إنهم أسوأ من الكلاب، يتناسلون بطريقة أردأ من الحيوانات، فأصلهم شيطاني بهيمي، وأرواحهم تولد من الشيطان، وإلى الشيطان تعود في الجحيم بعد الممات، وأنه لا تختلف جثة مسيحي ميت عن جثة الحيوان(5).
ما يلزم اليهودي تجاه المسيحي
وعلى اليهودي ألَّا يُحَيِّي مسيحياً، وألَّا يرد عليه التحية، ولا يَمثُل أمام قاضٍ مسيحي، ولا يجوز قبول مسيحي شاهداً (أمام القضاء)، ولا يجوز لليهودي أن يأكل طعاماً مسيحياً، ويجب تجنُّب المسيحيين؛ لأنهم أشرار، وعدم الاستعانة بهم لا كظئر (مرضعة)، ولا كمعلم، أو طبيب، أو حلَّاق، أو كطبيب مولد؛ وذلك لأنهم نَجِسون ووثنيون، ويجب عدم التعامل مع المسيحيين وعدم استعمال أي شيء يتعلق بالديانة المسيحية(6).
عداوة اليهود للمسيحيين
ومما نقله الآب برانايتس في فضحه للتلمود أنهم قالوا: يجب إفناء المسيحيين، والإضرار بهم، ويجب قتلهم دون رحمة؛ لأنهم طغاة، واليهودي الذي يقتل مسيحياً لا يقترف إثماً، بل يقدِّم إلى الله أضحية مقبولة، والأضحية الوحيدة الضرورية بعد هدم الهيكل هي إفناء المسيحيين، والذين يقتلون المسيحيين سيحتلون مكاناً سامياً في الجنة، وقتل الأمراء أولاً (حكام الفاتيكان)، فأكثر ما يكره اليهود الإمارة التي عاصمتها روما.
المسيحيون في نظر اليهود بهائم بأشكال آدمية لا يستحقون أن يسموا بشراً!
ومحظور على اليهودي منح هباته أو بيع أرضه إلى المسيحيين أو تعليم التجارة لهم، ويجب الإضرار بأعمالهم، وكل مفقود يخص المسيحيين يجب ألَّا يعاد إليهم، بل يجوز الاحتيال عليهم، ويستطيع اليهودي التظاهر بالمسيحية للاحتيال على المسيحيين، ويحق له الكذب والحلف بيمين كاذبة لإدانة المسيحي، فعلى اليهودي أن يحاول خداع المسيحيين دائماً، ويجب الإضرار بهم على صعيد الأمور الحياتية الضرورية، فيجب الامتناع عن مساعدة مريض مسيحي، والامتناع عن مساعدة امرأة مسيحية عند مخاضها، والامتناع عن مساعدة مسيحي يواجه خطر الموت؛ ويجب الامتناع عن نفعهم، والثناء عليهم أبداً(7).
متى يفيق المسيحيون؟
وبعد، فما كتب في هذا المقال الذي قبله هو غيض من فيض عن موقف اليهود من المسيح والمسيحية والمسيحيين، وما يبطنه اليهود لهم من حقد وعداوة بالغة منذ اللحظة الأولى لميلاد المسيح، مروراً بمراحل شبابه، ونبوته، ودعوته، وتحريف شريعته.
ونختم بالتأكيد على ما بدأنا به من تخبط المسيحية المعاصرة وجورها في موالاتها لليهودية الحاقدة على الرغم من كل ما فعلوه بالمسيح وما أضمروه للمسيحية من بغض وعداء، وإصرارها واستمرارها في معادة الشريعة الإسلامية السمحة وأتباعها، على الرغم مما حوته من إنصاف وإكرام للمسيح وأمه، هذا الإنصاف الذي جعل النجاشي، كبير النصارى بالحبشة، تفيض عيناه من الدمع عندما سمع مقالة القرآن في حق المسيح وأمه، ويقر بأنها مقالة حق وصدق.
شريعتنا أنصفت المسيح وأمه والمسيحيين جميعاً في كل عصر ومِصْر
وإذا كانت شريعتنا قد أنصفت المسيح وأمه عليهما السلام، فإننا نؤكد إنصافها للمسيحيين جميعاً في كل عصر ومِصْر، إذ قال الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8)، وفي الحديث النبوي: «من آذى ذمياً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله»(8)، وفي سنن أبي داود: «ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصـه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة»(9)، فمتى يفيق المسيحيون؟!
_____________________________
(1) معركة الوجود، أ.د. عبدالستار فتح الله.
(2) مقالات عن المسيحية والمسيحيين، أ.د. عمر عبدالعزيز قريشي.
(3، 4، 5، 6، 7) بتصرف واختصار من كتاب فضح التلمود، الآب أي بي برانايتس.
(8) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.
(9) صحيح سنن أبي داود.