أجرى الحوار- خالد بورسلي:
أحمد سعد الجاسر من الشخصيات الكويتية التي عملت في عدة مجالات ذات طابع سياسي واجتماعي وله بصمات واضحة في كل مجال يعمل به، ولقد تم اختياره لعضوية المجلس الأعلى للتخطيط في التشكيل الأخير، وهو وزير أوقاف سابق ورئيس مجلس إدارة جمعية النجاة الخيرية التقته “المجتمع”| وأدارت معه هذا الحوار حول العمل الخيري.
بصفتك رئيس جمعية النحاة الخيرية، ما نظرتك للعمل الخيري في الكويت وكيف تقيم الإجراءات الرسمية التي تم اتخاذها بشأن تنظيم العمل الخيري؟
– العمل الخيري في الكويت له تاريخ عريق، ومع مرور الوقت والتطوير هناك من يقف مع الإجراءات التنظيمية والبعض يعارضها وهذا أمر طبيعي لأن الناس جبلت على الاستقرار، فمثلاً لجان الزكاة ظهرت قبل بيت الزكاة.
ولها فضل السبق في تحصيل أموال الزكاة وتوصيلها للمستحقين، وهذا لا يعني أن تكون لجان الزكاة ضد قيام مؤسسة حكومية تدير شؤون جمع الزكاة وتوزيعها على أسس ونظم إدارية متقدمة، بل العكس كل من ينادي بتطبيق الشريعة الإسلامية يرى في قيام بيت الزكاة خطوة رائدة نحو تطبيق الشريعة، وهنا لابد من التنسيق وتكامل الأدوار بين اللجان وبيت الزكاة، ولابد من دعم كل توجه شعبي أو حكومي لإقامة إدارة لرعاية نشاط العمل الخيري بطريقة مؤسسية، وبيت الزكاة من الإدارات الحكومية التي تعمل بصورة مثالية ومتقدمة جداً، ولنا الفخر والاعتزاز بهذه الإدارة، وعليه يجب أن تكون علاقة اللجان بالبيت علاقة تعاون وكل جهة تكمل دور الجهة الأخرى، وعلى بيت الزكاة أن يعتبر لجان الزكاة أذرع ممتدة له بالمناطق السكنية تستطيع أن تصل للمحتاجين الذين قد يتعففون عن مراجعة مقار بيت الزكاة، وبالتالي لا يصلهم الخير إلا عن طريق لجان الزكاة التي تعايشهم في مناطقهم وتتعرف عليهم من قرب، ومن جانب آخر هذه المجموعة الطيبة من الشباب الخير الذي يعمل بصورة تطوعية باللجان الخيرية هم موظفون دون راتب يقومون بعمل بيت الزكاة ويجب على بيت الزكاة أن يقدر دورهم وأن يدعمهم لأن النتيجة والهدف واحد من غير أن تتكلف ميزانية الدولة أي أعباء مالية أو إدارية، ومن جهة أخرى فإن العلاقات الوطيدة بين العاملين بلجان الزكاة وأهل الخير ولدت ثقة خاصة بين الطرفين تحقق دائماً موارد خاصة للزكاة والصدقات من خلال أشخاص يعملون في لجان الزكاة، وهنا تأتي الاستفادة من أعضاء لجان الزكاة لأنهم من أبناء المناطق ومعروفين لدى المزكين والمصلين في هذه المساجد ويسهل من خلالهم الحصول على الزكوات والصدقات وإلا قد يتصرف بها نفس المزكي دون الرجوع لبيت الزكاة وبالتالي قد يغيب عنه المحتاج الحقيقي، ومن هنا فإن إدارة العمل بطريقة مؤسسية يجب ألا تزعجنا أبداً إذا كان القصد منها التنظيم والتنسيق والرقابة حسب دفاتر محاسبية وفق الأصول المتبعة، وهذا بالفعل ما يجري حالياً، فجميع اللجان الخيرية ولله الحمد لديها دفاتر حسابات ولديها مكاتب تدقيق ويشرف عليها بيت الزكاة إشرافاً كاملاً، والجميع يلتقي على هذه الإجراءات.
دور وزارة الأوقاف يتعدى المصلين في المساجد إلى جميع الفئات والجاليات الموجودة في الكويت
ولكن لعل الظروف المحيطة سواء في الداخل أو في الخارج جعلت الشكوك تثور لدى البعض في صدق النوايا حول هذه الإجراءات لأن هناك هجمة عالمية شرسة ضد كل توجه إسلامي وهناك ضغوط لتجفيف منابع الخير.
بصفتك وزيراً سابقاً للأوقاف، كيف تقيم دور وزارة الأوقاف في تنمية المجتمع؟
– لا شك أن كل من تولى وزارة الأوقاف قبل إنشائها كوزارة وحتى الآن هم من خيرة الرجال، ولا نزكي على الله أحداً، ولكن مع مرور الوقت حيث التقدم والتطور شهدت الوزارة جانباً من هذا التطوير، وبالنسبة للفترة التي استلمت فيها الوزارة أستطيع القول إنها فترة انتقالية من حيث الجانب الإداري وتحديد المسؤوليات وتوزيعها، وطبيعة العمل في الوزارة قبل أن أدخلها كان مألوفاً لجميع العاملين ويسير العمل بصورة مرضية للجميع من حيث إدارة المساجد وعمل الصيانة للمباني التابعة للوزارة وهذه أمور تقليدية اعتاد الناس على أنها من مسؤولية وزارة الأوقاف.
ومن جانب آخر دور وزارة الأوقاف لا يجب أن يقف عند إلقاء الخطب في المساجد ولا يقتصر على مجموع المصلين الذين يحضرون للمساجد ويستمعون للخطب كل جمعة، إذ إن هناك أناساً لا يحضرون للمساجد ويستمعون لخطب الجمعة، ولابد للوزارة أن تصل إليهم، وعلى الوزارة أن ترعى كل الفئات والشرائح من رجال ونساء وشباب وشياب وأن تصل إليهم بشتى الوسائل الإذاعة، والتليفزيون، والصحافة، والدعاة.
وأن تصل لكل الجاليات من غير الكويتيين وعرب وحتى غير المسلمين لابد أن يعرفوا الإسلام الصحيح ويذهبوا لبلادهم وهم يحملون صورة حسنة عن الإسلام والمسلمين، وخلال استلامي للحقيبة الوزارية في وزارة الأوقاف أستطع أن أحيي هذا الدور للوزارة الذي لم يكن موجوداً في الفترة السابقة لدخولي الوزارة. وخلال تلك الفترة بدأ الوقف يأخذ دوره الرائد في تنمية المجتمع إلى جانب الاهتمام بدور الكويت خارجياً من خلال وزارة الأوقاف وإمكاناته المالية وما تخصصه الدولة لدعم الأعمال الخيرية في الدول الإسلامية عموماً ومساعدة الجاليات الإسلامية في دول العالم من خلال اللجان الخيرية التي تعمل خارج الكويت.
وأحب أن أؤكد أن جميع ما ذكرته من أعمال تقوم بها وزارة الأوقاف يحتاج إلى كفاءات ولابد من استقطابها وتشجيعها ودعمها حتى تحمل هـم الرسالة.
والحمد لله تم استقطاب مجموعة من الشباب ذات الكفاءة للعمل في وزارة الأوقاف.
كيف ترى توجه الحكومة من أجل تهيئة الأجواء لتطبيق الشريعة الإسلامية؟
– أعتقد أن مسؤولية اللجنة العليا للعمل على استكمال أحكام الشريعة الإسلامية مسؤولية كبيرة وهي تواجه تحديات في طريقها، عليها أن تتصدى لهذه التحديات، فكما أن اللجنة تعمل لتهيئة الأجواء لتطبيق الشريعة فهناك أيضاً تيارات تعمل ضد توجه اللجنة وتسعى لعدم تهيئة الأجواء لتطبيق الشريعة، ونحن نعيش صراعاً فكرياً قد يكون غير بارز ولكنه موجود فهناك ناس يتمنون أن يعيشوا في مجتمع إسلامي فاضل يطبق كل أحكام الشريعة الإسلامية بصورة كاملة شاملة، وهناك أناس أثرت فيهم بعض التيارات يريدون أن ينفكوا من أي قيد على سلوكياتهم أو على التزماتهم وأن يمارسوا الحرية بأوسع صورها هذه حقيقة موجودة ولا نستطيع أن نتجاهلها وهي واقع الانفتاح العالمي الذي يغري كثيرين أن ينضموا إلى هذا التيار التحرري الانفتاحي، وعلى من يعمل لتهيئة الأجواء لتطبيق الشريعة الإسلامية أن يتعامل مع هذا التيار كواقع موجود وأن يزرع القناعات في نفوس الشباب اليوم على اعتبار أن الشباب منفتح على العالم كله وعلى تياراته وتناقضاته وحرياته وإباحيته، ويجب تهيئة هذا الشباب لكي يحصَّن لا عن طريق العزلة أو عن طريق النهي، وإنما عن طريق زرع الوازع وعن طريق ترسيخ الهوية والانتماء لهذا الدين ولهذه الأمة وإيجاد الحصانة الذاتية التي تمكن هذا الشاب من أن يتمسك بدينه ويعتبر الانتمائية لأمته الإسلامية ولوطنه ولعقيدته حيثما كان وفي أي بيئة إباحية يعيش فيها.
ولعل هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستصمد أمام الحملة الإعلامية الشرسة الموجهة للنيل من شباب الأمة الإسلامية، وهذا يضع العاملين في لجنة تطبيق الشريعة أمام مسؤوليات لم تكن في السابق وأن يتعاملوا مع هذه التحديات بأساليب مختلفة عن الأساليب التقليدية وهذا ممكن تحقيقه وليس مستحيلاً بدليل أن كثيراً من الشباب المتدين يذهبون لأوروبا ولأمريكا ويعودون وهم أشد تديناً والتزاماً رغم أنهم عاشوا في حضن الإباحية والتحلل الأخلاقي ولكن العبرة في طريقة التكوين الداخلي للفرد، ولو وجهت الجهود الرسمية والشعبية بعيداً عن المنازعات والانجرار نحو المناقشات الجدلية وكرست كل الجهود لصياغة الفرد المسلم المنفتح على هذا العالم الذي يعج بالانحرافات الخلقية السلوكية واستطاع هذا الفرد أن يتحدى كل الظروف ويواجه كل الصعاب وعندها نكون قد حققنا الكثير على طريق تهيئة الأجواء لتطبيق الشريعة الإسلامية، وأنا على يقين أن الإخوة في اللجنة لديهم هذا التصور وإنها مسؤولية الجميع لدعم هذه اللجنة وتحقيق أهدافها(1).
____________________
(1) تم نشر هذا الحوار بـ«المجتمع» في العدد (1229)، 29 رجب 1417هـ / 10 ديسمبر 1996م، ص12-13.