جاء الإسلام مكملًا للأديان التي سبقته، وكانت تقتصر على العبادات دون أن تتضمن منهاجًا للمعاملات، ووضع الإسلام باعتباره الدين الخاتم منهاجًا شاملًا للإنسان في علاقته بربه، وعلاقته بمجتمعه والآخر، ورتب جداول تفصيلية لتنظيم علاقة الأسرة بعضها بعضاً حتى بعد وفاة رب الأسرة في عملية الميراث، ومن بين أنواع الحماية التي حرص الإسلام عليها، تلك الحماية الشاملة للأسرة المسلمة في مواجهة التغيير المتسارع للرغبات والاحتياجات والتطور العصري الحديث الذي يذهل في إغراءاته الكثير من النفوس الضعيفة.
وكما أوضح القرآن الكريم أن الله تعالى أهدى للإنسان طريقين أحدهما للطاعة والعبادة والخير، وهو طريق النجاة، والآخر للمعصية واتباع الرغبات، وهو طريق الشر والشهوات؛ (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد: 10)، فإن الأمر أكثر وضوحًا في تلك التعاليم الحمائية التي سيج بها الإسلام المؤمنين به وكان الطريق أكثر وضوحًا في وضع خطوط استقامة للأسرة المسلمة، تبدأ منذ ولادة الطفل وحتى شيخوخته، وتتنوع تلك الخطوط لتشمل كافة أفراد المجتمع رجالًا ونساءً أطفالًا وصبية وشبابًا، الكل وضع له الإسلام منهج تربية إذا ما اتبعه كان حصنًا وقلعة آمنة له ضد محاولات الغرب استلاب عقله وربما دينه.
استهداف الأسرة
ومن مفردات ما يسمى بالحداثة ومحاولة تسييدها على عالمنا الإسلامي تلك المنظومة المتكاملة لما يسمى بحقوق المرأة والطفل والحريات الفردية، التي تستهدف في مجملها التخلص من مفهوم الأسرة التي يقوم عليها المنهج الإسلامي.
وفي الإسلام، تُعتبر الأسرة نواة مجتمعية قائمة على القيم الربانية، وتستمد هويتها من الدين، والآيات القرآنية تؤكد أهمية رابطة الزوجية كقاعدة لاستمرار النوع الإنساني، ومع ذلك، بدأت عمليات تفكيك هذه الروابط عبر الترويج لمفاهيم مثل «الزواج المدني»، التي تسعى لفصل الزواج عن أحكام الشريعة الإسلامية؛ مما يهدد القيم والأحكام الشرعية المتعلقة بالإرث والحضانة والنسب.. وغيرها.
ومن الصعوبات التي تواجه الأسرة في تربية النشأ على منهج الإسلام هذا العالم الافتراضي الذي دخل كل بيت، وكاد يقتلع عقول الأطفال والصبية والشباب بما يعرضه من صفحات للإلحاد والتبشير والشذوذ، وعبادة الشيطان، والدعارة، إضافة إلى الدعوات المفرطة للمخدرات تجارة وتعاطيًا، ومن بين كل هذه الصفحات تتسلل أيدي الأجهزة الاستخبارية للتجسس واستهداف الأوطان وتجنيد الصبية والشباب لخدمة الأهداف الاستعمارية.
وأمام كل هذا التدفق المذهل والمزين بأشكال وإغراءات تخاطب الفئات المختلفة وفق رغباتها يبقى على الأسرة المسلمة أن تحيط أولًا بكل هذا المضمون، وأن تستنفر ثانيًا للاستناد إلى التربية الإسلامية لتحصين الأسرة بمختلف أفرادها ضد هذا التدفق المذهل الذي لا يمكن لرب الأسرة أن يمنع أولاده أو حتى زوجته من الاطلاع عليه؛ لأن أجهزة الهاتف أصبحت لصيقة بالشخصية، ولا يمكن لأحد إجبار الآخرين على الاستغناء عنها؛ وبالتالي يبقى تحصين أفراد الأسرة بالتعاليم الدينية منذ النشأة وإلى أن يلقى الإنسان ربه هو الحصن الوحيد الذي يحمي الأسرة من أسلحة الغرب التي تحاول اغتيال القيم الإسلامية في قلب البيت المسلم، خاصة مع اتباع الأدوات الحديثة للاتصال والإعلام في ترويج تلك الأفكار وغيرها.
ويستخدم المبشرون التقنيات الحديثة، مثل الواقع الافتراضي، لتوسيع نطاق تبشيرهم، وعلى سبيل المثال، كان دي جي سوتو، الواعظ المسيحي الشهير، والناشط على الإنترنت، أشهر من استخدم التقنيات الافتراضية الحديثة في عام 2018م في التبشير، حيث قدم مواعظه لجماعات افتراضية عبر سماعات «أكلوس رفت»، وهو جهاز واقع افتراضي عبارة عن شاشة تركّب على الرأس، يحب أن يستخدمه الصبية والشباب لما يمثله من تجربة حية ومعايشة للأحداث والمواعظ.
وكان فيلم «يسوع» قد عرض أيضًا بتقنية «في آر»، في عام 2016م، لتجسيد حياة المسيح، كذلك، أنتجت شركة «إتش تي سي» التايوانية فيلم «المعجزات السبع» الذي يعرض معجزات يسوع عبر تقنيات الواقع الافتراضي.
وهكذا، يتم استخدام أحدث منتجات العصر التقنية في التبشير مما يضع تحديات كبيرة أمام الأسرة المسلمة لحماية أفرادها من الوقوع في إدمان تلك التقنيات ومن ثم تسليم عقولهم لأهداف منتجيها.
وتتمثل التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة في العصر الحديث في العديد من الأبعاد المتنوعة، التي تتطلب منا يقظة ووعياً عميقين، فمن محاولات إلغاء الهوية الذي يهدد القيم الدينية إلى محاولات تفكيك البنية الاجتماعية والتهديدات الثقافية، تواجه الأسرة المسلمة ضغوطات متعددة تسعى لتقويض دورها الحيوي في بناء المجتمع.
ومن الأخطار محاولات تغيير القوانين التي تحكم الأسرة الإسلامية، وهيمنة الإعلام الغربي على مفاهيم الأسرة والتربية، ومحاولات إعادة صياغة تعريف الأسرة بما يتعارض مع الفطرة السوية، مثل قبول أشكال زواج غير تقليدية أو شذوذ جنسي، وهي من الأخطار التي تتطلب من الأسرة المسلمة يقظة دائمة ووعياً شاملاً بكل ما يحاط بها، إضافة إلى تقديم نماذج وقيم إسلامية تحث على الفضيلة باستخدام التقنيات الحديثة من ناحية، وبإعادة الدور الاجتماعي للأب والأم داخل الأسرة من ناحية أخرى.
محددات حماية الأسرة
وإجمالًا يمكن استخلاص بعض الجوانب التي يحمي بها الإسلام الأسرة من تقلبات العصر في الآتي:
– الالتزام بتعاليم الإسلام في جميع جوانب الحياة الأسرية، مما يشكل أساساً قوياً يحمي الأسرة من الانحرافات.
– تشجيع المحبة والتراحم بين أفراد الأسرة، مما يخلق بيئة داعمة ومستقرة.
– غرس القيم والأخلاق الإسلامية في الأبناء منذ الصغر، لتنشئتهم على التقوى والصلاح.
– تعزيز الحوار المفتوح بين أفراد الأسرة؛ مما يساعد في حل المشكلات ومواجهة التحديات بشكل جماعي.
– توجيه الأسرة للتعامل مع التطورات التكنولوجية والثقافية بحكمة واعتدال، دون التفريط في القيم الدينية.
– التشجيع على الشراكة بين الزوجين في تربية الأبناء وتوجيههم، مما يعزز من استقرار الأسرة.
– توجيه الأبناء نحو طلب العلم والالتزام بالأخلاق الإسلامية، مما يمكنهم من مواجهة تحديات العصر بثقة.