يحرص كل مسلم على تحقيق محبة الله عز وجل، وقد أوضح الله تعالى العديد من السبل، وكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن العديد من الأعمال التي يحب الله عز وجل من عبده أن يفعلها، وقد تسابق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في السؤال عن الأعمال التي يحبها الله تعالى، وجاءت الإجابات النبوية عن هذا السؤال متنوعة، تفسح المجال أمام الاستزادة من العبادة وتحقيق القُرب من الله تعالى، ويتبين ذلك فيما يأتي:
أولاً: الإيمان بالله.، صلة الرحم.، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
في «صحيح الترغيب والترهيب» عن رجلٍ من خثعم قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في نَفَرٍ مِنْ أصْحابِه، فقلتُ: أنْتَ الذي تزعُم أنَّك رسول الله؟ قال: «نعم»، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ قال: «الإيمانُ بالله»، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، ثُمَّ مَهْ؟ قال: «صِلَةُ الرَّحِمِ»، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، ثُمَّ مَهْ؟ قال: «الأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عنِ المنكَرِ».
فالإيمان بالله تعالى هو الأساس الذي تُبْنَى عليه الأعمال، فهو أحب ما يتقرب به الإنسان إلى الله تعالى، ثم تليه صلة الرحم، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو المتمثل في الدعوة إلى الله تعالى، حيث قال عز وجل: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت: 33).
ثانياً: أداء الفرائض.. المداومة على النوافل:
روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأعطينَّه، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأعيذنَّه».
ثالثاً: الصلاة على وقتها.. بر الوالدين.. الجهاد في سبيل الله:
ليس كافياً في تحقيق محبة الله تعالى أن يأتي العبد بالصلاة المفروضة في أي وقت، بل الإتيان بها في وقتها من غير تأخير أو إهمال، حتى يتعود المسلم على تعظيم قدر الصلاة، التي هي عماد الدين، ويدل على أن الإتيان بالصلاة في وقتها من أحب الأعمال إلى الله، ما رواه الطبراني في المعجم الكبير، عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا».
وروى البخاري، ومسلم عن عَبْدِ للَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
وإذا كانت الصلاة على وقتها من الأعمال المحبوبة إلى الله تعالى فإن بر الوالدين محبوب إلى الله أيضاً، فقد أمر الله به في قوله: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (الإسراء: 23)، أما الجهاد في سبيل الله فهو ذروة سنام الإسلام، ففي سنن الترمذي عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟»، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ».
رابعاً: إدخال السرور على المسلمين وقضاء حوائجهم:
روى الطبراني عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ (يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ) شَهْرًا».
خامساً: مداومة العمل الصالح ولو كان قليلاً:
في صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل: أي العمل أحب إلى الله قال: «أدومه وإن قل»، وروى مسلم عن القاسم بن محمد، قال كَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ؛ أي داومت عليه، وروى ابن ماجه عن أم سلمة قالت: «كَانَ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم الْعَمَلُ الصَّالِحُ، الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا».
سادساً: مداومة ذكر الله:
روى الطبراني في المعجم الكبير، عَنْ أُمِّ أَنَسٍ، قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: جَعَلَكَ اللهُ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى مِنَ الْجَنَّةِ وَأَنَا مَعَكَ وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي عَمَلًا صَالِحًا أَعْمَلُهُ، فَقَالَ: «اذْكُرِي اللهَ كَثِيرًا، فَإِنَّهُ أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ أَنْ تَلْقِينَهُ بِهِ».
وفي صحيح الجامع عن معاذ بن جبل قال: إن آخر كلام فارَقت عليه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن قلتُ: أي الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: «أن تموت ولسانُك رَطْبٌ من ذِكر الله».
سابعاً: الحب في الله والبغض في الله:
روى الإمام أحمد في مسنده، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، الغفاري قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟»، قَالَ قَائِلٌ: الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ، وَقَالَ قَائِلٌ: الْجِهَادُ، قَالَ: «إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ الْحُبُّ فِي اللهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللهِ»، وقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحب في الله والبغض في الله من علامات استكمال الإيمان، ففي سنن أبي داود عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ».
ثامناً: حسن الخلق:
لقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يحب الخلق الحسن، وذكر لذلك نماذج متعددة من الأخلاق الفاضلة، حيث روى الطبراني والحاكم عن سَهلِ بنِ سَعدٍ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ كَريمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ ومَعالِىَ الأخلاقِ، ويُبْغِضُ سَفْسافَها»، وإن الخلق الحسن يبلغ بصاحبه أعلى الدرجات، حيث روى الترمذي عن جابر بن عبدالله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا».
تاسعاً: الرفق في الأمر كله:
روى البخاري عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إنَّ الله رفيق يحب الرِّفق في الأمر كله».
عاشراً: الإتقان في العمل:
روى البيهقي وصححه الألباني عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ».