أمر الله عز وجل المسلمين ألا يقاتلوا إلا من ظلمهم واعتدى عليهم، وعليهم أن يسالموا من سالمهم ولم يعتد عليهم، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (البقرة: 208)، والإسلام يكره الحرب، ويُنفر منها، قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ) (البقرة: 216).
فالقتال بحد ذاته أمر يكرهه الإسلام، إلا في حالة واحدة؛ وهي الدفاع ورد العدوان، ولم يُشرع القتال في بداية دعوة الإسلام لمدة 15 عاماً، ولم يؤذن به إلا لرد الظلم الواقع على المسلمين، قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ {39} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج).
فالذين قُوتلوا وظُلموا وأُخرجوا من ديارهم حُق لهم أن يدافعوا عن أنفسهم وأموالهم ضد المعتدين، ورد ظلمهم، قال تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ {190} وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ {191} فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {192} وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ {193} الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {194} وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة).
ولا يجوز أن يبدأ المسلمون بالقتال، يقول د. محمد عمارة، في كتابه «الإسلام والآخر»: «ولا يجوز للمسلمين أن يقاتلوا أحداً ابتداء وفجأة، فالقتال في الإسلام دفاعي ورد للعدوان، ولا يجوز أن يتجاوز القتال رد العدوان عن المسلمين وديارهم وإسلامهم سواء في مقاصد العدوان أو آليات وأدوات صد هذا العدوان».
ويضيف: «ولقد جاءت جميع آيات القرآن التي أذنت وأمرت وأوجبت وحثت على القتال لتحصر مشروعية القتال في رد عدوان الذين يقاتلوننا في الدين، أو يخرجوننا من الديار، أو يظاهرون ويساعدون على هذا الإخراج، ولتقف بهذا القتال –آفاقاً ومقاصد وآليات– عند رد العدوان فهو في الحقيقة قتال القصاص».
وعلى المسلمين أن يقدِّموا السلم على الحرب إذا وجدوا من أعدائهم ذلك، قال تعالى: (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) (النساء: 90).
ولكن القرآن يحذر المسلمين فيقول: (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً) (النساء: 91).
هل الكفر سبب للقتال؟
هل يجوز للمسلمين أن يقاتلوا غيرهم لأنهم كفار حتى يسلموا؟ لا يجوز بحال قتال الكفار لأنهم كفار، قال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8).
بل شرع الإسلام للمسلمين أن يُجيروا الكفار حتى يبلغوا مأمنهم وحمايتهم، قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ) (التوبة: 6).
حماية الكفار والدفاع عنهم
ويعتبر الإسلام من يعيش في ظل الدولة الإسلامية من غير المسلمين مواطنين ورعايا يجب حمايتهم والدفاع عنهم ضد أي اعتداء يهددهم.
ويجوز التحالف مع غير المسلمين ضد الأعداء، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما حالف قبيلة خزاعة الكافرة، وقرر صلى الله عليه وسلم أن يجرد جيشاً عظيماً عندما اعتدت قبيلة بني بكر المتحالفة مع قريش عليها وكان فتح مكة.
حماية الكافر من المسلم المعتدي
وأكثر من ذلك، فإن في شريعة الإسلام الدفاع عن غير المسلم إذا اعتدى عليه أحد من المسلمين، حتى ولو أدى إلى قتل المسلم المعتدي، هذا ما قرره علماء المسلمين في دفع الصائل المسلم عن المعتدى عليه إذا كان غير مسلم، جاء في حاشية الشرواني على تحفة المحتاج شرح المنهاج في الفقه الشافعي (9/ 184): «يجب دفع كل من المسلم والذمي عن الذمي»، ومال إلى ذلك إمام الحرمين الجويني في نهاية «المطلب»، وحجة الإسلام الغزالي في «الوجيز».