من آيات إعجاز القرآن الكريم في صناعة السلام، ذكرنا منها: المساواة بين الناس جميعاً، وبناء العلاقة المبنية على السلام والتعاون بين المسلمين وغيرهم من الأمم، والحرية حق لكل إنسان، وكذلك أن أصل العلاقة بين المسلمين تقم على المسالمة لا التقاتل.
وفي هذا المقال نتحدث عن إعداد القوة الرادعة للعدو الذي ربما يفكر في الاعتداء على المسلمين، وهو ما يطلق عليه في الفكر الإستراتيجي «قوة الردع».
لقد حث القرآن الكريم المسلمين بإعداد القوة والعدة لردع الأعداء، قال تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ {60} وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الأنفال).
وفي هذا أولى الخطوات، وبداية السبيل، لصناعة السلام، حيث إن ضعف المسلمين يغري أعداءهم بالاعتداء عليهم وديارهم، وتدمير بلادهم، ونهب ثرواتهم.
وفي المقابل، نجد ثلة من المنافقين لا هَمَّ لهم إلا تحريف كلام الله تعالى، واتهام الإسلام بأنه دين إرهاب، مستذكرين الآية سالفة الذكر.
ولرد هذه السهام المسمومة نؤكد أن كلمة «الإرهاب» في الآية الكريمة ليس معناها الاعتداء على الأبرياء، وترويع الآمنين، وقتل المخالفين، والتنكيل بالمعارضين، وتدمير العمران وتخريب البنيان، كما يدعي هؤلاء، ولكن المراد تخويف المجرمين وردع المعتدين، ومنع أعداء الله من النيل من المسلمين، وثرواتهم، وكذلك لحماية السلام، ونشر الأمان، وبناء الحضارة، فكلمة الإرهاب للردع وليست للقتل.
ولذلك نؤكد أن من يريد سلاماً يجب أن يمتلك القوة اللازمة لحماية هذا السلام.
ولننظر إلى سيرة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وإستراتيجيته الحكيمة في فتح مكة؛ فحين وصل بجيشه إلى مشارف مكة، أراد أن يستعرض جيشه أمام أبي سفيان لإدخال الرعب في قلوب قريش، فيدخل مكة فاتحاً دون قتال وإسالة الدماء، فأمر الفرق والرايات والألوية التي تشكل الجيش المسلم، ووقف العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أبا سفيان قائلاً: هذه راية بنو فلان، وهذه راية بني فلان، وهذه ألوية بني فلان، حتى قال أبو سفيان: لقد كبر ملك ابن أخيك يا عباس، فرد العباس: إنها النبوة وليست الملك يا أبا سفيان.
ونجحت خطة الرسول صلى الله عليه وسلم بزرع الرعب في قلب أبي سفيان، فعاد لتوه إلى أهل مكة صائحاً: لقد جاءكم محمد بما لا قبل لكم به، من دخل داره فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن؛ فدب الرعب فيهم ولزموا دورهم، ودخل محمد صلى الله عليه وسلم مكة دون دماء محققاً فتحاً عظيماً وصفه القرآن بالفتح المبين، قال تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً {1} لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً {2} وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً {3} هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (الفتح).