هل تعلم أن العالم العربي الذي ينعم بثروات نفطية ومعدنية وزراعية وحيوانية هائلة، سجل معدل بطالة بنسبة 12%، في العام 2022م، وهو المعدل الأعلى في العالم؟
وهل تعلم أن هناك أكثر من 17 مليون شخص في المنطقة العربية لم يستطيعوا الحصول على وظيفة، وفق تقديرات منظمة العمل الدولية في العام 2023م؟
وهل تعلم أن عدد سكان الوطن العربي يبلغ أكثر من 470 مليون نسمة، يشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و24 عاماً، 28% منه إجماليه، وفق بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان؟
لكن الأهم من تلك الأرقام والبيانات، أن هذا العالم الذي يمتد من الخليج شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، في حاجة إلى توفير أكثر من 33 مليون فرصة عمل بحلول العام 2030م، فهل صناع القرار، ودوائر الحكم والمال والأعمال، على أهبة الاستعداد لذلك؟
يمكن الانطلاق من لغة الأرقام إلى مناقشة أبعاد هذا التحدي الجسيم، الذي يجثم على صدور الشباب العربي منذ عقود، مع تزايد معدل النمو السكاني، واستمرار الأزمات السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة، إضافة إلى تطور سوق العمل بشكل هائل، بات يبدو في الأفق، غير ملائم، لاستيعاب الخريجين من منظومات التعليم المترهلة عربياً، والمتخلفة عن ركب التقدم في الألفية الثالثة.
رأس الأسباب وراء أزمة البطالة تدني مستوى التعليم وعدم مواكبة المناهج الدراسية لمتطلبات العصر
بالتأكيد، تختلف أسباب البطالة من مجتمع إلى آخر، وتتفاوت النسب من دولة إلى أخرى، لكن في المجمل، تبقى نسب البطالة عربياً هي الأعلى والأخطر، فوفق بيانات البنك الدولي، سجلت جيبوتي معدل بطالة بنسبة 26.3%، تليها الضفة الغربية وغزة 24.4%، والصومال 19%، وليبيا 18.7%، بينما سجل الأردن 17.9%، واليمن 17.2%، والعراق 15.5%، وتونس 15.1%، خلال العام 2023م.
وجاءت معدلات البطالة في باقي الدول العربية، كالآتي، سورية 13.5%، الجزائر 11.8%، لبنان 11.6%، السودان 11.4%، موريتانيا 10.5%، المغرب 9.1%، جزر القمر 5.8%، مصر 7.3%، بينما انخفض المعدل في دول الخليج تحديداً، ففي السعودية كان معدل البطالة 4.9%، بينما في الإمارات 2.7%، والكويت 2.1%، وعُمان 1.5%، والبحرين 1.2%، فيما جاءت قطر كأقل البلدان العربية معاناة من البطالة بنسبة 1.0%، بحسب البنك الدولي.
تقول منظمة العمل العربية: إن واحداً من كل 5 شباب (20.4% من سكان العالم)، ينتمي إلى فئة الذين لا يعملون ولا يتعلمون ولا يتدربون، وأن أكثر من نصف العمال الشباب، في وظائف غير رسمية؛ ما يعني جسامة هذا التحدي الذي يخلف آثاراً كارثية، تصل بالمرء إلى الفقر والجريمة والعنوسة والإدمان والإلحاد والانتحار.
يبدو أن البطالة أساس الشرور في هذا العصر الذي تحكمه المادية، وتسيطر عليه الاستهلاكية بشكل متنام ومتسارع، بما يجعل حل تلك المشكلة مفتاحاً سحرياً؛ للقضاء على الكثير من الأزمات التي يعانيها الشباب العربي، والانتقال بدول المنطقة من مصاف دول العالم الثالث، إلى مقدمة الأمم، وصدارة العالم.
حينما تكون الدول العربية هي الأكثر شباباً حول العالم (ربع سكان المنطقة من الشباب)، فمتوسط أعمار السكان في الوطن العربي تحت سن الثلاثين في معظم الدول؛ بل إن نحو 60% من السكان تقل أعمارهم عن 25 عاماً؛ ما يعني أننا أمام طاقة مهدرة، وثروة بشرية لا تقدر بثمن، ليس من المنطقي أن تظل أسيرة للبطالة والخمول، أو رهن الفراغ وقلة فرص العمل.
أسباب وحلول
بالنظر إلى أن المنطقة العربية تسجل واحدة من أعلى معدلات بطالة الشباب في العالم، وفق منظمة التعاون الاقتصادي، فإن الأمر جلل، ويحتم تشخيص الأسباب، وتوفير الحلول، شريطة توافر إرادة حقيقية لدى صناع القرار لاستئصال هذا الخطر الجسيم، وليس الهروب من المواجهة بإتاحة مساحات أكبر من اللهو والترفيه، والدفع بتلك الطاقة البشرية الهائلة إلى بئر الفراغ والشهوات والجنس والكرة والموضة وغيرها من ملهيات العصر.
توافر الإرادة السياسية كفيل بوضع خارطة طريق للتخلص من أزمة البطالة وتحويلها إلى مصدر إيجابي
إن الأزمة لا تكمن في الموارد أو في عدم توافر السيولة المالية، بقدر ما هو تهميش للشباب، ورغبة في عدم تمكين تلك القوة البشرية تعليمياً واقتصادياً وسياسياً، وتحويل التعليم إلى شهادات ورقية فقط، ومؤهلات لا تسمن ولا تغني من جوع.
يقف على رأس الأسباب وراء أزمة البطالة، تدني مستوى التعليم في العديد من الدول العربية، وعدم مواكبة المناهج الدراسية لمتطلبات العصر، واعتماد الطرق النظرية في التدريس، وإهمال الجوانب العملية، وتغييب المهارات اللازمة المحفزة للتفكير والإبداع، وغياب التخطيط، والربط بين سوق العمل ومخرجات التعليم والتدريب، وضعف موازنات الإنفاق على التعليم والبحث العلمي.
كذلك من الأسباب التي تفاقم من المشكلة، تفشي الفساد، وانتشار المحسوبية، وسوء توزيع الثروات، والاستبداد السياسي، والبيروقراطية، وسوء الإدارة، وغياب الأولويات، والتوجه نحو الاقتصاد الاستهلاكي والترفيهي، إضافة إلى إغراق المنطقة العربية في نزاعات أهلية وحروب وصراعات سياسية لا نهاية لها.
لكن توافر الإرادة السياسية أولاً، كفيل بوضع خارطة طريق للتخلص من تلك الأزمة، بل تحويلها من عامل سلبي ولغم قاتل، إلى مصدر إيجابي، وقوة دفع، وسلاح بشري، يقود عالمنا العربي نحو التقدم، حال تطبيق منظومة كاملة من الإجراءات والسياسات، تُعنى أولا بالنهوض بالتعليم والتدريب المهني، ورفع كفاءة مخرجاته، وتطوير مستوى الخريجين بما يتلاءم مع سوق العمل، ومواكبة احتياجات الرقمنة والتطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، ودراسة سوق العمل في بلاد الغرب، وفي المجتمعات التي تعاني من الشيخوخة في تركيبة سكانها؛ لتلبية احتياجاتها من الكفاءات والعمالة الماهرة.
وينصح الخبراء بعمل خريطة تبين اتجاهات سوق العمل العربي والعالمي، وصياغة مناهج تلبي احتياجات السوقين، وتطبيق معايير تعليمية وتنافسية موحدة، والتوسع في التعليم التقني، وإقرار برامج وطنية في مجال التدريب والتأهيل والتشغيل، تطبق المعايير الدولية، بما يتيح تأهيل العمالة الوطنية، وإكسابها ميزات تنافسية، تتفوق على العمالة الهندية أو الأفريقية، على سبيل المثال.
للحد من تنامي البطالة زيادة دعم المشروعات الصغيرة وتقديم التسهيلات لمشروعات شباب الخريجين
وللحد من تنامي البطالة، زيادة دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتبني المشاريع الابتكارية والإبداعية، وتقديم التسهيلات لمشروعات شباب الخريجين، ومنح الشباب القروض الحسنة، وتوفير الدعم الإعلامي لهم، وإتاحة الخبرات المطلوبة، وتوفير بنك معلومات لهم بالخارطة الاستثمارية والاقتصادية في كل بلد على حدة، وسن قوانين تحفز على الاستثمار، مع أهمية الربط بين الشباب وبيئة العمل في القطاع الخاص.
وهناك حلول تطرح نفسها بقوة، وهي متاحة فعلياً، وتتطلب المزيد من العمل والدعم لتعزيز نتائجها، مثل مشروعات استصلاح الأراضي، والثروة الحيوانية، والاستزراع السمكي، وتدوير النفايات، والتنسيق البيئي، ومشروعات الطاقة المتجددة، والتسويق الإلكتروني، وصناعة المحتوى، والترجمة، والتدريب، وغيرها من أنشطة مربحة، تتطلب بيوت خبرة، تقدم التدريب والدعم اللازمين للشباب، من دراسات الجدوى، والاستشارات الفنية والمالية والقانونية.
ويمكن التشجيع على التقاعد المبكر حتى يتم توفير فرص عمل جديدة للخريجين، والحد من العمالة الخارجية، وربط الحصول على فرصة عمل بالتفوق العلمي، وعمل مسابقات محلية وإقليمية للتوظيف، وصناعة مواد إعلامية تشجع على قهر البطالة، وتقديم جوائز سنوية للشباب الناجح عملياً، والاستفادة من التجربتين اليابانية والصينية وغيرهما من التجارب المتميزة في مواجهة البطالة، وتعزيز ثقافة وخطط وبرامج العمل عن بُعد.