حادثة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في إيران صبيحة الحادي والثلاثين من يوليو سيكون لها أثر بالغ في مجمل الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» من جهة، وفي العديد من التحولات والتعقيدات الدولية، كون الحادث وقع في طهران تحديداً.
فهل كانت الرسالة في هذه الحادثة موجهة إلى حكومة إيران، أكثر من كونها موجهة لحركة «حماس»؟ أم أنها مقرونة بمقتل فؤاد شكر في لبنان، محاولة «إسرائيلية» لتحقيق انتصار زائف يجمّل وجه حكومة نتنياهو في حال نجاح الضغط الأمريكي على حكومته لقبول الهدنة المقترحة منهم، خاصة أن هناك إجماعاً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على ضرورة إيقاف الحرب.
لن يختلف المراقبون كون «إسرائيل» بالرغم من كل ما أحدثته من دمار في قطاع غزة والواقع الإنساني المأساوي الذي خلفته، فإنها لم تستطع حتى الآن تحقيق أهدافها من هذه الحرب المتمثلة في القضاء على «حماس» وإطلاق سراح الأسرى، وهذا ما وضع الإدارة «الإسرائيلية» فريسة لضغط الرأي العام الداخلي، وأفرز ذلك تراجع شعبية حكومة بنيامين نتنياهو، في ظل تزايد الرفض العالمي واتساع حلقاته الرافضة لما تقوم به «إسرائيل» في غزة؛ وهو ما دفع الإدارة الأمريكية لاتخاذ خطوة باتجاه تبني هدنة بين الطرفين، وضغطت بشدة باتجاه الوصول لهذه الهدنة على الحكومة «الإسرائيلية».
ولما كانت الحكومة «الإسرائيلية» ترى أن أكبر ظهير دولي لحركة «حماس» تمثله إيران، فإنه ينبغي لها أن تضرب «حماس» في جدار ظهرها الصلب من جهة، ومن جهة أخرى البحث عن انتصار عاجل وسريع يعمل على استعادة التوازن للحكومة «الإسرائيلية» وسط شعبها ويوقف نزيف تراجع القبول الشعبي لها.
لذلك ليس من المستبعد أن تكون زيارة نتنياهو لأمريكا وتقديمه دفوعات عن حرب أهل غزة أمام الكونغرس، هي الزيارة التي رسمت من خلالها خطة ضرب إيران واستعادة توازن الحكومة «الإسرائيلية» في الشارع.
فبعد عملية اغتيال هنية، وشكر، سيصبح متاحاً لنتنياهو الذهاب إلى التفاوض للهدنة دون الشعور بالهزيمة أمام الرأي العام المحلي في «إسرائيل».
ولعل «إسرائيل» التي لم تسارع بتبني اغتيال هنية على عكس تبنيها لعملية اغتيال شكر، أرادت أن تضع إيران أمام تحدٍّ حقيقي، فالحادثة في المقام الأول ضربت هيبة المنظومة الأمنية في إيران، وانتهكت سيادتها كدولة.
و«إسرائيل» على المدى الطويل أدركت أن سياسة إيران تجاه «إسرائيل» قائمة على تجنب المواجهة المباشرة معها، في ذات الوقت تعلم مدى دعمها للمقاومة الفلسطينية، لذا فإنه لم يكن مستغرباً السكوت الإيراني عن اتهام «إسرائيل» في الساعات الأولى في محاولات لتقييم الموقف، حيث لم يصدر رد فعل تجاه «إسرائيل» إلا بعد اجتماع مجلس الأمن الإيراني وتوعده «إسرائيل» بالرد القاسي.
إن هذه الحادثة ربما تشكك بقدر كبير في إمكانات الحرس الثوري الإيراني وكفاءته ومقدراته؛ إذ كيف يفسر في وجوده وقوته أن يحدث اختراق كهذا في قلب العاصمة الإيرانية، وربما يقود ذلك لفقدان الشعب الإيراني لثقته في المنظومة الأمنية في بلاده؛ مما يمكن أن يشكل مدخلاً مستقبلياً لحدوث ثورات ناعمة في إيران.
غير أن السؤال المهم، كيف سيكون الرد الإيراني على هذا الحادث؟ فالرد المباشر ربما يكون صعباً على إيران وإن توعدت به علناً، فوفقاً لماضي الصراع الإيراني «الإسرائيلي» الذي استهدفت فيه «إسرائيل» منشآت نووية وعلماء إيرانيين واستهدفت سفارة إيران في سورية كان رد الفعل الإيراني ضعيفاً باستثناء حادث السفارة.
الرد الإيراني يمكن أن يكون من خلال تواجدها في لبنان وسورية والعراق، إذ لن يحدث بالأصالة، وإنما بالإنابة، لكن يبقى السؤال المهم: ما أثر اغتيال القائد هنية على حركة «حماس»؟
لا شك أن حركة «حماس» فقدت عنصراً صلباً من عناصر العمل السياسي، وأن جزءاً من هدف اغتيال القائد هنية هز ثقة الحركة في أجهزتها التي يقع عليها عبء تأمين القيادات وإرسال رسالة أن «إسرائيل» بمقدورها ملاحقة قادة «حماس» في أي مكان، وإن قيادات الحركة تظل هدفاً مستمراً.
غير أن مسيرة حركة «حماس» تشير الشواهد فيها إلى أن فقدان قيادي يعني تفريخ الحركة لعدد من القيادات الجديدة، ومسيرتها عامرة بمثل هذه النماذج.
لذلك لا يتوقع أحد أن هذه الحادثة يمكن أن تكون سبباً في تراجع أداء أجهزة حركة «حماس»، التي مرت بمحن أصعب من ذلك ونجحت في تجاوزها.
وبذات اليقين، فإن رد حركة «حماس» سيكون الأقوى، فهي صاحبة مواقف مشهودة، ولا تتحدث حديثاً سياسياً في موقع يستوجب الفعل العسكري.
إن عملية اغتيال هنية ستكون بالنسبة لإيران محطة يصعب عبورها في ظل توجه حكومتها القائم على الانفتاح في علاقاتها الخارجية وخاصة مع أمريكا، فالموازنة هنا ربما تكون أكثر تعقيداً على حكومة طهران، وستظل تحت الضغط ما بين الرد العاجل على «إسرائيل»، أو استخدام سياسية امتصاص الصدمة.
وعلى صعيد حركة «حماس» والداخل الفلسطيني، ستطرح مجموعة من الأسئلة: هل سيودي اغتيال هنية لتقارب الفصائل الفلسطينية، ويبدأ مشروع التوافق الفلسطيني، أم ستظل الحال على ما هي عليه؟ وكيف ستعيد حركة «حماس» ترتيب أوراقها بعد هذا الحادث؟
وهل ينجح نتنياهو في تسويق حادثتي الاغتيال لصالح حكومته، ويصبح ذلك سبباً في تنامي شعبيته، أم يصبح هذا الحادث باباً من أبواب جهنم فتحته «إسرائيل» على نفسها؟