تصدرت المشهد الإعلامي والسياسي العربي هذه الأيام المؤتمرات التي انعقدت في العاصمة السويسرية جنيف والعاصمة السعودية الرياض، مرورًا بالقاهرة، حيث تجري المفاوضات بين الحكومة السودانية و«قوات الدعم السريع» برعاية أمريكية وإقليمية لإيقاف الحرب المشتعلة في السودان، التي بدأت في 15 أبريل 2023م، ولا تزال رحاها تنهك جسد الوطن السوداني.
عبر نافذة «المجتمع»، نستضيف الكاتب الصحفي والمحلل السياسي م. أمية يوسف حسن أبو فداية، الباحث المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، للحديث عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في السودان.
ما مدى نجاح المفاوضات بين الحكومة السودانية و«قوات الدعم السريع»؟
– الوساطة غير واضحة وغير دقيقة، ولا توجد إجابة حقيقية من الوسيط الأمريكي والمملكة العربية السعودية، الراعي الأساسي لمفاوضات جدة، حول سبب تحويل ملف المفاوضات من جدة إلى جنيف، ما تم الاتفاق عليه ولم يتم الالتزام به من «قوات الدعم السريع» هو خروجهم من بيوت المواطنين والأعيان المدنية (المدارس والمستشفيات والمرافق المدنية الحكومية) التي استولوا عليها بعد بداية حرب 15 أبريل 2023م، إذا لم يتم تهيئة الأجواء والبناء على اتفاق جدة.
ما أهم النقاط التي تم التوصل إليها؟
– تم الاتفاق على انسحاب «الدعم السريع» من بيوت المواطنين والمؤسسات المدنية كالمشافي والمدارس والجامعات، ومع ذلك، لم يتم الالتزام بذلك من قبل «الدعم السريع»، وإذا لم تُهيأ الظروف المناسبة سيكون من الصعب على الحكومة الاستمرار في المفاوضات.
هل هناك توقعات بتحقيق نتائج ملموسة على الأرض؟
– لست متفائلًا بتحقيق نتائج ملموسة في هذه الجولة، نظرًا لعدم وضوح رؤية الوسطاء، وعدم تنفيذ مخرجات اتفاق جدة بشكل مباشر.
هل تمتلك الدول الراعية للمفاوضات آلية لتنفيذ اتفاق جدة؟
– إذا كانت الوساطة ترغب بصدق في تنفيذ هذا الاتفاق وتحقيق استقرار وسلام حقيقي على الأرض، فعليها الضغط مباشرة على «الدعم السريع» والدول التي ترعاها وتدعمها لتنفيذ اتفاق جدة، حتى الآن، لا توجد بوادر من الولايات المتحدة الأمريكية أو الوسطاء الآخرين لتحقيق هذا الهدف.
ما الضمانات لتنفيذ الاتفاق؟ وكيف يتم التعامل مع الأطراف التي لا تلتزم به؟
– يجب تحديد النقاط التي تم الاتفاق عليها ووضع جدول زمني لتنفيذها، مع وجود جهة محايدة لمراقبة التنفيذ، مثل الشرطة السودانية، كما يجب فرض عقوبات على الأطراف التي لا تلتزم بالاتفاق.
تتحدث بعض المنظمات الدولية عن مجاعة في السودان، هل تؤكدون أو تنفون هذه المزاعم؟
– بالتعريف الدولي للمجاعات، لا توجد مجاعة في السودان بالشكل الذي يؤدي إلى فقدان الناس للطعام لدرجة عدم القدرة على الحركة والموت، لكنْ هناك نقص كبير في الغذاء، ولا يوجد تنوع غذائي؛ مما يسبب سوء تغذية في مناطق واسعة.
ما الأوضاع الفعلية على الأرض؟
– في المناطق التي تسيطر عليها «الدعم السريع» ومناطق النزوح، يعتمد السكان على «التكايا» (موائد يومية مجانية) تقوم عليها مبادرات مدنية.
حدثنا عن الأوضاع الإنسانية في ظل الحرب.
– هناك أكثر من 10 ملايين نازح داخل السودان، وحوالي مليوني لاجئ خارجه يعيشون أوضاعاً إنسانية مأساوية بسبب نقص الغذاء والاعتماد على التكايا التي تقدم نوعًا واحدًا أو نوعين من الغذاء (بقوليات)، الوضع الصحي كارثي، حيث تم استهداف 80% من المستشفيات والمراكز الطبية من قبل «الدعم السريع»؛ ما أدى إلى خروجها من الخدمة، وتوقفت العملية التعليمية برمتها منذ بداية الحرب، والكثير من الجامعات الخاصة خرجت من السودان نهائيًا وفتحت فروعاً لها خارج البلاد.
ما أبرز التحديات التي تعقد الأزمة الإنسانية؟
– أبرز التحديات هي التدخلات الإقليمية والخارجية، التي تساهم في استمرار الحرب وتعقيد الأزمة الإنسانية داخل السودان.
لماذا تواصل بعض الدول الإقليمية دعم مليشيا «الدعم السريع» المتمردة؟ ما دوافع هذا الدعم؟
– تستمر بعض الدول الإقليمية في دعم مليشيا «الدعم السريع» لأنها تطمع في الأراضي الزراعية والمعادن والموقع الإستراتيجي للسودان.
«الدعم السريع» لا تمثل إرادة وطنية في حربها على الدولة السودانية، بل تعكس إرادة غربية لتقسيم المنطقة العربية والإسلامية، وتم البدء بالسودان ليسهل السيطرة على موارده.
اتجهت الحكومة السودانية نحو عقد اتفاقيات مع الحكومة الروسية، هل النظام السوداني جاد في ذلك؟
– السودان مضطر للتوجه شرقًا وعقد اتفاقيات مع الروس بسبب عدم دعم الدول الغربية والإقليمية لاستقرار السودان، وبدلاً من ذلك، تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار فيه.
ما طبيعة هذه الاتفاقيات؟
– تتضمن الاتفاقيات تسليح الجيش السوداني أثناء وبعد الحرب، وإعادة بناء البنية التحتية في المناطق الآمنة، وعقد اتفاقيات اقتصادية في مجال النفط والمعادن وتقديم الخبرات الروسية في التقانة الزراعية.
بالعودة للوضع الإنساني، كيف تصف أوضاع اللاجئين في دول الجوار؟
– أوضاع اللاجئين صعبة، مع قصور في الدعم الدولي والمحلي، ولكنَّ هناك نقصاً في الطعام والأمن في بعض مناطق اللجوء؛ مما يجبر الكثير منهم على العودة إلى السودان.
تواجه بعض الولايات الآن غلاء فاحشًا وندرة في المواد الغذائية، هل الحكومة السودانية قادرة على إيصال المساعدات لهذه الولايات؟
– التحديات كبيرة، والحكومة تواجه صعوبات في توزيع المساعدات بشكل عادل، هناك حاجة ماسة لتخطيط محكم وضمانات لتوزيع المساعدات بشكل عادل وفعال.
ما الخطط لضمان توزيع المساعدات بشكل عادل؟
– يجب التنسيق مع المنظمات الدولية والمحلية ووضع خطة إستراتيجية لتوزيع المساعدات بناءً على الحاجات والأولويات.
صرح رئيس مجلس السيادة بقرب تشكيل حكومة انتقالية، هل الوقت مناسب لتشكيل حكومة قبل إيقاف الحرب؟
– الوضع الحكومي هش جدًا، ولا يوجد إسناد حقيقي للقوات المسلحة من قبل الحكومة القائمة، لا بد من تشكيل حكومة كفاءات سريعة من أولوياتها تحسين الحياة المعيشية للمواطن السوداني؛ لأن المواطن الآن يعاني بسبب تدهور العملة، وفقدان الوظائف وخروج مناطق كبيرة عن الزراعة.
ما التحديات التي قد تواجه الحكومة الانتقالية؟
– تواجه الحكومة الانتقالية تحديات كبيرة، منها معالجة الأوضاع الإنسانية والصحية، وتوفير الغذاء والدواء والخدمات، وتحقيق الأمن والاستقرار، كما يتطلب الوضع الاقتصادي إعادة بناء البنية التحتية وتسهيل الاستثمار وتحقيق الاستقرار النقدي.
انتشرت الكوليرا في ولايات الشرق ونهر النيل والشمالية، هل وزارة الصحة الاتحادية قادرة على مكافحة هذا المرض الخطير؟
– الأزمة السودانية أزمة معقدة بسبب السيول والأمطار؛ ما أدى إلى تدمير العديد من المنازل وتدهور البنية التحتية، انتشار الكوليرا يعكس تدهور الأوضاع الصحية والبيئية، وهناك حاجة إلى تدخلات عاجلة من الجهات الحكومية والمنظمات الدولية لمكافحة هذا المرض والحد من انتشاره.
ما الإجراءات المتخذة لمكافحة الوباء؟
– تم اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من الدعم الدولي لتقديم الرعاية الصحية الأساسية ومكافحة انتشار الكوليرا والأمراض الأخرى المرتبطة بالتدهور البيئي.
ما رسالتك إلى القوى السياسية والمدنية التي تتصدر المشهد السوداني؟
– الوطن أكبر من الحزبيات والآلام والمصالح الشخصية، إذا خسرنا السودان نتيجة للصراعات المدنية، قبل أن تكون عسكرية، وفشلنا في قبول بعضنا بعضاً في إطار مشروع وطني مشترك، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار السودان بالكامل، يمكننا أن نتنافس مدنيًا أو نتحالف مدنيًا، لكن الأولوية الآن يجب أن تكون للمحافظة على السودان وأرضه، والاحتفاظ بما تبقى من وطننا وفق رؤية وطنية تمثل الحد الأدنى من الاتفاق المشترك، بعيدًا عن السلطة الحاكمة أو المعارضة لها.
إذا فقدنا السودان، لا قدّر الله، فلن تكون هناك فرصة لنا للحديث عن السياسة أو المعارضة أو أي شكل من أشكال الحكم، علينا أن نفرّق بين المعارضة والخيانة والعمالة، والوطن والأحزاب السياسية والإرادة السياسية.
أخيرًا، هناك أمل كبير في أن يعود السودان أقوى مما كان عليه، فالحرب كشفت لنا أهمية الشعب السوداني وقدرته، وأظهرت لنا أن غياب السودان يمكن أن يؤدي إلى كوارث إقليمية وعدم استقرار يمتد ليشمل القرن الأفريقي، ويهدد أمن دول الجوار.