مر اليوم العالمي للشباب، الذي يحتفل به العالم سنوياً في 12 أغسطس من كل عام، دون صخب أو اهتمام إعلامي وسياسي ومجتمعي، يليق بالحدث، وبتلك القوة الصاعدة والقادرة على التغيير والإنجاز، بإجمالي 1.2 مليار شاب، يمثلون 16% من سكان الأرض.
وتحظى المنطقة العربية بأفضلية في هذا المضمار، كونها تمتلك طاقة شبابية تجعلها في المركز الأول على مستوى العالم، من ناحية الأكثر شباباً، مقابل قارة أوروبية، هي الأكثر شيخوخة، وفق بيانات صادرة عن الأمم المتحدة.
ويميز البلدان العربية، كون متوسط أعمار سكانها تحت سن الثلاثين، خاصة مصر الأكبر سكانياً بما يزيد على 100 مليون نسمة، بمتوسط أعمار 23.9 عاماً، وليبيا 26.3 عاماً، والسعودية 29.8 عاماً، مقابل متوسط أعمار يصل في إيطاليا إلى 46.3 عاماً، وفي ألمانيا إلى 44.9 عاماً، وفرنسا 41.6 عاماً، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
وعلى الرغم من تلك الميزة النوعية، فإن المجتمعات العربية، إضافة إلى تجاهل الحدث، تفرض العديد من الضغوط والتحديات، التي تعوق تمكين الشباب سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً، وربما الزج بهم خلف أسوار الإحباط والاستبداد والبطالة والجريمة والانتحار، مع تغييب متعمد لتلك الطاقة الجبارة عن دوائر التأثير وصنع القرار.
أين الشباب العربي في مؤسسات الحكم؟ وأين هم في البرلمانات والمجالس التشريعية؟ وما حجم تأثيرهم في دوائر المال والأعمال؟ وما مدى تأثيرهم في اقتصاد وسياسة بلدانهم؟ وأين هم في مضمار العلم والابتكار والاختراع والإنتاج؟ ولماذا الإصرار على إبقائهم في مضامير الكرة والفن واللهو؟!
تساؤلات عدة وملحة، تطرح نفسها، في ظل عدم الاستفادة من هذا النمو الديموغرافي في عدد الشباب، مقابل شيخوخة يعانيها الغرب، ما يمنح العرب أفضلية نادرة، في إحداث تغيير جوهري في المستقبل، حال تثوير تلك الطاقة، وإجادة توظيفها في تحسين جودة مفاصل الدول والمجتمعات، والنهوض بها إلى آفاق واعدة.
حينما تدرك أن أعمار أكثر من 92% من سكان الشرق الأوسط تتراوح بين 15 و29 عاماً، أي أن نحو ربع سكان المنطقة (108 ملايين) من الشباب، فإننا أمام جيش ضخم، لا يقدر بثمن، مكوناته الطاقة والحيوية والإقدام والقدرة على الإبداع وعبور الصعاب، إذا ما أتيحت له الظروف، وفق إرادة حرة، وإدارة حكيمة، نحو التغيير.
لكن التناقض الصارخ، حينما تقارن بين الوضع القائم، وبين ارتفاع معدلات البطالة حول العالم، بنسبة 13%، العام الماضي، مع الأخذ في الاعتبار أن الدول العربية جاءت ضمن الأكثر معاناة من البطالة بالنسبة للشباب، وفق بيانات صادرة عن منظمة العمل الدولية.
ومن البطالة إلى الانتحار، هناك شخص واحد في العالم يموت منتحراً كل 40 ثانية، وأكثر من نصف المنتحرين دون سن الـ45، ويأتي الانتحار ثانياً ضمن أسباب الوفاة بين الشباب، بحسب منظمة الصحة العالمية.
مؤشرا البطالة والانتحار كاشفان عما يعانيه الشباب في العالم، خاصة في الوطن العربي، في ظل إقصاء سياسي، وتهميش اقتصادي، وقمع مجتمعي، وتدهور تعليمي، وانحلال إعلامي، يلقي بتبعات جسام على تلك الفئة، التي هي رافعة تقدم ونهوض، فإذ بها، بفعل فاعل، باتت أسيرة عوز واحتياج وحرمان وتفكك وتطرف وهجرة غير شرعية، وغير ذلك من تحديات تحول دون تمكين الشباب، ومنحهم حقوقهم الكاملة في بناء المجتمع، وقيادة دفة سفينة النهضة والتقدم.
وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية، خاصة الخليجية، تتمتع بقدرات مالية واقتصادية هائلة، فإن الشباب في تلك المجتمعات يتم دفعه بشكل متسارع وممنهج نحو ملاعب الكرة، وساحات الترفيه، ومهرجانات الغناء، وحلبات المصارعة، في وقت يسطر فيه الشباب الفلسطيني ملحمة أسطورية من المقاومة والصمود أمام ترسانة شرسة من القتل والعنف والتدمير.
إنه من الخطأ الفادح والجسيم أن يمر اليوم العالمي للشباب دون وقفات جادة، على كافة الصعد السياسية والتشريعية والاقتصادية والإعلامية والدينية والثقافية والفكرية، شريطة تقييم جاد وموضوعي للمعطيات على أرض الواقع، والإمكانات والموازنات المتوافرة لهذه الأجيال الواعدة.
نحن في حاجة ماسة وعاجلة إلى محاسبة حقيقية للجميع، عما قدمناه للشباب العربي، من أجل أن نتفوق بحيويته وطاقته، ولو لمرة واحدة، على الغرب الذي يعاني المرض والشيخوخة، وليس المراد هنا التفوق عدداً وكماً، بل أن نحقق تفوقاً نوعياً في ميادين العلم والعمل والإنتاج والابتكار والتكنولوجيا والتصدير، وغير ذلك من مجالات الحياة.
كذلك نحن بصدد رسالة سامية، مفادها أن نستدعي الشباب العربي من جديد، ونشحذ طاقاتهم نحو المحاولة، واستعادة الأمل، والثقة بالنفس، والعمل على الإصلاح، والتعاون البناء، وتبادل الخبرات، وصناعة جسور من التفاهم بين مكونات المجتمع، وتكوين مجموعات دعم وتحفيز، تتبنى قضاياهم، وتعمل على تحقيق أحلامهم، والتأثير في مجريات الأمور، إيجاباً لا سلباً، بناء لا هدماً، تقدماً لا تراجعاً.
أين الشباب؟ وكيف نوقظ طاقات هذا الجيش العرمرم؟ ومتى يكون الحاضر والمستقبل لهم؟ تساؤلات ملحة، تظل في حاجة إلى إجابة من الجميع.