الفن رسالة عظيمة وقيمة إنسانية راقية، وللأسف البعض يوجهها الاتجاه السيئ
في عالم المعارك الأخلاقية والمبادئ، والصراع المحتدم بين القبح والجمال، الخير والشر، الفضيلة والرذيلة، الحق والباطل، الجدية والإسفاف، الرقي والابتذال، يقف الفنان محدداً مكانه من هذه الثنائيات.. بناء على قناعة راسخة أو فطرة سليمة أو نقيضيهما، فيكون إنتاجه تزاوجاً بين الإبداع والقيمة، وبين أصول الفن الذي يحترفه والمبادئ التي يعيش لها، وقد كان هذا الحوار مع فنان وهب نفسه لقيمة كبرى، وتجلت في إبداعه، الفنان وجدي العربي.
* بداية، نحب أن نعرف ما سبب توجهك الديني واختيارك الفن الإسلامي الملتزم؟
– في الحقيقة لا يوجد شيء اسمه فن إسلامي، فالفن رسالة سامية تسهم في نفع المجتمع وتشكيل وعي أبنائه وترقية وجدانهم، وما دام قد قام بهذه الرسالة فهو إسلامي لا يحتاج للديباجة، حتى ولو لم يضع اللافتة فوق رأسه.. لكننا اليوم للأسف وسط تيارات مختلفة، الليبرالية منها والعلمانية تحاول فرض سيطرتها على الجهاز الإعلامي، وقد قدمت خلال مسيرتي الكثير من الأعمال، وأحسب أن الأعمال التي قدمتها لا يوجد فيها ما يشوب تاريخ وجدي العربي، ربما لم أكن كيّساً في اختيار بعض الأدوار، لكن حتى بعض الأعمال التي لم أكن راضياً عنها لا تمثل أي توجه غير أخلاقي في المجتمع المصري أو العربي، أما أسباب توجهي للالتزام فتتمثل في أني وجدت أن تاريخنا الديني العظيم مهجور، وهو ما ينعكس على ابتعاد أولادنا أيضاً عنه، وهو الأمر الذي سينعكس على الأجيال القادمة؛ ولهذا نجد أن الأسس التي وضعها سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” قبل 14 قرناً حاد عنها الكثير إلا من رحم ربي، ومن تلك الأسس؛ التعرف على الشخصيات الإسلامية العظيمة وتمثل سيرتهم العطرة ومسيرتهم الطيبة في الحياة.
* من خلال تجربتك، كيف يمكن أن يكون الفن موجهاً للمجتمع ناصحاً له لا يؤدي به إلى الانحراف؟
– أعود وأقول: إن الفن رسالة عظيمة وقيمة إنسانية راقية، وللأسف البعض يوجهها الاتجاه السيئ، لكن لا بد من توجيه المواهب في مجتمعاتنا العربية التوجيه الصحيح بما يخدم قضايا المجتمع وأهدافه النبيلة، وتأثير مسرحية مثل «مدرسة المشاغبين»، على سبيل المثال، يكشف بجلاء عن قدرة الفن الهائلة على توجيه المجتمع بالسلب، وكذلك بالإيجاب.
* مع قصر فترة حكم الرئيس «مرسي»، كيف تقرأ واقع الإعلام في هذه الفترة؟ وهل كان مقيِّداً للفن؟
– الآن اتضح الكثير من الأمور، وأن الكثير من الأشياء كان مخططاً لها لإجهاض هذا الحكم وتقويضه، وقبل حكم الرئيس «مرسي» دعيت إلى اجتماع مع تيارات أخرى من قبل د. محمد عبدالمنعم الصاوي (رئيس لجنة الثقافة والسياحة والإعلام في مجلس الشعب)، وصدر ميثاق شرف فني توافق الجميع تقريباً عليه، لكن لم يحدث التزام به، وكان نتيجة عدم الالتزام ملموسة وواضحة؛ لأن أسوأ الأفلام أنتجت للأسف في عهد الرئيس «محمد مرسي»، كأنهم أرادوا أن يوجهوا رسالة مفادها هو استمرارك كرئيس والإسلاميون يحكمون يستدعي أن «نذبح لهم القطة من البداية»، وفي عهد الرئيس «مرسي» لم يكن هناك أي عائق في عمل فن، بل فتح باب الحرية على مصراعيه، حتى جاء الانقلاب عاجلاً، فأغلق كل أبواب الحرية إلا حرية الإباحية، والخلاصة أن الرئيس «مرسي» تعرض لمؤامرة ظهرت خطوطها للعيان بمجرد حدوث الانقلاب، وإن كانت ملامحها ظاهرة منذ بداية عهده وحتى قبل أن يأتي.
* في ضوء تسخير الإعلام للتحريض على الشرعية في مصر، هل كان الأجدى أن يتم إيقافه؟ وهل كان ذلك ممكناً؟
– طبعاً كان يجب إيقافه عن التدليس والكذب والتهييج ضد الاستقرار وتعطيل الوطن بالباطل، على عكس ثورة يناير التي كان علاجاً لوضع أسوأ، ولكن كيف يتم ذلك وأجهزة الدولة كلها كانت ضد الشرعية، القضاء، الشرطة، الإعلام، رجال الأعمال، وفوق كل ذلك القوات المسلحة، كان من الممكن إيقافه لكن سوف تنتهي الديمقراطية، ولو أننا تذكرنا بيان «السيسي» لوجدنا أنه ما إن انتهى منه، حتى غلق العديد من القنوات الفضائية.
* مشاركة بعض الفنانين لمقاومة الانقلاب وتأييدهم للشرعية في مقابل هياج كبير من قبل فنانين آخرين ضد الرئيس « مرسي»، ما السبب في ذلك؟
– صراحة أنا أبحث عن فنان آخر يؤيد الشرعية، لكني لا أجد، بعض الفنانين كتبوا على «تويتر» تأييدهم للشرعية، وقلت لهم: هذا الكلام يجب أن يعرفه الناس، ويا حبذا لو حضرتم إلى «منصة رابعة» لتقولوا ذلك.. لكن أحدهم قال لي: «يا حاج وجدي لو قلت هذا الكلام على منصة، لن يسمحوا لي بدخولي التلفزيون»، وكان في مقابل هذا الموقف موقف الفنانين غير الملتزمين، وهذا طبيعي؛ لأن الأمر ارتبط بمصالح مادية، ورؤية لمشاريعهم الفنية التي توقعوا أن يعطلها حكم الرئيس «مرسي»، وبتزاوج طموحاتهم مع رغبات المنتجين في الحرب على الرئيس.
* ما تعليقك على تجربة «باسم يوسف» والحرية الكبيرة التي قدم بها برنامجه في عهد الرئيس «مرسي»، ومنعه بعد الانقلاب؟
– بعض الشخصيات كانت مزروعة لتأدية دور معين، وبعد وقوع الانقلاب الغادر، كان لابد لكل واحد أن يلزم بيته، كل فرد أدى دوره، شكراً د. البرادعي أنت خربت مصر كما خربت العراق وسافرت إلى النمسا بضمير سليم لا يؤنبك، وأمثاله كثيرون، وبدأت النغمة تتغير في الإعلام ومنه إلى بعض الغافلين في الشارع وأصحاب الهوى.. مثلاً لو سألت عن الكهرباء والطلبة والدراسة مع انقطاع الكهرباء إلى نغمة أخرى تقول: وحتى لو انقطعت الكهرباء لابد أن نصبر، والقضاء في عهد الانقلاب هو الذي منع برنامج «باسم يوسف» وهو الذي دافع عن حقه في الشتيمة في عهد الرئيس «مرسي»! < كيف تقرأ واقع الإعلام المصري حالياً؟ وهل وصل إلى درجة كبرى من الإسفاف؟
– كلمة الإسفاف ربما قليلة على بعض وسائل الإعلام المصرية، والمتابع له يلاحظ ذلك، وكأنها مسرحية كوميدية، بعض الإعلاميين يطرح الشيء ونقيضه في الوقت نفسه، بعض الفنانين يقول شيئاً وبعد فترة يقول عكسه تماماً، ولم يعد ذلك يمر على الجمهور؛ لأنه ببساطة جداً يرجع إلى «اليوتيوب» ويجد كيف يناقض هؤلاء أنفسهم، إنهم يعتمدون الآن منهج «اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدِّقك الناس»، بل أكثر من ذلك «اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى تصدِّق أنت كذبتك»، والكذاب من الممكن أن يصنع أي شيء.
* أخيراً كمواطن مصري، كيف يمكن الوصول إلى حل للأزمة الحالية؟
– لابد أن نكون واضحين في قولنا: إن المرحلة الحالية التي تمر بها مصر ليست حرجة إلى درجة كبيرة، والسبب أننا موقنون بالله عز وجل، ثقتنا ليست بالبشر على الإطلاق، وإنما بالله سبحانه وتعالى، ومن يقول: أنا أحب هذا الوطن يجب أن يفعل أي شيء لخدمته، وما يحدث للأسف أن البعض يقدم مصلحته على مصلحة الوطن، وعندما يحدث تعارض بينهما يغلب المصلحة الشخصية ودمار الوطن على مصلحة مصر، وهذه هي الخيانة، مصر اليوم تعيش كارثة سياسية على المستوى الدنيوي، شيء صعب جداً، لكن على المستوى العقدي اليقيني نرى أن الله تعالى يمهل الظالمين، وسيأتي بهم الله عز وجل يوم القيامة لتشهد عليهم أنفسهم بما ارتكبوه بحق الناس، كما أن الدائرة ستدور عليهم قبل أن يموتوا وتتحقق سنن الله فيهم..