وصل الإسلام إلى البنغال (بنغلاديش الآن) من خلال التجار والدعاة العرب في القرن الثامن الميلادي، ويُعتقد أن أول مسجد في بلاد البنغال قد بُني في «جور»، التي تقع الآن في غرب بلاد البنغال، في عهد سلطنة دلهي (1206 – 1320م)، وانتشر الإسلام بسرعة في البنغال تحت حكم سلطنة دلهي وسلطنة البنغال (1352 – 1576م)، ويشكل المسلمون الآن أكثر من 90% من سكان البلاد.
وهناك بعض الشواهد المادية عن دخول الإسلام بنغلاديش في القرن الأول الهجري، فقد وجدت في محافظة كوريجرام آثار مسجد قديم، ونقوش إسلامية مؤرخة بعام 69هـ، كما وجدت عملة معدنية باسم الخليفة العباسي هارون الرشيد مؤرخة بعام 172هـ بـبهاربور في مقاطعة راجشاهي، وأخرى باسم أحد خلفائه وهو أبو أحمد عبدالله المستنصر بالله بـميناماتي في مقاطعة كوملا(1).
موقع متميز وثروات غزيرة
بنغلاديش الحالية دولة صغيرة المساحة نسبيًا، ولكنها غزيرة السكان، تقع في جنوب آسيا، تحدها الهند من الغرب والشمال والشرق وميانمار (بورما) من الجنوب الشرقي، تبلغ المساحة الإجمالية للبلاد 148.460 كيلومترًا مربعًا، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 171 مليون نسمة، ولدى الدولة أكبر عدد من الأنهار في العالم لكل كيلومتر مربع، فوفقًا لوزارة البيئة والغابات في بنغلاديش، يوجد ما يقرب من 230 نهرًا في البلاد؛ 7 أنهار كبرى، و80 نهراً متوسطاً، و149 نهراً صغيراً(2)، وأكثر من 15% من أراضيها غابات.
وبنغلاديش منتج رئيس للجوت وقصب السكر والقطن، بإنتاج سنوي يزيد على 1.5 مليون طن متري من الجوت، و2.5 مليون طن متري من القطن(3)، وهي من كبار منتجي الشاي بإنتاج سنوي يزيد على 60 مليون كيلوجرام سنوياً(4).
تقسيم بلاد البنغال
حتى عام 1858م كانت البنغال مقاطعة واحدة، ولكن، إمعاناً في تمزيق البلاد، قامت بريطانيا بتقسيمها في عام 1905م، إلى البنغال الشرقية (بنغلاديش الآن) والبنغال الغربية وهي (مقاطعة تابعة للهند الحالية (88.752 كم2)، وخلال الفترة الاستعمارية البريطانية شهدت بنغلاديش تغييرات اقتصادية واجتماعية وثقافية كبيرة، حيث تم قمع اللغة والثقافة البنغالية، وفرض الإداريون البريطانيون عليها أنظمة تعليمية وإدارية على النمط الغربي.
وأدى قرار تقسيم بنغلاديش إلى منطقة غربية وأخرى شرقية عام 1905م إلى الثورة نتيجة لتفاقم المشاعر القومية، مما جعل بريطانيا تتراجع عنه في عام 1911م، ولكن تم فصل غرب البنغال مرة أخرى، وكان هذه المرة فصلاً نهائياً، عند تقسيم الهند إلى دولتين، الهند وباكستان في عام 1947م.
المؤامرة الكبرى
كان سيناريو الخروج البريطاني من الهند معروفاً منذ نزول الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس عن عرشها وتسليم الراية للإمبراطورية الأمريكية، ومعلوم أيضاً أنه يستحيل على بريطانيا أن تترك دولة مثل الهند، يشكل المسلمون فيها أغلبية وتكون لهم اليد الطولى، ولذلك أعدت العدة لحصر المسلمين في معازل عن بقية الهند تحت شعار الاستقلال.
فطن المسلمون لهذه المكيدة الكبرى، ولكن بريطانيا كانت قد أعدت سيناريوهات الانفصال؛ من فتنة طائفية مفتعلة، ومذابح معدة للمسلمين، وعملاء سيقومون بخداع الجماهير المسلمة وإقناعهم أن الانفصال هو الحل، وقد كان.
يقترب عدد المسلمين من نصف عدد السكان في شبه القارة الهندية، حيث تضم وحدها أكثر من 30% من مجموع المسلمين في العالم، وهذا تجمع كبير للمسلمين، ولذلك كان لا بد من خطة شيطانية لسلخ الهند عن العالم الإسلامي، وتوزيع المسلمين الهنود وتشتيتهم في عدة دول بحجة الاستقلال.
كان حكماء وعقلاء وعلماء المسلمين ضد الانفصال، فقد انتقد مسلمو مدرسة الفكر الديوبندية فكرة إنشاء باكستان واعتبروها مؤامرة من قبل الحكومة الاستعمارية لمنع إقامة دولة هندية موحدة قوية، ولذلك ساعدوا في تنظيم مؤتمر مسلمي آزاد لعموم الهند(5)، كما جادلوا أيضًا بأن التنمية الاقتصادية للمسلمين ستتضرر إذا تم تقسيم الهند، وكانوا يرون أن فكرة التقسيم فكرة صُممت لإبقاء المسلمين في الخلف.
ولكن كانت بريطانيا قد جهزت محمد علي جناح، الإسماعيلي المذهب، لخداع الجماهير المسلمة التي كانت تتعرض آنذاك لحرب أهلية طائفية تنفخ فيها بريطانيا، انفصلت باكستان عن الهند وكانت تضم آنذاك بنغلاديش تحت اسم باكستان الشرقية.
انفصال باكستان عن الهند
في عام 1947م، انفصلت باكستان، وحكمها آنذاك محمد علي جناح، الإسماعيلي المذهب كرئيس للدولة، ولیاقت علي خان الشيعي، الذي شغل منصب رئيس الوزراء، كان لياقت علي من رجال بريطانيا، هو وأسرته من قبله، حيث شغل منصب وزير الدفاع، ووزير المالية في الهند إبان الاحتلال البريطاني، كما شغل أيضاً منصب وزير شؤون الكومنولث وكشمير من عام 1940م، قبل استقلال الهند.
زرعت السياسة التي اتبعها محمد علي جناح، ولياقت علي خان بذور الانفصال، فقد أصرا على فرض اللغة الأوردية على بنغلاديش، وتهميش اللغة البنغالية، ولم تحصل بنغلاديش، في عهدهما، وقد كان سكانها يمثلون 55% من الدولة، إلا على تمثيل محدود في الحكومة الباكستانية، هذا بالإضافة للتفاوت الاقتصادي الصارخ، وهيمنة الجناح الغربي للدولة (باكستان الحالية) على السلطة في شطري الدولة.
انفصال بنغلاديش
في 7 ديسمبر 1970م، حقق حزب رابطة عوامي تحت قيادة مجيب الرحمن نصراً ساحقاً في الانتخابات الباكستانية العامة، حيث حصل على 167 مقعداً من أصل 169، كانت بنغلاديش جزءاً من باكستان الموحدة وكانت تسمى آنذاك باكستان الشرقية، وقد ضمن ذلك الفوز لحزبه، حزب رابطة عوامي، تشكيل حكومة باكستان الموحدة وحده، لكن الحكومة المركزية في باكستان بقيادة الجنرال يحيى خان كان لها رأي آخر.
رفض الجنرال يحيى خان، رئيس البلاد آنذاك، السماح لمجيب الرحمن بتشكيل الحكومة، فكانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر باكستان، فقد اجتاحت مظاهرات ضخمة شرق باكستان (بنغلاديش الحالية) مطالبة بالانفصال، وبعد مفاوضات فاشلة لحل الأزمة الدستورية في باكستان الموحدة أعلن مجيب الرحمن، بدعم من الهند، انفصال واستقلال بنغلاديش عن باكستان في 26 مارس 1971م.
وفي ديسمبر 1971م تدخلت الهند عسكرياً لتحتل بنغلاديش وتسلمها لمجيب الرحمن كأول رئيس وزراء لبنغلاديش، فهل استقرت بنغلاديش بعد ذلك، وانتقلت من شظف العيش إلى الرفاهية التي وعدت بها من قبل حزب رابطة عوامي بقيادة زعيمه مجيب الرحمن؟
______________________
(1) الإسلام في منطقة البنغال وبنغلاديش الحالية، محمد فضل الرحمن، مقال منشور المجلة العربية، ج 6، ص3، عام 2001م، القسم العربي بجامعة داكا، بنغلاديش.
(2) وزارة البيئة، وزارة البيئة والغابات، حكومة بنغلاديش، (2020)، أنهار بنغلاديش.
(3) مكتب إحصاءات بنغلاديش (2020).
(4) المرجع السابق، الإحصاءات الزراعية في بنغلاديش (2020).
(5) The Indian Year Book (بالإنجليزية)، Bennett, Coleman & Company، 1942، p، 866.