كاتب المدونة: أسامة حسن غريب
في تصريح غير مسبوق، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديداً صريحاً ضد دولة الاحتلال، محذراً من التدخل العسكري التركي في حال استمرار «المذبحة الدائرة في غزة».. هذه الخطوة الجريئة تعكس تحولًا في الموقف التركي من الوساطة والدبلوماسية إلى استعداد لاتخاذ إجراءات أكثر حسمًا وقوة على الأرض، مما يثير تساؤلات حول تداعيات هذا التهديد على الساحة الإقليمية والدولية.
يأتي هذا التصعيد في سياق دور تركي متنامٍ في الشرق الأوسط، حيث تسعى أنقرة لتعزيز نفوذها كقوة إقليمية مؤثرة، لكن، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن ترجمة هذا التصعيد إلى أفعال ملموسة على الأرض؟ ومن سيدعم تركيا في هذا المسعى؟ والأهم من ذلك، أين هي المواقف العربية من هذه التحركات؟
في حين رد الاحتلال بسرعة على تهديدات أردوغان، حيث أشار وزير خارجية دولة الاحتلال إلى مصير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فإن هذه التصريحات المتبادلة تكشف عن مدى تصاعد التوترات الإقليمية، لكنها تبرز أيضًا واقعًا مؤسفًا يتمثل في تجرؤ القوى الخارجية على قيادات المنطقة بسبب ما يعتبره البعض ضعفًا عربيًا وإحجامًا عن اتخاذ مواقف حاسمة.
من اللافت للنظر أن مثل هذه التصريحات القوية ضد الاحتلال غالبًا ما تأتي من دول غير عربية مثل تركيا وإيران وحتى بعض دول أمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا، هذه الدول تظهر مواقف صلبة وواضحة في الدفاع عن الحقوق العربية، بينما يظل الصوت العربي في كثير من الأحيان ضعيفًا أو غائبًا، هذا التخاذل يثير تساؤلات حول الأسباب التي تجعل الحكومات العربية تتجنب اتخاذ مواقف مشابهة بنفس القوة، وهل يعكس ذلك تحفظًا إستراتيجياً أم ضعفًا في الإرادة السياسية؟
إن صمت العديد من الحكومات العربية وعدم اتخاذها مواقف واضحة تجاه انتهاكات الاحتلال يثير القلق ويعزز من شعور الاحتلال بعدم وجود رد فعل عربي قوي، هذا الواقع يجعلهم يتجرؤون على اتخاذ إجراءات أكثر عدوانية، دون خشية من رد فعل عربي موحد وقوي، فهل غياب المواقف الحازمة من قبل الحكام العرب يعكس خشية من التبعات الدولية، أم أنه يعبر عن انقسام داخلي بين الأنظمة السياسية؟
تصريح أردوغان كان ضرورياً لإرسال رسالة واضحة إلى قادة دولة الاحتلال بأن الصبر قد نفد، وأن الوضع الحالي لا يمكن قبوله، ومع ذلك، يبقى السؤال عن مدى جدية هذه التهديدات ومدى استعداد تركيا لاتخاذ خطوات فعلية لدعم الفلسطينيين في غزة، في الوقت نفسه، يبقى السؤال الأكبر حول ما إذا كانت الدول العربية ستظل مكتفية بالمراقبة من بعيد، أم أنها ستتخذ مواقف أكثر حزمًا وقوة في الدفاع عن حقوق شعوبها ودعم القضية الفلسطينية؟
في النهاية، يمكن القول: إن تصريحات أردوغان قد تكون بداية لنقلة نوعية في موقف تركيا من الصراع «الإسرائيلي» – الفلسطيني، ولكن يبقى التنفيذ العملي لهذا التصعيد العامل الحاسم في تغيير المعادلة، ومع ذلك، فإن الموقف العربي الضعيف والمتحفظ يظل العائق الأكبر أمام تحقيق تغيير حقيقي ومستدام في المنطقة.