من رحمة الله تعالى بعباده أن فرض عليهم عبادات تربطهم بالسماء لتطهرهم وتسمو بهم وتطمئن نفوسهم إلى جوار الله عز وجل والصلة الدائمة به على مدار اليوم، فلا يترك فرصة للشيطان للاستحواذ عليه أو للنفس لتضعف به، فكلما هَمَّ بمعصية ذكرته عبادة بالله فيرجع ويؤوب، وإذا شغلته الدنيا ذكرته عبادة أخرى به سبحانه.
ومن هذه العبادات التي تمثل الصلة الدائمة بالله عز وجل الصلاة التي فرضها على الأمة خمس مرات في اليوم والليلة، فلا يكاد الإنسان ينسى، ولا يكاد الشيطان يمسه إن هو أقامها بحقها، وعاش في رحابها كما يحب أن يراه رب العالمين.
والصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام، ثبتت فرضيتها بالقرآن الكريم، وثبتت كيفيتها بالسُّنة النبوية المطهرة، قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ) (هود: 114)، وقال تعالى: (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) (الإسراء: 78).
وعن طلحة بن عبد الله قال: جاء رجل الي النبي صلي الله عليه وسلم من قبل نجد ثائر الرأس يسأل عن الصلاة فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «خمس صلوات في اليوم والليلة»، قال: هل عليَّ غيرهن قال: «لا إلا أن تطوع» (رواه البخاري، ومسلم).
فضل الصلاة
الصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين، وفي البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً»، والصلاة مطهرة مكرمة، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) (العنكبوت: 45)، فهي تطهير للنفس وسكن للروح، وليس هذا فقط، بل هي تطهير للبدن أيضاً، فعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟»، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: «فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا» (متفق عليه).
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها، وخشوعها، وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله» (رواه مسلم).
والصلاة هي الحد الفاصل بين الكفر والإسلام، فمن أداها كما ينبغي فهو مسلم، ومن تركها إنكاراً لها فهو كافر بإجماع العلماء، والصلاة نور؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور..» (رواه مسلم).
التأكيد النبوي على صلوات بعينها
وعلى أهمية كافة الصلوات على وقتها، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اختص بعض الصلوات دون غيرها بمزيد من التأكيد خوفاً من تهاون الأمة فيها خاصة في أوقات البرد مثل صلاة العصر والعشاء والصبح، فقد يكسل الناس عنها لأنها تأتي وقت الراحة وحب المكوث بالبيوت، فيخاطب النبي صلى الله عليه وسلم الفكرة السوية ترغيباً وترهيباً من إمكانية التفريط في تلك الصلوات، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» (البخاري ومسلم).
وعن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى البردين دخل الجنة»؛ يعني الصبح والعصر (رواه البخاري، ومسلم)، وعن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإن من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم» (رواه مسلم).
الوضوء طهارة للنفس والبدن
والصلاة بداية من الوضوء تحقق ذلك السلام النفسي، والتوازن الخارق بين احتياجات الروح واحتياجات الجسد، فهي توجه بالوجه والقلب صوب المسجد الحرام، وهي صوم عن الطعام والشراب والكلام إلا مع الله، وهي استغفار ودعاء وعبودية لله عز وجل، وفيها تُنطق الشهادتان مرتين في جلسة التشهد الأولى والثانية وهو الركن الأول من أركان الإسلام.
ويبدأ المسلم بالنية، واستحضار معية الله عز وجل، هو لا يريد تأدية الصلاة للخلاص من الفريضة، بل هو يريدها ليلقى الله فيها، ولأنه يعلم أن الله معه في كل وقت وحين، فهو على وضوء الصلاة في كل وقت وحين، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن»(1).
والوضوء عبادة، وطهر نفسي قبل أن يكون طهوراً بدنياً، قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «مَن تَوضَّأ وُضوءًا نَحوَ وُضوئي هذا، وصلَّى رَكعتَين لا يُحدِّثُ فيهما نفْسَه بأنْ يُؤدِّيَهما بإخلاصٍ وخُشوعٍ وطُمأنينةٍ؛ غَفَرَ اللهُ لَه ما تَقدَّم مِن ذَنبِه مِن الصَّغائرِ»(2).
وعن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُسْلِمُ، أَوِ المُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِن وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بعَيْنَيْهِ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِن يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، حتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ» (أخرجه مسلم).
التوازن الإنساني في معاني الصلاة
ثم يكبر تكبيرة الإحرام ليدخل للقاء الله في الصلاة طاهر النفس والبدن، خالياً من الذنوب، يطرح الدنيا خلف ظهره ثم هو يقف بين يدي الله مخاطباً مستجدياً متعبداً، يقرأ الآية من فاتحة الكتاب، ثم ينتظر من الله سبحانه الجواب، يقرأ ويتأنى ويتعايش ويحسن، يتعبد وكأنه يرى الله، فإن لم يكن يراه، فالله سبحانه يراه.
_________________________
(1) رواه مالك في الموطأ، وابن ماجه، وصححه الألباني.
(2) لأنَّ الكَبائرَ لا بُدَّ لها مِن تَوبةٍ، فهذا العُمومُ خُصَّ منه الكَبائرُ بما أخْرَجَه مُسلمٌ مِن حَديثِ أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «الصَّلواتُ الخمْسُ، والجُمعةُ إلى الجُمعةِ، ورَمضانُ إلى رَمضانَ؛ مُكفِّراتُ ما بيْنهن إذا اجتُنِبَت الكَبائرُ»، وأيضًا رَدُّ المَظالِمِ، ونحْوُ ذلك مِن شُروطِ التَّوبةِ