يمضي الإنسان جانباً كبيراً من حياته باحثاً عن السعادة وأسرارها في دروب الحياة في صور كثيرة، منها المال أو الصحة أو النجاح أو الأبناء، ثم يجد نفسه في نهاية الأمر راكضاً خلف أشياء لا عمر لها ولا بقاء، فالمال قد يفارق صاحبه لأي سبب، أو أن صاحبه هو من يفارقه بمفارقة الحياة، والصحة تذهب بذهاب السنوات، والأبناء يتفرغون لحياتهم الخاصة ليعيدوا الكرة في أجيال جديدة، والنجاح يفقد قيمته بمرور السنوات ولا يبقى منه إلا ما كان لله وفي سبيله.
ويركض الإنسان في اتجاهات شتى بينما السعادة الحقيقية بين يديه وليست بعيدة عنه، السعادة الحقيقية لا تكون إلا في قلب موصول بالله، راض عنه، قلب لا يحب حين يحب في الله ولله، ويبغض حين يبغض لله وفي الله، قلب مطمئن بأن كل أقداره خير ما كان ملتزماً بطاعة ربه من ناحية، وسلامة صدره تجاه الخلق من ناحية أخرى، ضامناً بذلك الثبات على طريق السعادة، طريق الأمان حتى الآخرة، ولهذا الطريق 5 أسرار:
1- سلامة الصدر:
بني المجتمع الإسلامي على الأخوة والمحبة والمودة والتعاون والواصل بين المسلمين، وانتفاء أسباب الضغينة والأحقاد وأمراض القلوب، وأعلى درجات الأخوة الإيثار، وأدناها سلامة الصدر.
وقد حرص الإسلام على تطهير قلب المسم من أمراضه وجعله محط نظر الله عز وجل، فيقول تعالى: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ {88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء).
وكان من فضل الله على أمة الإسلام أن جعل بينهم صفات الترابط والألفة فقال سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران: 103).
ويقول رسول الله صَلى الله عليه وسلم منبهاً المسلمين لمسألة الأخوة: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام» (رواه البخاري)، وسئل رسول الله صَلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس، فقال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان»، قالوا: صدوق اللسان نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ قال: «التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد» (سنن ابن ماجه).
2- ذكر الله:
عبادة الذكر من أهم العبادات، وأيسرها، بها يطمئن القلب: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد 28)، وبها يتجدد الإيمان، وبها يذكر العبد في السماء والله عز وجل يقول: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) (البقرة: 152)، ومدح الله عباده الذاكرين ووعدهم بالأجر العظيم: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب: 35).
ومن أجل العبادات وخيرها كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال عليه الصلاة والسلام: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من أن تنفقوا الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟»، قالوا: بلى يا رسول الله قال: «ذكر الله عز وجل» (رواه أحمد والترمذي).
3- الحب في الله:
من السعادة أن تعرف أن الله عز وجل قد اصطفاك لتكون ممن يظلهم في ظل عرشه، ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه» (البخاري، ومسلم)، والمسلم حين تصفو نفسه فلا يحمل في قلبه للمسلمين إلا خيراً، يسعد صاحبه بالسلام النفسي وراحة الضمير، والحب في الله يناديهم الله عز وجل يوم القيامة ويميزهم عن غيرهم من المؤمنين: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظلَّ إلا ظلِّي» (رواه مسلم).
والحب في الله يخلف حلاوة في القلب لا يجدها إلا المحب، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» (البخاري ومسلم).
وكل صاحب يوم القيامة هو عدو لصاحبه إلا أولئك الذين طهروا قلوبهم من كل حب إلا حب هو لله، فيقول سبحانه: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف: 67).
4- الرضا والاستسلام لقدر الله:
الرضا من أهم العبادات القلبية التي تدل على حب العبد لربه ورضاه عنه وتسليم نفسه له سبحانه، والمحرك الأساسي لقلب المؤمن وسلوكياته نابعة من قوله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 51)، ويستند لفهمه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عباس حين قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا غلامُ، إني أُعلِّمُك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفَظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنْتَ فاستعن بالله، واعلم أن الأُمَّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلَّا بشيء قد كتبَه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء، لم يضُرُّوك إلَّا بشيء قد كتبَه الله عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحُف» (أخرجه الترمذي).
فحين يكون المحرك الإيماني هو دافع لكافة السلوكيات الإنسانية يطمئن القلب ويسعد بكل عطاءات الله مهما كان ظاهرها، فهو يحسن الثقة بالله.
5- الصلاة:
الصلاة حبل موصول بين العبد وربه، تتحقق فيها الكثير من العبادات، ففيها الذكر، وفيها الصوم، وفيها الحج، وفيها التسبيح، ولا توجد عبادة يجتمع فيها هذا القدر من العبادات إلا الصلاة، فيها الفلاح والفوز، يقول تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون)، ويقول سبحانه في وصف رجال سعداء: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) (النور: 37).
وكيف لا يسعد من صلى الفجر في جماعة أو على وقته من النساء وهو يعلم أنه في ذمة الله ورعايته وحفظه حين يقرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم»؟ وذمة الله: عهده بالحفاظ والرعاية. (رواه مسلم).
وكيف لا يسعد قلب المؤمن حين يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يقرأ حديث النبي عليه الصلاة والسلام: «ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة» (صحيح مسلم).